انسحاب جزئي من حدود أوكرانيا.. "هل ما تزال الرصاصة" في جيب بوتين؟
لا صوت يعلو هذه الأيام على جوقة الحرب التي تعزف على أوتار التوتر الروسي الأوكراني، رغم المستجدات المفاجئة التي تسيل حبر التساؤلات وتتحسس زر الزناد.
مستجدات تمثلت في إعلان روسيا، اليوم الثلاثاء، عودة جزء من قواتها المنتشرة قرب الحدود الأوكرانية، إلى قواعدها، في خطوة تكاد ينطبق عليها اسم الفيلم المصري "لا تزال الرصاصة في جيبي"، لا وقائعه.
وعلى مدار أسابيع طويلة، لم تهدأ طبول الحرب بين موسكو وكييف، التي غذّتها مخاوف غربية من غزو روسي وشيك، لطالما نفاه الكرملين وأكد أن التحرك الروسي داخل أراضيه لا يهدد أحدا ويندرج في الشأن الداخلي الروسي، محملا الغرب المسؤولية عن "تأجيج الهستيريا" حول هذا الموضوع.
شبح الحرب ومزح بوتين
أسابيع خطفت أنظار العالم إلى تلك البقعة الملتهبة الملغمة بآلاف الجنود والمعدات العسكرية، وأثارت معها تساؤلات: هل ستغزو روسيا أوكرانيا؟، وماذا يريد بوتين من جارته الغربية؟.
وتقول الولايات المتحدة إن روسيا لديها كل القوات اللازمة لشن عمل عسكري في أي يوم، لكن موسكو أكدت مرارا أنه ليس لديها مثل هذه الخطط.
ورغم إصرار روسيا على عدم وجود خطط لديها لمهاجمة أوكرانيا، فإن رئيسها لا يتجاهل متابعة تلك الأنباء والمخاوف التي تتحدث عن غزو قريب لكييف، ولكن بطريقته الخاصة.
وهو ما تحدث عنه الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تصريحات صحفية اليوم، بأن بوتين يمزح في بعض الأحيان، عندما يقرأ تقارير حول تاريخ "هجوم" روسيا على أوكرانيا.
وكانت تقارير إعلامية أفادت نقلا عن مصادر مطلعة بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن، حدد 16 فبرابر/شباط الجاري الذي يصادف غدا الأربعاء، تاريخا لـ"الغزو" الروسي، وهو ما لم يؤكده أو ينفه البيت الأبيض حتى اللحظة.
وفي هذا الصدد، قال بيسكوف إن الرئيس بوتين "يمزح أحيانا ويستفسر هل تم نشر الموعد الدقيق للغزو بالساعة"، مستغربا ما وصفه بـ"الجنون الإعلامي المهووس عمليا" في هذه المسألة.
ولم يتجاهل المتحدث باسم الكرملين تلك الأنباء التي تحدثت عن موعد "الغزو" الروسي، معتبرا إياها "حملة غير مسبوقة لتأجيج التوترات في أوروبا".
سوابق غذّت المخاوف
نفي موسكو لشن أي هجوم ضد أوكرانيا، لم يمنع الغرب من أن يأخذ مخاوفه على محمل الجد، خاصة مع تحشيد روسي علي الحدود تجاوز الـ100 ألف جندي، وما أقدمت عليه روسيا عام 2014 حين هاجمت جارتها الغربية واستولت على شبه جزيرة القرم.
وكانت روسيا أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر بدء مناورات عسكرية مع بيلاروسيا، قرب الحدود الأوكرانية، تحت اسم "حزم الاتحاد 2022".
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن هذه المناورات تهدف "للتدرب على تنفيذ مهام التصدي للعدوان الخارجي، وكذلك لمكافحة الإرهاب وحماية مصالح دولة الاتحاد"، مشيرة إلى أن القوات ستعود إلى مواقعها بعد انتهاء التدريبات .
ماذا تريد روسيا من أوكرانيا؟
لطالما قاومت روسيا تحرك أوكرانيا نحو مؤسسات القارة العجوز، والناتو والاتحاد الأوروبي، حتي بات مطلبها الأساسي الآن هو أن يضمن الغرب أن كييف لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي المكون من ثلاثين دولة.
وتشترك أوكرانيا في الحدود مع كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا، ولكن بصفتها جمهورية سوفيتية سابقة، فإنها تتمتع بعلاقات اجتماعية وثقافية عميقة مع جارتها الشرقية كما أنها تتحدث لغتها.
وعندما عزل الأوكرانيون رئيسهم الموالي لموسكو، أوائل عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ودعمت الانفصاليين الذين استولوا على مساحات شاسعة من شرق أوكرانيا.
وسبق لنائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف أن صرح في وقت سابق "بالنسبة إلينا من الإلزامي تماما التأكد من أن أوكرانيا لن تصبح أبدًا عضوًا في الناتو".
كذلك الحال مع الرئيس بوتين الذي أبدى تخوفه من أنه إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فقد يحاول الحلف استعادة شبه جزيرة القرم.
وتتهم موسكو دول الناتو "بضخ" أوكرانيا بالأسلحة، كما تتهم الولايات المتحدة بإذكاء التوترات لاحتواء التنمية الروسية.
وفي نظر الرئيس بوتين، وعد الغرب في عام 1990 بأن الناتو لن يتمدد "شبرا واحدًا نحو الشرق"، لكنه فعل ذلك على أي حال، وكان ذلك قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ومع ذلك، فإن الوعد المقطوع للرئيس السوفيتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف أشار فقط إلى ألمانيا الشرقية.
ومع انسحاب جزء من تلك القوات، اليوم الثلاثاء، يبقى التساؤل المطروح، هل انتهى شبح الحرب؟ أم أن الرصاصة ما تزال في جيب بوتين لإطلاقها في أي وقت؟