الذكاء الاصطناعي.. مرآة للاختلالات البنيوية في التنافس الأمريكي-الصيني

اعتبر تحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز» أن السباق الأمريكي-الصيني في الذكاء الاصطناعي لن يحسمه التفوق التقني فقط بل اتساع انتشاره وتبنيه.
وتخوض الولايات المتحدة والصين سباقًا محتدمًا لتطوير الذكاء الاصطناعي، نظرًا لتأثيره العميق على الأمن القومي والاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق تقنيًا في تطوير النماذج الأكثر تقدمًا بفضل وجود كفاءات عالمية واستثمارات ضخمة، لكن هذا التفوق ليس مضمونًا، ولا يعني بالضرورة السيطرة المستقبلية.
الانتشار
وعندما أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية نموذج R1 القوي في يناير/كانون الثاني 2025، كان ذلك بمثابة تحذير من أن الصين قد تقترب من اللحاق بالركب الأمريكي، خاصة مع نماذج رخيصة ومفتوحة المصدر يمكن نشرها بسرعة وبكفاءة. وبات بالتالي التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في تطوير نماذج قوية، بل في مدى سرعة تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل الدول.
وفي سباقات التكنولوجيا، لا يُقاس التفوق فقط بمن يملك أفضل الأدوات، بل بمن يستطيع استخدامها وتطبيقها بكفاءة. لذلك، على الولايات المتحدة أن تركز على تبني الذكاء الاصطناعي عبر مؤسساتها الحكومية والعسكرية والاقتصادية.
ودعا التحليل للولايات المتحدة أن تساعد شركاتها في تصدير أدوات الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق النامية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في هذه المناطق. ووفقاً للتحليل، فإن أكبر تأثير اقتصادي للذكاء الاصطناعي لا يأتي من النماذج المتقدمة بحد ذاتها، بل من مدى انتشارها في مختلف القطاعات. وقدر تقرير لشركة الاستشارات العالمية "ماكنزي" عام 2023 أن التبني الواسع للذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف تريليونات الدولارات للاقتصاد العالمي. وعلى الولايات المتحدة إذًا أن تضمن وصول تقنياتها إلى دول العالم النامي، ليس فقط لتعزيز التنمية، بل أيضًا لمنع الصين من الهيمنة على هذه الأسواق من خلال مبادراتها مثل "طريق الحرير الرقمي".
الذكاء الاصطناعي العسكري
من ناحية أخرى، فإنه رغم المخاوف من "الروبوتات القاتلة"، فإن الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يُستخدم حاليًا كأداة لدعم قرارات البشر، وليس لاتخاذ قرارات مستقلة باستخدام القوة. ويشمل ذلك دعمًا في مجالات مثل اللوجستيات، والتخطيط، وتحليل البيانات.
وروسيا، على سبيل المثال، دمجت أدوات الذكاء الاصطناعي بسرعة في عملياتها خلال الحرب في أوكرانيا، وتقوم دول مثل إيران وكوريا الشمالية بتطوير قدراتها أيضًا. والولايات المتحدة من جانبها تعتمد الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء العسكري، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة الاستخدام الداخلي لهذه التقنيات.
السياسات والبنية التحتية
وشدد التحليل على أن القيود المفرطة على استخدام الذكاء الاصطناعي قد تعوق الابتكار وتدفع المستخدمين للجوء إلى نماذج مفتوحة المصدر غير خاضعة للرقابة. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسات تنظيمية مرنة تُشجع التبني المسؤول وتضمن الأمن دون خنق الابتكار. كما أن محاولات منع تصدير الشرائح المتقدمة إلى الصين، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية، لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد كثيرًا على البرمجيات، التي يمكن نسخها ونشرها بسهولة.
ولتحقيق التبني الواسع، يجب الاستثمار في البنية التحتية الأساسية: إنتاج الشرائح، مراكز البيانات، شبكات الطاقة، وخطوط نقل الكهرباء. رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية السحابية، لم يُنفذ منها سوى 100 مليار حتى الآن. كما يجب أن تقود الحكومة بنفسها عملية التبني، لتشجيع باقي القطاعات ولضمان الأمان والموثوقية. وجود استثمارات حكومية يُرسل إشارة ثقة للأسواق والمستثمرين.
واختتم التحليل بالتأكيد على أن السباق بين الولايات المتحدة والصين في الذكاء الاصطناعي لا يُحسم فقط في المختبرات، بل في قدرة كل طرف على نشر التكنولوجيا واستخدامها بسرعة وكفاءة. الولايات المتحدة تحتاج إلى تجاوز البيروقراطية، وضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتطوير نماذج رخيصة وسهلة النشر، مع التركيز على شراكات استراتيجية عالمية. واعتبر أن السباق ليس على من يصنع أفضل نموذج، بل على من يستخدمه أولًا وعلى أوسع نطاق.