توازنات لا ترحم.. أفريقيا تعيد التموضع استراتيجيا وسط حرب تجارة أمريكا والصين

مع اشتعال حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، تتجه أنظار صناع القرار الأفارقة إلى الآثار المزدوجة لهذه المواجهة، إذ تبدو القارة السمراء مجبرة على إعادة التموضع استراتيجيا في إطار توازنات لا ترحم.
في أوائل أبريل/نيسان، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما سماه "يوم التحرير" بالنسبة للشركات الأمريكية، كاشفًا عن حزمة واسعة من الرسوم الجمركية الجديدة التي طالت معظم دول العالم.
هذه الخطوة جاءت امتدادًا لسياسات تجارية مماثلة اتخذها ترامب خلال ولايته الأولى، وتعهد بتوسيعها خلال حملته الانتخابية الأخيرة، واصفًا الرسوم الجمركية بأنها "أجمل كلمة في القاموس".
أداة محورية
ويقول المتخصص في الشأن الاقتصادي الأفريقي هاري كلينش لصحيفة "أفريكان بيزنس": إنه وفقًا لرؤية ترامب، تُعد هذه الرسوم أداة محورية لإعادة التوازن للعجز التجاري المزمن للولايات المتحدة، وإجبار الصناعات على العودة للإنتاج داخل الأراضي الأمريكية وتوظيف العمالة المحلية.
وأضاف أن إعلان "يوم التحرير" انعكس بسرعة على مزاج الأسواق المالية، حيث قفز مؤشر التقلبات المعروف بـ(VIX) بأكثر من 110% فورًا بعد صدور القرار. لكن في الوقت الذي ينشغل فيه العالم الصناعي بحساب خسائره، تُعرب الدول الأفريقية عن قلق بالغ حيال التداعيات غير المباشرة لهذا الصراع التجاري الضاري، خصوصًا في ظل العلاقة العميقة التي تربط اقتصادات القارة بالصين، الشريك التجاري الأكبر لغالبية بلدانها.
رسوم متبادلة وتصعيد خطير
في سياق التصعيد، فرض ترامب رسومًا إضافية بنسبة 50% على الواردات الصينية، مما رفع مجموع الرسوم المفروضة على بعض المنتجات إلى أكثر من 100%. وردت بكين بفرض رسوم بنسبة 34% على المنتجات الأمريكية، وأعلنت قيودًا على تصدير المعادن الأرضية النادرة.
تواصلت الإجراءات الانتقامية، حتى فرضت واشنطن رسومًا تبلغ 145% على معظم السلع الصينية، في حين ردت بكين بنسبة 125%. وفي مايو/أيار، توصل الجانبان إلى اتفاق هش لخفض الرسوم إلى 30% من الجانب الأمريكي و10% من الجانب الصيني، لإتاحة المجال لمزيد من المفاوضات. غير أن هشاشة هذا الاتفاق تثير قلقًا في الأوساط السياسية والاقتصادية الأفريقية.
وجهة بديلة للبضائع الصينية؟
وفقًا لتحليل دانيال سيلك، الخبير السياسي والاقتصادي من كيب تاون، فإن "التهديدات الجمركية المتكررة تولد حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية"، مضيفًا: "رغم أن هذا الكلام مكرر، إلا أنه ما زال صحيحًا: الأسواق لا تحب الغموض، سواء في العواصم الكبرى أو في الدول النامية".
ويبدو أن أحد أبرز التداعيات المباشرة على أفريقيا قد يكون التدفق المتزايد للسلع الصينية منخفضة السعر، بعد أن فقدت الصين جزءًا من قدرتها على النفاذ إلى السوق الأمريكية.
من جهتها، ترى فيليستوس كانديا، الباحثة في شؤون التجارة والتنمية بمركز "ماشاريكي" للسياسات في نيروبي، أن الشركات الصينية "ستسعى على الأرجح لتعويض خسائرها بالتركيز على السوق الأفريقية التي تمثل قاعدة استهلاكية واسعة وخيارًا استراتيجيًا في ظل القيود الغربية".
وتضيف: "في حين أن تدفق السلع الرخيصة قد يخفف تكاليف المعيشة على المستهلكين، فإنه في المقابل يهدد الصناعات المحلية الهشة التي بالكاد تصمد أمام المنافسة الأجنبية".
انكماش تمويل مشاريع البنية التحتية
لكن التوترات التجارية قد تعني تباطؤًا في الاقتصاد الصيني، ما ينعكس سلبًا على قدرته على الاستثمار في الخارج. فصندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الصين إلى 4%، بينما رفعتها "يو بي إس" إلى ما بين 3.7% و4% بفضل تهدئة مؤقتة في الحرب التجارية. أما "غولدمان ساكس"، فبقي أكثر تفاؤلًا بتوقعات نمو تصل إلى 4.6% لعام 2025.
لكن كانديا تحذر من أن تباطؤ النمو في الصين "سيُترجم مباشرة في أفريقيا على شكل تقليص للتمويلات". فقد تراجعت القروض الصينية للقارة من 28 مليار دولار عام 2016 إلى أقل من مليار عام 2022، قبل أن ترتفع مجددًا إلى 4.6 مليار في 2023. رغم ذلك، فإن التباطؤ الصيني والمخاطر الداخلية قد تدفع بكين لتوخي الحذر في التمويل الخارجي.
وتقول كانديا: "مع تصاعد ديونها الداخلية وتراجع القطاع العقاري، باتت بكين تميل لتقليص العقود الكبيرة وتأجيل المشاريع أو فرض شروط أكثر صرامة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على الدول الأفريقية التي اعتمدت على الصين في تمويل مشاريعها التنموية".
في ختام التقرير، تحث كانديا القادة الأفارقة على التحرك الاستباقي، قائلة: "على الحكومات والشركات أن تطور أدوات للإنذار المبكر، وحوارات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، وسياسات صناعية طويلة الأمد... العالم يتغير بسرعة، ومن يتنبأ به ويتأقلم معه مبكرًا سيكون الأفضل استعدادًا للنجاة والنجاح".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOSA= جزيرة ام اند امز