يتعين على المراقب المحايد والمحلل السياسي الموضوعي أن يناقش حقيقة العناصر الحاكمة لحركة وخيارات الحريري
ماذا تفعل لو كنت -اليوم- دولة الرئيس سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، الذي ينتفض شعبه في ثورة شعبية؟
المؤكد أن الرجل في موقف «لا نهائي في الصعوبة»، «مؤلم في حساباته»، «كله خسائر أينما ذهب في قراره».
من هنا، يصبح وضع سعد الحريري هو وضع من يفاضل ويقارن ويمايز بين الأضرار وحجم الخسائر في أي قرار يتخذه.
إن وضع «الحريري» مثل لاعب الشطرنج الذي وصل في المباراة إلى أن أصبح محكوماً عليه أن يفقد «الملك» كيفما تحرك، وكيفما ذهب في تحريك قطعه!
باختصار، لا يملك «الحريري» رفاهية أن يختار القرار الأفضل له، ولحلفائه، ولأنصاره، ولمجموع المتظاهرين.
باختصار، الباب الوحيد المفتوح أمامه في الخيارات هو «باب الخسارة الأقل كلفة».
من هنا يتعين على المراقب المحايد والمحلل السياسى الموضوعى أن يناقش حقيقة «العناصر الحاكمة لحركة وخيارات الحريرى».
1 - هناك تظاهرات شعبية لم تقل في أي يوم في كل المدن اللبنانية عن مليون متظاهر، ووصلت إلى قرابة 2 مليون في أحد الأيام من طرابلس في الشمال إلى صور وصيدا في الجنوب.
ومن جميع أحياء بيروت، من ساحة الشهداء إلى جبل الديب إلى جبيل إلى الذوق.
2 - تدخل هذه التظاهرات نهاية أسبوعها الثاني، وتتحول من تظاهر في الساحات إلى أولى درجات العصيان المدني التي تكاد تشل الحياة تماماً.
3 - الجيش والأمن غير قادرين على إنهاء حالة الاحتجاج، ولا يوجد الآن من يقدر على تحمل دماء متظاهرين سلميين على عاتقه وضميره.
4 - حلفاء «الحريري» في الخليج يريدون بقاءه.
5 - حلفاء «الحريري» المحليون المؤقتون (حزب الله - التيار العربي) يريدون استمراره بأي ثمن.
6 - حلفاء «الحريري» المحليون الدائمون (سمير جعجع - وليد جنبلاط - تيار المستقبل) يريدونه أن يستمر، ولكن مع تغيير حكومي.
7 - معظم المتظاهرين ينتظرون استقالته هو والحكومة، تطبيقاً لشعار «كلن يعني كلن»، أي كلهم يعني كلهم.
8 - تيار من المتظاهرين، قد يرضى بتسمية حكومة مصغّرة من الاختصاصيين برئاسة «الحريري».
هذا الاحتمال قد يأخذ جدلاً شديداً بين قوى المتظاهرين أنفسهم.
9 - باريس أجّلت اجتماعاً كان الغرض منه التمهيد للإجراءات التنفيذية لاتفاق «سيدر»، الذى يوفر 11٫5 مليار دولار مساعدات واستثمارات للبنان.
10 - حالة الأمن الحالية والتظاهرات في لبنان تكلف لبنان يومياً ما بين 200 مليون إلى 220 مليون دولار.
11 - المصارف مغلقة منذ أسبوعين، والرواتب يتم صرفها عبر ماكينات الصرف الآلي.
وهناك تخوف من أنه في حال فتح المصارف الآن دون حل وتسوية للأزمة السياسية، فإن ذلك قد يدفع الليرة اللبنانية للانهيار المخيف أمام الدولار الأمريكي، ويتوقع أن تنخفض قيمة الليرة أمام الدولار من 1550 إلى 3000 ليرة، وذلك يعني ارتفاعاً مضاعفاً لتكاليف الحياة في اقتصاد مأزوم يعتمد في معظم تعاملاته على العملة الأمريكية.
كل ليلة قبيل أن يذهب «الحريري» إلى النوم -إن استطاع- يطرح على نفسه الأسئلة التي تُلح على عقله وقلبه وضميره:
1 - أبقى بأي ثمن؟
2 - أرحل بأي ثمن؟
3 - أؤجل القرار بأي ثمن؟
الإجابة الثانية حتى الآن غير متوافرة الأركان عند «الحريري».
الأمر المؤكد، وهذه معلومات، أن الرجل الذي فقد أباه في جريمة بشعة، لا يقبل بأي حال من الأحوال مهما كان الثمن، أن يذكر التاريخ أن في عهده سقطت دماء متظاهرين سلميين على يد قوى محلية أو قوى من السلطة.
من هنا، أعلن «الحريري» لكل أطراف السلطة وكل شركاء الحكم والحكومة والأجهزة أن المساس بالمتظاهرين خط أحمر.
وهكذا قدر الرجل أن يقع ما بين رفض المساس بالمتظاهرين، في الوقت ذاته الذي تطالب فيه جموع المتظاهرين باستقالة الحكومة، لحل الحكومة.
إن وضع «الحريري» مثل لاعب الشطرنج الذي وصل في المباراة إلى أن أصبح محكوماً عليه أن يفقد «الملك» كيفما تحرك، وكيفما ذهب في تحريك قطعه!
نعود لسؤال المليار دولار: ماذا تفعل لو كنت سعد الحريري؟
غداً -بإذن الله- نكمل الإجابة.
تمت كتابة هذا المقال قبل إعلان
سعد الحريري استقالته
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة