بعد غموض كبير حول نوايا حكومة بنيامين نتنياهو تجاه قطاع غزة بعد انتهاء حرب الإبادة الجماعية هناك، أعلن مكتب رئيس الوزراء وثيقة رسمية تتضمن خطة مستقبلية لقطاع غزة.
وأول ما يتبادر إلى الذهن، هو التساؤل عن جدوى وقابلية الخطة للتنفيذ، وإلى أي مدى ستسهم تلك الخطة في الغاية الكبرى التي يبحث عنها الجميع وهي تسوية القضية الفلسطينية بشكل عملي وشامل ونهائي؟!
والواقع أن إجابة ذلك التساؤل لا تقتصر فقط على مضمون الخطة ومحتوى بنودها. وإنما تتعلق قبل ذلك بأمرين مهمين هما. الأمر الأول: هو مدى المصداقية والجدية والإرادة لدى بنيامين نتنياهو وحكومته في التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية. والأمر الثاني: يتعلق بالجانب الآخر في المعادلة وهو الفلسطينيين، خصوصاً حركة "حماس" والفصائل الشريكة لها في الانفراد بالسيطرة على قطاع غزة.
وباستقراء محتوى الخطة، يمكن بسهولة إدراك أن حكومة نتنياهو ستتبنى الخطة على الأرجح ولو بإدخال تعديلات بسيطة عليها. لكن تظل مسألة القدرة على تنفيذ الخطة بدقة أمراً آخر. ذلك أنها تتضمن أهدافاً متقدمة وإجراءات مشددة ليس من السهل تنفيذها على الأرض. مثل نزع السلاح من غزة وتكليف "عناصر محلية ذات خبرة إدارية لا علاقة لها بحماس" بمسؤولية الإدارة المدنية والنظام العام في غزة، بالإضافة إلى تغيير آليات دخول الموارد والأموال إلى القطاع.
إن تنفيذ تلك الإجراءات، يستلزم بالضرورة موافقة بل ومشاركة من الفلسطينيين أنفسهم، بدءاً بحركة حماس وانتهاء بالمواطنين العاديين. ومعنى ذلك أن حكومة نتنياهو تطرح خطة طموحة جداً، لكن تنفيذها ليس في استطاعة إسرائيل وحدها.
المعنى المباشر في ذلك، أن السياسيين في إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو، ليس هدفهم الجوهري ولا شغلهم الشاغل تطبيق الخطة فعلياً والتوصل لتسوية أو وضع آمن في المستقبل. فيبدو أن الهدف الكامن وراء طرح خطة بذلك السقف العالي غير الواقعي، هو إطالة عمر تلك الحكومة ومغازلة المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي. وقد أوضحت الأشهر الخمسة الماضية من الحرب في غزة، أن هذا الهدف هو الأساسي لدى بنيامين نتنياهو ووزرائه.
على الجانب الآخر، وكما أنه لا يمكن تطبيق خطة نتنياهو بشكل أحادي بدون قبول بل ومشاركة من الفلسطينيين. ليس من المتوقع بالمرة أن تقبل حماس أو غيرها من التنظيمات المسلحة في غزة، التخلي عن السلاح والاستسلام أو حتى الخروج الآمن. فلو كان هذا مطروحاً لما وصل الحال في غزة إلى الوضع المأساوي الراهن، ولما انفردت حماس بالحكم في غزة كل تلك السنوات، التي شهدت مرات متتالية من الإفشال المتعمد لكل محاولات المصالحة مع السلطة الوطنية المعترف بها والممثلة رسمياً للفلسطينيين. والسبب المباشر والواضح، هو إصرار حماس وشريكاتها على الانفراد بالسلطة في غزة.
المشكلة الحقيقية إذا، ليست في معطيات القضية الفلسطينية ذاتها ولا في مأساوية الوضع الذي تمر به غزة حالياً فقط. بل المشكلة التي تعوق تسوية القضية وتفاقم الوضع المأساوي، هي النظرة الضيقة التي يتعاطى بها الساسة على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ففي إسرائيل المنظور الأمني هو المتحكم. فالإصرار على تواجد أمني إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي، ليس إلا نتيجة لمغامرات سياسية غير محسوبة العواقب. والساسة والقادة الإسرائيليون باتوا مشغولين بالبقاء في المناصب والحفاظ على المكاسب، أكثر من المصالح الإسرائيلية.
في المقابل، الأيديولوجيا هي المتحكمة في عقلية وتوجهات حماس وبقية التنظيمات في غزة. وتلك مصيبة الفلسطينيين في تلك القضية العادلة، وهي وجود قادة لا يؤمنون بالحوار والتفاوض السياسي لتحقيق أهدافهم ولا ينظرون إلى مأساة الإنسان الفلسطيني بقدر ما يفكرون في أنفسهم وأيديولوجيتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة