الأزمة الأوكرانية.. ماذا لو فازت روسيا في الحرب؟
ماذا لو خرجت روسيا منتصرة من الأزمة الأوكرانية؟ وكيف ستكون أوروبا عقب تغيير من شأنه أن يقلب ترتيبات إنهاء الحرب الباردة رأسا على عقب؟
مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أجابت عن هذا السؤال في تحليل منشور عبر موقعها الإلكتروني، مشيرة إلى أنه عندما انضمت روسيا إلى الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، صيف عام 2015، صدم ذلك الولايات المتحدة وشركاءها.
وبدافع الإحباط، زعم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن سوريا ستصبح "مستنقعا" لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
وفي شتاء 2021-2022 السريالي، تمعن الولايات المتحدة وأوروبا النظر مجددًا في تدخل عسكري روسي، ولكن هذه المرة داخل أوروبا نفسها.
ومجددًا، يحذر العديد من المحللين من عواقب وخيمة على موسكو، ففي 11 فبراير/شباط الجاري، توقع وزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا جيمس كليفرلي أن حربا أشمل في أوكرانيا "ستكون مستنقعا" لروسيا.
وبالتحليل المنطقي للتكلفة والفوائد، يعتقد أن ثمن حرب شاملة في أوكرانيا سيكون باهظا للغاية بالنسبة للكرملين، وسيترتب عليه إراقة كثير من الدماء؛ حيث قدرت الولايات المتحدة وقوع ما يصل إلى 50 ألف من الضحايا المدنيين.
وإلى جانب تقويض دعم بوتين بين النخبة الروسية التي ستعاني من التوترات اللاحقة مع أوروبا، فقد يتعرض الاقتصاد الروسي للخطر ما يخلق نفورا عاما بين الناس.
وفي الوقت نفسه، قد تقرب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الحدود الروسية، ما يدفع موسكو لقتال المقاومة الأوكرانية لسنوات.
واستنادا لهذا الرأي، ستصبح روسيا عالقة في شرك كارثة من صنعها. ومع ذلك، يبدو أن تحليل التكلفة والفوائد الخاص ببوتين يؤيد تغيير الوضع الراهن في أوروبا.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن القيادة الروسية تضطلع بمزيد من المخاطر، وعلاوة على الصراع السياسي اليوم، يقود بوتين مهمة تاريخية لترسيخ نفوذ موسكو في أوكرانيا (كما فعل مؤخرًا في بيلاروسيا وكازاخستان)، ومن وجهة نظر موسكو، قد يكون تحقيق النصر في أوكرانيا بمتناول اليد.
وبالطبع، قد تطيل روسيا ببساطة أمد الأزمة الحالية بدون غزو أو إيجاد سبيل مستساغ للانسحاب، لكن إذا صحت حسابات الكرملين، كما كانت في نهاية المطاف في سوريا، فيجب على الولايات المتحدة وأوروبا الاستعداد لاحتمال آخر غير المستنقع: ماذا لو فازت روسيا في أوكرانيا؟
ورأت "فورين أفيرز" أنه إذا استطاعت روسيا السيطرة على أوكرانيا أو تمكنت من زعزعة استقرارها على نطاق واسع، فستبدأ حقبة جديدة للولايات المتحدة وأوروبا، وسيواجه قادة أمريكا وأوروبا تحديا مزدوجا يتمثل في إعادة التفكير في أمن أوروبا وعدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا.
سبل الفوز
بالنسبة لروسيا، قد يتخذ تحقيق النصر في أوكرانيا عدة أشكال؛ فكما لم يتعين على النصر أن يحقق تسوية مستدامة في سوريا، يمكن أن ينطوي على تنصيب حكومة ممتثلة في كييف أو تقسيم البلاد.
وعوضا عن ذلك، يمكن لهزيمة الجيش الأوكراني والتفاوض على استسلام أوكراني أن يحول أوكرانيا إلى دولة عاجزة، وتستطيع روسيا استخدام هجمات سيبرانية مدمرة وأدوات تضليل، مدعومة بالتهديد باستخدام القوة، لشل البلاد والحث على التغيير.
وبتحقيق أي من تلك النتائج، ستصبح أوكرانيا منفصلة فعليا عن الغرب.
وإذا حققت روسيا أهدافها السياسية في أوكرانيا باستخدام السبل العسكرية، بحسب "فورين أفيرز"، لن تصبح أوروبا كما كانت عليه قبل الحرب، وأي منطق لقدرة الاتحاد الأوروبي أو الناتو على ضمان السلام على القارة سيصبح بمثابة قطعة أثرية لعصر ضائع.
وبدلًا من ذلك، سيتعين حصر الأمن في أوروبا على الدفاع عن الأعضاء الأساسيين بالاتحاد الأوروبي والناتو، وسيقف كل من هم خارج تلك المجموعة بمفردهم، مع استثناء فنلندا والسويد.
وطبقًا لـ"فورين أفيرز"، ستصبح الولايات المتحدة وأوروبا في حرب اقتصادية دائمة مع روسيا، وسيسعى الغرب لفرض عقوبات شاملة، والتي من المرجح أن تتفاداها روسيا مع التدابير السيبرانية والابتزاز المتعلق بالطاقة، بالنظر إلى أوجه التفاوت الاقتصادي، فضلًا عن أن الصين قد تقف إلى جانب روسيا في تلك الاستراتيجية الاقتصادية.
ورأت "فورين أفيرز" أن مقارنات الحرب الباردة لن تكون مفيدة في عالم تخضع فيه أوكرانيا لسيطرة روسيا، حيث كان لحدود الحرب الباردة في أوروبا نقاط التوتر الخاصة به، لكنه استقر بطريقة مقبولة للطرفين في قانون هلسنكي النهائي لعام 1975.
وعلى النقيض، ستفتح سيادة روسيا على أوكرانيا منطقة واسعة لزعزعة الاستقرار وانعدام الأمان من إستونيا إلى بولندا إلى رومانيا إلى تركيا.
وفي حال فوز روسيا في أوكرانيا، سيواجه وضع ألمانيا في أوروبا تحديات كبيرة؛ حيث أن حلقة الأصدقاء التي أحاطت بها، خاصة في الشرق مع بولندا ودول البلطيق، تواجه خطر أن تزعزع روسيا استقرارها، وستضطلع فرنسا والمملكة المتحدة بأدوار قيادية في الشؤون الأوروبية بفضل جيوشهما القوية نسبيًا وباعهم الطويل في التدخلات العسكرية.
لكن ستظل الولايات المتحدة العامل الرئيسي في أوروبا، حيث سيعتمد الناتو على دعمها، كما ستفعل الدول المعرضة للخطر في شرق أوروبا.
وبالنسبة للولايات المتحدة، سيكون لانتصار روسيا آثار عميقة على استراتيجيتها الكبرى في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، حيث إن نجاح روسيا في أوكرانيا سيتطلب من واشنطن التركيز على أوروبا.
ووفق "فورين أفيرز"، فإن الالتزام الأمريكي القوي بأمن أوروبا وحده من سيحيل دون تقسيم روسيا للدول الأوروبية عن بعضها البعض، وسيكون هذا صعبا في ظل تزاحم الأولويات، لاسيما تلك التي تواجه الولايات المتحدة في علاقتها المتدهورة مع الصين.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه مع تطور الأزمة في أوكرانيا يجب على الغرب عدم الاستهانة بروسيا، أو الاعتماد على روايات يلهمها التمني، فانتصار موسكو في أوكرانيا ليس خيالا علميا.
aXA6IDMuMTQ1LjE5Ni4xNTAg جزيرة ام اند امز