الأزمة الأوكرانية.. خارطة الجوار على خطوط الصراع
لم تشكّل الأزمة الأوكرانية أخطر تطور في العلاقات الروسية الأمريكية فحسب، وإنما رسمت أيضا خارطة مواقف دول الجوار حيال الملف برمته.
فمع أن ملامح الأزمة منذ تفجرها عقب تحشيد عسكري روسي على حدود أوكرانيا قبل أشهر، ظلت حبيسة مربع موسكو-كييف- واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن تناول المشهد بشكل كامل يفرض التطرق إلى خارطة دول الجوار في علاقة بمواقفها.
خارطة تفرض نفسها في ظل تطورات حثيثة على الأرض، أججتها تعزيزات عسكرية روسية، قبل أن تفاجئ موسكو العالم، قبل سويعات، بإعلان سحب جزء من قواتها المرابطة على حدود كييف وبدء عودتها إلى قواعدها.
انسحاب جزئي قد يكون "تكتيكيا" ولا علاقة له بخفض التصعيد كما يرى مراقبون، كما قد يكون في إطار مناورة ترنو منها موسكو لتحقيق أقصى الاستفادة في ملف الضمانات الأمنية التي تطالب بها وتشترط فيها -من بين بنود أخرى- عدم توسع الناتو شرقا، أي عدم انضمام كييف للحلف.
بولندا
لم تخف بولندا اصطفافها إلى جانب كييف حال حدوث "غزو" روسي، حيث أعلن رئيسها أندريه دودا، أواخر يناير/ كانون ثاني الماضي، أن بلاده ستدعم أوكرانيا حال تحققت التوقعات.
إعلان منح وسائل الإعلام المحلية الوسائل اللازمة لتحديد موقف بلادهم من الأزمة، حيث تواترت حينها تقارير تشير إلى أن وارسو وكييف ستفتحان قناة خاصة بين البلدين، وأن نائبي رئيسي البلدين سيعقدان المزيد من الاجتماعات الثنائية.
دعم لا ينفي المخاوف الجمة التي تطوق بولونيا، البلد الأوروبي الذي يواجه مخاوف تدفق اللاجئين في حال اجتياح موسكو لكييف.
ومع أن العديد من البلدان سارعت بسحب أو خفض بعثاتها الدبلوماسية المعتمدة لدى كييف، إلا أن وارسو أعلنت استمرار عمل طاقمها الدبلوماسي في أوكرانيا، لتسهيل عمليات المغادرة لمن أراد من الأوكرانيين اللجوء بالخارج.
وبانتظار توضح الرؤية بخصوص "الغزو" الروسي المحتمل، قال نائب وزير الخارجية البولندي، مارسين برزيداتش، إن بلاده التي استقبلت عددا كبيرا من المهاجرين الأوكرانيين بالسنوات الأخيرة، خصوصا عقب التوغلات الروسية في أوكرانيا عام 2014، قامت بوضع خطط لاستقبال اللاجئين من الجارة التي تتشارك معها حدودا بطول يتجاوز 500 كلم.
ولا يعتبر اصطفاف بولندا إلى جانب أوكرانيا أمرا مستغربا، فشعبا البلدين يتشاركان ذات الأصول السلافية، كما أنهما يتكلمان اللغة ذاتها والعادات والتقاليد نفسها، وخلال السنوات الأخيرة، قام المهاجرون الأوكرانيون بتعويض النقص في سوق العمل داخل بولندا، حيث يعيش ما بين مليون ومليوني أوكراني.
ويبلغ عدد سكان أوكرانيا أكثر من 43 مليون نسمة، فيما تمسح أكثر من 600 ألف كيلومتر مربع، وتحدها من الشرق روسيا ومن الشمال بلاروسيا ومن الغرب بولندا وسلوفاكيا والمجر، ومن الجنوب رومانيا ومولدوفا غير العضو في الاتحاد الأوروبي.
ليتوانيا
استقطبت أوكرانيا الأضواء في الأزمة الراهنة، لكن بلدانا أخرى بالمنطقة تخشى أن تكون الهدف التالي لموسكو، من ذلك ليتوانيا التي تشترك بحدود مع روسيا، وكانت جزءا من الاتحاد السوفيتي، والآن عضو في حلف الناتو.
ومع تصاعد الأزمة وارتفاع منسوب التهديدات، يتجه المدنيون في ليتوانيا للتدريب العسكري، لدعم الجيش الاحتياطي حال غزت روسيا أوكرانيا ودخلت المنطقة على محك التوترات.
وأمس الإثنين، قالت وزارة دفاع ليتوانيا إن وحدة إضافية من الجيش الألماني ستصل إلى أراضيها ضمن الكتيبة العسكرية التابعة للناتو الموجودة هناك.
وفي بيان لها، قالت الوزارة: "استجابة للوضع على الحدود مع أوكرانيا والوضع الأمني المتدهور في منطقة البلطيق، قررت ألمانيا نشر عدد إضافي من قواتها في ليتوانيا، وستصل إلى ليتوانيا هذا الأسبوع".
وقبلها بيوم واحد، أعلنت الحكومة الأوكرانية تسلمها منظومات صاروخية أمريكية الصنع من نوع "ستينغر" من ليتوانيا.
وفي تصريحات إعلامية، قال وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف، إن هذه الصواريخ وصلت مع معدات عسكرية أخرى ضمن حزمة جديدة من المساعدات العسكرية على متن طائرة حطت في مطار بوريسبول قرب كييف.
ولم تكن تلك الحزمة الأولى التي تصل إلى كييف، حيث لفت ريزنيكوف إلى أن أول حزمة مساعدات عسكرية من ليتوانيا على خلفية التصعيد الحالي حول أوكرانيا وصلت في ديسمبر/ كانون أول الماضي.
بيلاروسيا
أو "روسيا البيضاء"؛ حليف روسيا ويجمعهما تعاون وتنسيق واسعين في مختلف المجالات بالمنطقة، وحين دار الحديث عن التحشيد الروسي على حدود أوكرانيا ومخاوف الغزو، توقع خبراء أنه في حال حدوث اجتياح فإن الأمر يتعلق بتطويق أوكرانيا من 3 جهات: من جهة القرم والبحر الأسود جنوبا، ومن جهة الدونباس شرقا، وكذلك من جهة الشمال البيلاروسي.
علاقات وثيقة تجعل بيلاروس من المصطفين القلائل إلى جانب موسكو في الأزمة الأوكرانية، وهذا ما تؤكده المناورات العسكرية المشتركة التي جرت الخميس الماضي في بيلاروسيا، وسط التوتر القائم.
تدريبات قالت وزارة الدفاع الروسية إنها "تجري بهدف الاستعداد لوقف وصد هجوم خارجي في إطار عملية دفاعية".
من جهته، ندد الرئيس الأوكراني بهذه المناورات قرب حدود بلاده معتبرا أنها وسيلة "ضغط نفسي"، معتبرا في بيان أن "حشد القوات عند الحدود يمثل وسيلة ضغط نفسي من قبل جيراننا. لدينا اليوم ما يكفي من القوات للدفاع بشرف عن بلدنا".
ويُعتقد أن انتشار موسكو في بيلاروسيا هو الأكبر منذ الحرب الباردة، مع "توقع 30 ألف جندي مقاتل، وقوات العمليات الخاصة سبيتسناز، والطائرات المقاتلة بما في ذلك طائرات سوخوي سو -35، وصواريخ إسكندر ذات القدرة المزدوجة وأنظمة الدفاع الجوي إس -400"، بحسب ما أعلنه قبل أيام، أمين عام حلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ.
aXA6IDMuMTMzLjEwNy4xMSA= جزيرة ام اند امز