"الزوجة".. حكاية متواضعة وأداء تمثيلي عال لامرأة قوية حتى في ضعفها
حكاية فيلم "الزوجة" تدور في مستويين زمنيين اثنين، الأول في تسعينيات القرن الماضي، والثاني يعود بنا إلى مطلع الستينيات.
ما إن تبلغ الحبكة الرئيسية في حكاية فيلم "الزوجة" (The Wife) حدثها المحفز الذي من شأنه أن يقلب موازين الحياة اليومية لشخصياتها ويسمح بتصاعد الأحداث وتشابكها حد بلوغها درجة الأزمة، حتى تنكشف كل تفاصيل الحكاية، وينتقل المشاهد من متابعة مآلات شخصيات الحكاية وأحداثها التي مهما خالفت توقعاته لن تبتعد عنها كثيراً، إلى مراقبة الأداء التمثيلي القوي والساحر للفنانين "جوناثان برايس" و"جلين كلوز"، الذي يجعل المشاهد ينسى أنه يتابع حكاية بخطوط درامية مكشوفة أمامه.
تدور حكاية "الزوجة" في مستويين زمنيين اثنين، الأول في تسعينيات القرن الماضي (1992) حيث نتعرف على الروائي "جوزيف كاستليمان " (جوناثان برايس) الحائز على جائزة نوبل للآداب وزوجته "جوان" (جلين كلوز)، ونتتبع وقائع رحلتهما إلى السويد لحضور حفل التكريم وتقلد الجائزة، أما المستوى الزمني الثاني فيعود بنا إلى مطلع الستينيات (1960) عبر مشاهد ارتجاعية في ذاكرة الزوجة "جوان" وتأملاتها عن العلاقة التي جمعتها بزوجها، وسرعان ما تتلاقى تفاصيل الحكاية ما بين الزمنين حول "جوان"، بطلة الحكاية، لترسم ما خفي من تفاصيل العلاقة بين الزوجين.
يبدأ الفيلم عشية تلقي "جوزيف" اتصالا يعلمه بفوزه بجائزة نوبل، ليكشف لنا إصراره على مشاركة زوجته "جوان" سماع الخبر عبر الهاتف الثاني واحتفاله الطفولي معها عن طبيعة العلاقة الحميمية التي تجمع بين الاثنين، لكن هذا الحكم الأولي للمشاهد سيشوبه أحاسيس متناقضة احتشدت في ملامح الزوجة، فرح وحزن وقلق ودهشة وبرود، على نحو يختلط الأمر على المشاهد، هل كانت "جوان" سعيدة بهذا الخبر أم أنه أثار فيها بعض الضيق؟
سرعان ما يبدأ الاثنان بالتحضير لرحلتهما والسفر إلى السويد لتسلم الجائزة، وخلالها سنتلمس حجم العناية التي توليها الزوجة لزوجها، فهي تحرص على مواعيد تناول أدويته ونوعية طعامه ومظهره العام، وفي كل مرة ستقدم لنا "جوان" دليلاً على محبتها الكبيرة لزوجها ورهن حياتها له ولنجاحه، وتزداد في الآن نفسه مشاعرها المتناقضة تجاه فوز زوجها بجائزة نوبل غموضاً، إلى الحد الذي يصعب على المرء فهمه خصوصاً مع سلوك زوجها الذي لا يوفر فرصة للإعلان عن حبه لها وعن امتنانه لوقوفها إلى جانبه، والاعتراف بفضلها في نجاحه.
هل من الممكن أن تكون ممثلة بحجم "جلين كلوز " أخطأت التعبير عن حقيقة مشاعر شخصيتها "جوان" في تلك اللحظة، أم أنها أوحت لنا بتناقض أحاسيسها، تمهيداً لدفع الحكاية نحو مكان غير متوقع؟
مع بلوغ حبكة الحكاية حدثها المحفز سندرك حقيقة المشاعر التي كانت تعمل في داخلها عند سماع خبر فوز زوجها بنوبل، والتي سكتت عنها آنذاك وتركت لقسمات وجهها أن تبوح بها، إذ سرعان ما تبدأ الحكاية بفك رموز تلك الأحجية، ابتداء من نقطة حاسمة في مسار حبكتها، حين يقول جوزيف أمام أقرانه من الفائزين بجائزة نوبل: "زوجتي لا تكتب، والحمد لله"، خلافاً لما نتعرف عليه من تاريخ شخصية "الزوجة" في المشاهد الارتجاعية لتداعي أفكارها، فقد كانت طالبة جامعية عند جوزيف، وكانت في ذلك الوقت فتاة موهوبة في التأليف الأدبي، وقد أنجزت مؤلفها الأول المثير للاهتمام والتقدير، فلماذا أنكر الزوج موهبة زوجته جوان...؟
حالة النكران تلك ستتسبب بالشرخ الذي سيسمح لنا بالكشف عن الحقيقة المخبأة خلف جدران غرفة نوم الزوجين، وتدفع جوان إلى إعادة تقييم علاقتهما، وتمهد على صعيد البناء الدرامي لبلوغ الحبكة الحدث المحفز، حين تكتشف جوان أن زوجها يغازل مصورته الشابة، في وقت كانت فيه هي تقاوم ضغوط نكرانه لها ولموهبتها بالتأليف من جهة، ومن جهة أخرى ضغوط ملاحقة الكاتب "ناثانيل بون" (كريستيان سلاتر) الذي يعمل على كتابة سيرة حياة زوجها جوزيف، ويجتهد في محاولة كشف بعض الأسرار المدفونة في حياة الروائي، ومنها شكوكه بأنها من يقف وراء مؤلفاته المتميزة والتي كانت السبب في غياب اسمها عن الساحة الأدبية رغم أهمية ما أنجزته في مطلع حياتها.
تحت وطأة تلك الضغوط وخيبة أمل "جوان" من نزوات زوجها العاطفية، ستنهار كل الأقنعة التي أخفت خلفها حقيقة أن زوجها الروائي هو صاحب موهبة متواضعة وأن كل ما كتبه وأوصله إلى أرفع جائزة أدبية، كان في حقيقة الأمر من إنجازها هي، وقد سمحت له طواعية بأن يضع اسمه عليه ليصنع مجده الأدبي الخاص.
ومع بلوغ الحكاية حدثها المحفز هذا، ستبلغ خواتيمها بالانتقال إلى لحظة المكاشفة بين الزوجين، ليتعرض جوزيف في أثرها إلى نوبة قلبية ويموت، وتغادر "جوان" السويد وقد اختارت الاحتفاظ بسر زوجها للأبد، في قرار يتماهى مع طبيعة الشخصية وسلوكها الذي تعرفنا عليه على مدار الفيلم من دون أي مفاجآت.
على هذا النحو يعاني البناء الدرامي لحكاية الفيلم من ضعف في حبكته، فثمة حدث محفز مثير للإعجاب، سواء بلغة المشاهد مباشرة أو من خلال التقاطه مشاعر "جوان" المتناقضة تجاه فوز زوجها بالجائزة، ولكنه في الحالتين سرعان ما يأخذنا نحو ذروة حتمية من دون تصاعد حقيقي وغير متوقع بالأحداث أو تحول في سلوك الشخصيات يخلق التشويق الذي من شأنه أن يثير اهتمامنا بالفيلم.
مع تواضع البناء الدرامي للحكاية وحبكتها البسيطة، سيكون الجاذب الأساسي في الفيلم هو أداء الممثلين، ولا سيما الثنائي "جوناثان برايس" و"جلين كلوز" اللذين نجحا في تجسيد عوالم الحكاية ببعد واقعي، وبكل ما تنطوي عليه النفس البشرية من تناقضات.
ورغم انتهازية شخصية "جوزيف" ونرجسيتها ينجح "جوناثان برايس" في كسب تعاطفنا معه عبر أدائه المرن والعفوي، وقدرته على اللعب المشهدي في تجسيد الشخصية، والقبض على كامل تفاصيلها بثقة، وبالمقابل كانت "كلوز" تؤدي شخصية "جوان" بأناقة فنانة تعرف جيداً ما الذي تحتاجه لإقناعنا بواقعية شخصيتها وسحرها بآن معاً، فوظفت عيونها وإيماءات جسدها لإيصال مشاعر "جوان" المتناقضة أحياناً، وكانت دقيقة في التعامل مع هذه الشخصية المليئة بالأزمات من دون أن تستجدي عواطفنا، فلم تقدمها كضحية لنرجسية رجل وإنما أرادت القول إن هذه المرأة قوية حتى في أكثر أوقاتها ضعفاً.