مؤيدو نتانياهو في الولايات المتحدة لم يتورعوا عن اتهام أوباما باللاسامية وبكراهية اليهود.
أخيراً، شهد العالم حدثاً عادلاً. لقد تبنى مجلس الأمن القرار 2334 الذي يدين، بلغة حاسمة، «كل» الاستيطان الإسرائيلي. الامتناع الأميركي عن استخدام الفيتو لم يتح تمرير القرار فحسب، بل أتاح أيضاً انكشاف عزلة نتانياهو وسياسة الاستيطان في العالم: ذاك أن 14 صوتاً دعمت القرار مقابل لا أحد.
مؤيدو نتانياهو في الولايات المتحدة لم يتورعوا عن اتهام أوباما باللاسامية وبكراهية اليهود. ونتانياهو نفسه رد بصفاقة أكبر معتبراً أن رفض الاستيطان «معيب»، أما سرقة الأرض وتدمير حياة البشر، فضلاً عن تعطيل كل حل سياسي، فعين الصواب. ومن بين الدول التي صوتت مع القرار، اختار زعيم ليكود أضعفها وأفقرها لينتقم منها بالديبلوماسية أو بالمعونات: نيوزيلندا والسنغال... هذا علماً أن دولاً كبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين صوتت مع القرار. في ذلك، كان نتانياهو يشبه نفسه ويشبه وضاعته. صحيح أنه استدعى السفير الأميركي لتوبيخه، لكن الأخير لم يعد أكثر من سفير لأوباما وإدارته التي أضحت «بطة عرجاء».
حدثُ مجلس الأمن أظهر، على نحو لا يقبل النقاش، كم أن الولايات المتحدة طرف حاسم في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وهي حقيقة تدين أوباما الذي أدار ظهره طويلاً للموضوع وعطل استخدام ذاك الوزن الأميركي الهائل. فمن عادات الرئيس الذي سيغادرنا بعد أيام أن يجرب نواياه الحميدة في فلسطين، وفي سورية، ثم لا يلبث أن يضجر ويخاف ويتخلى. و «نهج» كهذا يبقى شديد الانسجام مع موقفه الأصلي العازف عن أي تورط في شؤون العالم.
ما هو أشد بؤساً أن دونالد ترامب في طريقه إلى البيت الأبيض. أما مبعوثه إلى إسرائيل، فلن يكون سوى ديفيد فريدمان الذي يزايد على سيده في تأييد الاستيطان ودعمه، وفي نقل السفارة الأميركية إلى القدس بوصفها «العاصمة الموحدة والأبدية» لدولة إسرائيل.
وخطر ترامب والترامبية، هنا، يتعدى اغتيال القرار الأخير لمجلس الأمن. فهو يعني انتصار الخط الذي يمثله نتانياهو في الولايات المتحدة ذاتها: العزلة التي تعانيها إسرائيل تتحول إلى فضيلة في ظل الميول الحمائية والقومية الصاعدة، وبناء الجدران قد يصير طريقة سائدة في العلاقة مع المختلف والمغاير، والسلوك الزعامي الشعبوي الذي وصل إلى ذروته مع ترامب ليس غريباً عن نتانياهو، والأمم المتحدة التي يدينها ليكوديو إسرائيل تدينها واشنطن ترامب. ثم إن وضع المنطقة، خصوصاً سورية، قد يستدعي ترتيبات «محترمة» تجمع الإسرائيليين إلى الروس والأتراك، فضلاً عن الأميركيين. وهذا بعدما أوضحت السنوات الأخيرة كم أن القضية الفلسطينية لم تعد تؤثر في سواها، حلها أو عدم حلها لا ينعكسان على أوضاع بلدان مضطربة ومسائل متفجرة. في المقابل، تكاثرت البراهين على أنه بات في وسع إسرائيل أن تنفتح على البلدان العربية، مباشرةً خصوصاً مداورةً، بغض النظر عن سلوكها حيال الفلسطينيين. المواقف الأخيرة لمصر لا تقول غير ذلك.
هذا الوضع الناشئ مع ترامب لا بد من أن يضاعف تأجيج العداء لأميركا بين الفلسطينيين وبعض العرب. لكنْ كيف التعامل مع هذا المركب: اكتشافنا أهمية أميركا الحاسمة في أي حل فلسطيني - إسرائيلي، ورئاسة ترامب الذي سيستخدم تلك الأهمية لمصلحة الاستيطان الإسرائيلي والسياسات المشابهة؟
أغلب الظن أن الفلسطينيين ومعهم سائر المعنيين بعدالة قضيتهم سيجدون أنفسهم مدعوين إلى التحالف مع أميركا المناهضة لترامب، والتي تتجاوز أوباما لجهة التورط والتدخل في العالم عدالياً وتقدمياً. وهذا يرتب سياسات ومواقف ومخاطبات تكون عاقلة وعصرية وحازمة في وقت واحد، كما تستخدم التصويت الأخير لمجلس الأمن حجةً قانونيةً وأخلاقيةً لمصلحتها.
وقد يقول قائل أن الطريق طويل، وفي هذه الغضون قد تنجح إسـرائيل في تطبيع الأمر الواقع بحيث لا يبقى ما تنشأ فوقه دولة فلسطينية. وقد يقول آخر أن المجتمع الفلسطيني، بقيادة إسلاميي غزة وفاسدي الضفة، عاجزون عن الانضـباط في استراتيجية تتكامل مع الجهود التــقدمية في العــالم بما فــيه إســرائيل. وهــما تحــفظان ينـــطويان على نسبة مرتفعة من الاحتمال والصحة. لكنْ، ما العمل في ما لم يبق في اليد، بعد تراكم الهزائم التي «أحرزناها»، خيار آخر؟
*نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة