أعادتها الأزمة الروسية الأوكرانية.. ما هي الحرب الباردة؟
قبل أن تسكت المدافع إيذانا بأفول الحرب العالمية الثانية انقسم العالم لمعسكرين في "حرب باردة" كادت تلقي بالبشرية بأتون مواجهة مدمرة.
"حرب باردة" تطل برأسها اليوم عبر ما يجره المصطلح من أحداث، وتستبطن عمق الأزمة التي تواجهها كييف في ظل مخاوف من اجتياحها من قبل روسيا التي تحشد قواتها على حدودها، وما بين الأمس واليوم، يقف الغرب حابسا أنفاسه.
ومع أن موسكو أعلنت سحب جزء من قواتها المرابطة على حدود جارتها، إلا أن ذلك لم يفلح في خفض منسوب المخاوف الغربية من غزو روسي وشيك قد يقلب المعادلة شرق أوروبا ويغير النظام العالمي القائم.
معطيات تتقاطع جميعها عند استنساخ لافت لأجواء الحرب الباردة؛ المواجهة السياسية -البعض يقول إنها أيديولوجية أيضا- وأحيانا عسكرية بشكل غير مباشر، والتي دارت أحداثها بالفترة من 1947-1991 بين أكبر قوتين بالعالم بعد الحرب العالمية الثانية وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
وشكل تشييد جدار برلين أبرز تجليات الحرب الباردة، ما قسم ألمانيا إلى دولتين، قبل إسقاط الجدار في عام 1990 إيذانا بالوحدة بين الشطرين.
وقبل حتى أن تسكت المدافع آنذاك إيذانا بأفول الحرب، بدأت فجوة الثقة بين موسكو وحلفائها الغربيين في الاندثار تدريجيا، في مشهد يتكرر بالفترة الراهنة، بنفس اللاعبين الرئيسيين وحتى الثانويين أيضا، ما يورث مخاوف جمة من استنساخ فترة عصيبة شهدها العالم لكن بترتيب عكسي هذه المرة، أي أن تقود "الحرب الباردة" نحو مواجهة عسكرية عالمية.
اتهامات ألمانيا
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، اتهمت الجمعة روسيا بتعريض أمن أوروبا للخطر عبر "مطالب تعود إلى الحرب الباردة"، في موقف يأتي قبل انعقاد مؤتمر ميونخ الأمني السنوي الذي تُهيمن عليه الأزمة الأوكرانية.
وفي تصريحات إعلامية، قالت بيربوك قبل توجهها إلى ميونخ للمشاركة في المؤتمر الـ58 للأمن: "عن طريق حشد قواتها الذي لا سابق له على الحدود مع أوكرانيا وتقديم مطالب الحرب الباردة، تعرض روسيا للشك المبادئ الرئيسية للنظام الأوروبي القائم".
وأضافت أنه من المخطط أن يجري على هامش مؤتمر ميونخ للأمن لقاء لوزراء خارجية بلدان مجموعة السبع، ومحادثات مع الزملاء من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ومع كل من ممثلي "الدول الموجودة لرباعية النورماندي".
ولفتت إلى أن هذه اللقاءات ستكرس للنزاع في دونباس وستهدف لـ"الإشارة إلى التماسك"، مشيرة إلى أن بلادها "تستعد للحوار الجدي حول الأمن الشامل. وتعد ولو الخطوات الصغيرة للغاية في اتجاه السلام أفضل من الخطوات الكبيرة في اتجاه الحرب".
ومستدركة: "لكننا نحتاج لأن تتخذ روسيا بدورها الخطوات الجدية لتخفيف التصعيد، ويجب تأكيد البيانات حول الاستعداد للحوار بالمقترحات الحقيقية حول الحوار، والبيانات حول سحب القوات بأفعال سحب القوات التي يمكن التأكد منها، والتمسك بمينسك (اتفاقيات مينسك) بالاستعداد الملموس للمحادثات".
اتهامات تتصاعد فيما يتواتر استخدام مصطلح "الحرب الباردة"، ما يعيد للأذهان واحدة من أسوأ محطات البشرية بالعصر الحديث، والتي قسمت العالم إلى معسكرين: شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي وليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة.
أسباب الحرب الباردة
في 5 مارس/آذار 1946، أي مع هزيمة الألمان وانتصار الحلفاء في أوروبا، ألقى رئيس الوزراء البريطاني حينها ونستون تشرشل خطابا بمدينة فولتون الأمريكية، تحدّث فيه عن ستار حديدي سقط على الجبهة الروسية، في إشارة إلى سياسة العزلة والرقابة الصارمة التي فرضها الاتحاد السوفيتي على دول أوروبا الشرقية تزامنا مع تزايد حدّة التوتر مع واشنطن.
كانت تلك من تمظهرات ما بعد الحرب، لكن قبل ذلك، أي خلال الحرب العالمية الثانية، تحالفت الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- مع الاتحاد السوفيتي بدافع الخوف من العدو النازي المشترك.
تحالف بدا هجينا وقائما على تناقض أيديولوجي وصراع للمصالح سرعان ما برز للعلن حين وضعت الحرب أوزارها، حيث انكشفت حالة عدم الثقة السائدة بين الحلفاء الغربيين والسوفيت خلال مؤتمر يالطا المنعقد في فبراير/شباط 1945، في حيثيات بدت بديهية رغم قبول لندن وواشنطن بالمكاسب الترابية للاتحاد السوفيتي التي كانت مناقضة لما اتفق عليه الحلفاء خلال الحرب.
استراتيجيات الحرب الباردة
وتماما كما يحدث بالوقت الراهن، بدت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية متوجسة من أن يقوم الاتحاد السوفيتي بضم بلدان من أوروبا الشرقية أو جعلها تحت وصايته، في مخاوف تأكدت لاحقا بانعقاد مؤتمر بوتسدام (يوليو/تموز-أغسطس/آب 1945) ورفض الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين تنظيم انتخابات ديمقراطية في بولندا، مما أجج خلافا محتدما بين الجانبين.
مشهد يبدو متطابقا حد التماهي مع ما يحدث اليوم في ظل المخاوف الغربية من اجتياح روسي لأوكرانيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014، في مساعي يرجح محللون أن تكون محاولة من روسيا لتعديل الترتيبات التي انتهت إليها الحرب الباردة.
متى بدأت وانتهت الحرب الباردة؟
في تلك الفترة، واجهت واشنطن أطماع الاتحاد السوفيتي في الهيمنة على أوروبا الشرقية باستراتيجية "الاحتواء" التي أعلن عنها الرئيس حينها هاري ترومان في 1947، بهدف التصدي للتمدد السوفيتي عبر محاصرة توسع الشيوعية، في طرح يستند لاستخدام عدة وسائل في مقدمتها تقديم الدعم الاقتصادي لبلدان أوروبا الراغبة بالبقاء خارج المظلة السوفيتية.
أما اليوم، فتقدم واشنطن لأوكرانيا دعما لكنه عسكري في مواجهة محتملة مع موسكو، إلى جانب ذات الاصطفاف الغربي ضد روسيا
آنذاك، رد الاتحاد السوفيتي على الخطوة الأمريكية بتعزيز سيطرته على البلدان الاشتراكية، وأقام منتدى للأحزاب الشيوعية في البلدان الأوروبية ضم أغلب التشكيلات الشيوعية في أوروبا الشرقية، بهدف تأطير وتوجيه التطور الإيديولوجي والسياسي للبلدان والأحزاب الأعضاء.
وبتلك الطريقة، ولدت استرايتيجية سوفيتية مضادة للمعسكر الغربي، انقسم من خلالها العالم إلى معسكرين؛ أحدهما "ديمقراطي" مناوئ للإمبريالية يقوده الاتحاد السوفيتي، والثاني "إمبريالي غير ديمقراطي" بزعامة واشنطن، في مشهد يبدو قريبا جدا من الاصطفافات الموجودة اليوم.
نتائج الحرب الباردة
وعلى ذلك النسق، مضى المعسكران في عداء تتسع رقته وتتقلص في أحيان قليلة، في "تعايش سلمي" حذر قاد العالم بفترات إلى حافة الهاوية، وتجسد من خلال اصطفافات بمناطق النزاع في أرجاء المعمورة، لكن الأزمة الكوبية المندلعة في عام 1962 شكلت المواجهة الأكبر وكادت أن تحكم على العالم بالتلاشي جراء حرب نووية مدمرة.
وبذلك تعد الحرب الباردة هي تلك الحرب التي لم يفز بها أي طرف.
aXA6IDE4LjE5MS4yMTIuMTQ2IA== جزيرة ام اند امز