بين انقسام الحلفاء وقلق المسافات.. أوكرانيا تبحث عن قدرات الغرب
لم يتوقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن مناشداته للحلفاء برفع جميع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الغربية ضد أهداف روسية.
فزيلينسكي جعل من أولويات أوكرانيا الدبلوماسية إقناع واشنطن والعواصم الغربية الأخرى بالسماح لها بضرب القواعد الجوية والمواقع العسكرية الأخرى في عمق روسيا والتي تُستخدم لشن ضربات ضد بلاده.
وقال الرئيس الأوكراني في تصريحات سابقة: "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وشركاء آخرون لديهم القدرة على مساعدتنا في هذا".
لكن حلفاء أوكرانيا منقسمون بشأن الضربات العميقة في روسيا. وفق تحليل طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
فبريطانيا وفرنسا حريصتان على السماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية في عمق الأراضي الروسية بينما تعارض الولايات المتحدة وألمانيا ذلك.
ما هي الأسلحة التي تريدها أوكرانيا ؟
تم تسليم أوكرانيا صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر، ولكن قيل لها إنه لا يمكن استخدامها لضرب أهداف في روسيا.
وتشمل هذه النسخة:
صواريخ طويلة المدى من نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الذي يطلق من الأرض أو ATACM الذي قدمته الولايات المتحدة في وقت سابق من العام.
الصاروخ المجنح "ستورم شادو" الذي يطلق من الجو والذي تم تصنيعه في بريطانيا وفرنسا التي تسميه "سكالب" بدأت باريس ولندن في توريده العام الماضي.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن تريد كييف صاروخ "توروس" المصنوع في ألمانيا، والذي يبلغ مداه 500 كيلومتر، أي ضعف مدى "ستورم شادو"، ويتمتع برأس حربي أكثر قوة. لكن برلين رفضت حتى الآن توريده.
كما تريد أوكرانيا الحق في استخدام طائرات "إف ١٦" hلمقاتلة التي وصلت إليها حديثا، وهي طائرات أمريكية الصنع ولكن تم توريدها من قبل الدنمارك وهولندا وقريبا من النرويج وبلجيكا، لقصف أهداف في روسيا.
لماذا تحتاج كييف لهذه القدرات؟
الرئيس الأوكراني كان قد أوضح أن بلاده بحاجة إلى أن تكون قادرة على الضرب عميقا عبر الحدود "للدفاع عن أراضيها من الصواريخ الروسية والقنابل الجوية الموجهة، ومنع نقل القوات الروسية، ومواجهة ضغط الطرف الآخر على خطوط المواجهة الرئيسية".
وهذا يعني- بحسب فايننشال تايمز- ضرب القواعد الجوية والعقد اللوجستية ومراكز القيادة والسيطرة وتشكيلات القوات.
واستطاعت القوات الأوكرانية استهداف المطارات الروسية ومخازن الأسلحة ومستودعات الوقود ومجمعات الدفاع الجوي باستخدام طائرات بدون طيار محلية الصنع يصل مداها إلى 1000 كيلومتر.
لكن الصواريخ الغربية أسرع وأكثر دقة وأصعب اعتراضا ويمكنها حمل حمولات أكبر بكثير من الطائرات بدون طيار.
لماذا يتردد الحلفاء؟
باختصار، وبحسب الصحيفة البريطانية- لأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز قلقان بشأن خطر التصعيد إذا ضربت الأسلحة الغربية روسيا نفسها.
وتقول أوكرانيا وأنصارها الأكثر تشددا إن واشنطن وبرلين استشهدتا مرارا وتكرارا بخطر استفزاز الكرملين لتبرير عدم إرسال صواريخ دقيقة ودبابات وطائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى كييف.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، صرحت نائبة المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ: "بالطبع، نحن قلقون بشأن التصعيد. لذا فإن عدم رد روسيا على شيء لا يعني أنها لا تستطيع أو لن تفعل ذلك في المستقبل".
ماذا عن بريطانيا وفرنسا؟
كانت بريطانيا تدافع أمام واشنطن منذ أشهر عن ضرورة تمكين أوكرانيا من إطلاق صواريخ "ستورم شادو" على أهداف داخل روسيا.
وقال مسؤولون رفيعو المستوى لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن الحكومة البريطانية أرسلت طلبا إلى واشنطن وباريس في وقت سابق من هذا الصيف بهذا الشأن.
ونفت إدارة بايدن أنها تحجب الإذن. وقال أحد الأشخاص المطلعين على الوضع: "فكرة النقض قوية للغاية".
ومع ذلك، تعترف الحكومة البريطانية بأن الإجماع بين الحلفاء الغربيين مطلوب بشأن مثل هذه القضية المثيرة للجدال وأنهم يجب أن يتحركوا في خطوة واحدة.
وهناك اعتبار آخر وهو أن صواريخ "ستورم شادو" قد تتطلب الوصول إلى الاستخبارات الأمريكية والمراقبة والاستطلاع في المناطق التي تشوش فيها روسيا إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) التي تستخدمها الأسلحة للاستهداف، وفقا للشخص المطلع على المناقشات.
وفي مايو/أيار، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه للضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية باستخدام صواريخ بلاده.
وقال: "يجب أن نسمح (للأوكرانيين) بتحييد المواقع العسكرية... حيث يتم مهاجمة أوكرانيا".
وأضاف أنه لا ينبغي السماح لهم بضرب أهداف أو منشآت مدنية أخرى. وحين سُئل عما إذا كان هذا هو الموقف الفرنسي، أحال متحدث باسم قصر الإليزيه صحيفة "فايننشال تايمز" إلى تعليقات الرئيس.
هل سيُسمح لكييف باستخدام صواريخ بعيدة المدى في روسيا؟
وفق الصحيفة نفسها، فإنه من المحتمل جدا. ففي مناسبات سابقة، وعندما كانت الولايات المتحدة لا تزال مترددة. كانت بريطانيا وفرنسا أول من تعهد بتقديم دبابات غربية لأوكرانيا.
كما زودتا أوكرانيا بصواريخ كروز العام الماضي عندما كانت واشنطن لا تزال ترفض إرسال صواريخ ATACMS بعيدة المدى.
وسمحت بريطانيا من جانب واحد لكييف باستخدام صواريخ "ستورم شادو" لاستهداف السفن والمرافق البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم، وذلك عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال لديها شكوك بشأن الضربات الأوكرانية على شبه الجزيرة.
وعندما شنت القوات الروسية هجوما على منطقة خاركيف الأوكرانية، اشتكت كييف من عدم السماح لها باستخدام المعدات الغربية لمهاجمة تشكيلات القوات الروسية أو مراكز القيادة والسيطرة أو الخدمات اللوجستية على الجانب الآخر من الحدود.
وقتها عدلت الولايات المتحدة سياستها، قائلة إن أوكرانيا يمكنها ضرب أهداف قريبة من الحدود كانت تستخدم لدعم الهجوم الروسي.
واستخدمت أوكرانيا صواريخ "هيمارز" الأمريكية الموجهة بدقة، والتي يبلغ مداها النموذجي حوالي 80 كيلومترا، والدروع الغربية في توغلها الأخير في منطقة كورسك في غرب روسيا.
كما استخدمت مركبات قتالية ألمانية وأمريكية وبريطانية الصنع؛ وقالت كل من برلين وواشنطن إن نشر المعدات الغربية كان ضمن الشروط المتفق عليها.