انسحاب روسي جزئي من حدود أوكرانيا.. مناورة أم نهاية أزمة؟
هل انتهت الأزمة الأوكرانية بسحب روسيا جزء من قواتها المرابطة على حدود الدولة السوفيتية السابقة؟
سؤال يطرح نفسه في ظل تواتر الأحداث بشكل يدفع نحو تهدئة مرتقبة بإعلان روسيا، في وقت سابق الثلاثاء، بدء عودة جزء من قواتها المنتشرة قرب الحدود مع أوكرانيا إلى ثكناتها عقب استكمال تدريبات.
خطوة مفاجئة في ظل المشهد الراهن المتفجر، ووسط تعزيزات عسكرية روسية كانت حتى وقت قريب تثير هلع الغرب من تكرار سيناريو 2014 حين ضمت موسكو شبه جزيرة القرم.
ومع أن موسكو لطالما أكدت عدم نيتها غزو جارتها، إلا أن الإحداثيات على الأرض منحت قناعة شبه راسخة للغرب -وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا- بأن اجتياحا وشيكا سيستهدف أوكرانيا في تسلسل بدا بديهيا لتواتر الأحداث.
وقف التصعيد!
في وقت كانت فيه أنظار العالم تتجه نحو شرق أوروبا، وتحديدا إلى أوكرانيا، ويستعد لأسوأ السيناريوهات التي تقول إن غدا الأربعاء سيكون "يوم الغزو"، يتفاجأ الرأي العام الدولي بإعلان انسحاب روسي جزئي من حدود أوكرانيا، في مؤشر قد يأخذه البعض على أنه بداية وقف للتصعيد.
ولكن يرى خبراء أن الأمر يتجاوز ما يوحي به ظاهره، فإنهم يتفقون عند جزئية هامة ضمن دلالات الانسحاب، تنضح بشكل أساسي من التوقيت الذي يأتي عشية "الموعد" المفترض للغزو الروسي، في رسالة أراد من خلالها الرئيس فلاديمير بوتين دحض جميع السيناريوهات والتكهنات المتداولة.
فالإعلان من شأنه أن يضرب أكثر من عصفور بالنسبة لموسكو، أولها تأكيد عدم وجود أي نية من جانبها لاجتياح كييف، وثانيا تفنيد التوقعات الغربية، وخصوصا الأمريكية" التي تنتظر حربا "في أي لحظة"، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين أمريكيين.
ثانيها أن في الانسحاب الجزئي رسالة باستمرار "الخطر"، حيث قد تعمل موسكو على اللعب بورقة الضغط الضمني من أجل تحقيق اختراق بملف الضمانات الأمنية، وهذا ما يفسره التراجع التكتيكي الجزئي بانتظار رد "أفضل" من جانب واشنطن والناتو على مقترحات موسكو.
مؤشرات مقلقة
في وقت تعتبر فيه أوكرانيا أن جهودها الدبلوماسية المشتركة مع حلفاء غربيين مكنت من تفادي تصعيد روسي للأزمة، تظهر مؤشرات مقلقة، حيث نشرت شركة "ماكسار تكنولوجيز" الأمريكية الخاصة، التي تتابع حشد القوات الروسية في المنطقة منذ أسابيع، صورا للأقمار الصناعية أظهرت نشاطا جديدا مهما في روسيا البيضاء وغرب روسيا وشبه جزيرة القرم، ما يؤشر على استمرار هشاشة الوضع.
تحركات جديدة تشي بأن الانسحاب الجزئي قد لا يكون سوى مناورة من روسيا لإخراج نفسها من دائرة الاتهامات والتلويح بالعقوبات من جهة، وللاستمرار في ضغطها على الغرب بملف الضمانات الأمنية من جهة أخرى.
طرح يؤكده الغضب الروسي المستمر من "تجاهل" واشنطن والناتو البنود الرئيسية للضمانات الأمنية التي تطالب بها، وهو الملف الذي تعمل عليه موسكو بكامل قوتها في محاولة لتحقيق أقصى الاستفادة من القلق الغربي من الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.
غضب ظهر جليا في تصريحات المسؤولين الروس بينهم وزير الخارجية سيرجي لافروف والذي تطرق للأمر في مكالمة هاتفية جمعته قبل أيام بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن.
وحينها، نقلت الخارجية الروسية عن لافروف، تأكيده على أن "الحملة الدعائية عن العدوان الروسي" ضد أوكرانيا والتي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لها غايات استفزازية، وتحرض حكومة كييف على تخريب اتفاقات مينسك واللجوء إلى محاولات ضارة لتطبيق حل عسكري لقضية "دونباس".
وأضاف لافروف أن واشنطن وحلف "الناتو" يتجاهلان، في ردهما على مبادرة الضمانات الأمنية المطروحة من قبل روسيا، موضحا أن البنود الرئيسية بالنسبة لموسكو، بالدرجة الأولى هي ضرورة وقف تمدد الناتو وعدم نشر منظومات هجومية قرب حدود روسيا.
كما أكد أن موسكو ستولي اهتماما خاصا لهذا الأمر في تقييمها للوثائق التي تلقتها من واشنطن والناتو ردا على مبادرتها، متعهدا باطلاع الغرب على نتائج هذا التقييم الروسي، كما ذكر بأنه "من غير المقبول اتخاذ خطوات تنتهك الالتزامات التي تم تبنيها على أرفع مستوى بخصوص مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة في المنطقة اليوروأطلسية".
لا خيار عسكريا!
لا يزال من المبكر الحكم عما إن كان القرار الروسي تراجعا أم مناورة، لكن المؤكد هو أن ما يجري حاليا يستنسخ مشهدا مماثلا جرى قبل ذلك، حين عززت روسيا، ربيع العام الماضي، قواتها على الحدود الأوكرانية وسط توقعات بأن الهدف من ذلك هو جني فوائد دبلوماسية.
لكن روسيا أعادت سحب تعزيزاتها بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقد قمة بينهما، وآنذاك، توقع خبراء أن يعود بوتين للحيلة نفسها كلما أراد تحقيق مكاسب، وهو ما يحصل الآن بخصوص الضمانات الأمنية التي تطلبها موسكو.
محللون آخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك بالقول إن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة، وأن الغضب الروسي بدأ حين استخدمت كييف طائرات مسيرة صنعت في تركيا، العضو في "الناتو"، قبل أن تمنح تطورات الأحداث موسكو الفرصة للذهاب لأبعد من "تأديب" أوكرانيا واستثمار المخاوف الغربية في ملف الضمانات الأمنية.
ويتهم بوتين الغرب بتجاهل “الخطوط الحمراء” لروسيا من خلال إجراء تدريبات في البحر الأسود وإرسال أسلحة حديثة لكييف، مطالبا “بضمانات قانونية” من حلف "الناتو" بعدم التوسع شرقا.
ومع أن مراقبين يستبعدون أن تجتاح روسيا أوكرانيا متسائلين عما ستكسبه من ذلك، لكن التاريخ القريب يؤكد أن موسكو لا تعتمد دائما مبدأ المناورة أو الضغط فقط، وإنما قد تتطور عملياتها العسكرية بشكل يصل حدا أكبر من التوقعات.
ففي عام 2008، قصفت روسيا أهدافا في جورجيا بعدما أرسل رئيسها آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي قوات لمحاربة الانفصاليين، وفي نهاية نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي الماضي، قارن جهاز الاستخبارات الروسية الوضع الحالي في أوكرانيا بالوضع في جورجيا في ذلك العام، ودعا رئيسها إلى عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه ساكاشفيلي، مذكرا إياه بأن “ذلك كلفه غاليا”.
aXA6IDE4LjE4OC4xMDcuNTcg جزيرة ام اند امز