الرابحون والخاسرون في اتفاقية ترامب التجارية مع بريطانيا.. الأرقام تكشف الحقيقة

أشاد قادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باتفاقية التجارة الموقعة بين الجانبين يوم الخميس، ووصفوها بأنها "تاريخية".
رغم حالة التفاؤل، إلا أن الخبراء حذروا من أنها لا تزال تفرض على المملكة المتحدة رسومًا جمركية أعلى على الصادرات إلى الولايات المتحدة مما كانت عليه قبل تولي دونالد ترامب منصبه.
وفي حين أن الرسوم الجمركية العالمية البالغة 10% التي فرضها ترامب في أبريل/نيسان لا تزال سارية، فقد حصلت المملكة المتحدة بموجب هذه الاتفاقية، على تنازلات كبيرة بشأن رسوم الصلب والسيارات التي كان ترامب قد زادها بنسبة 25% إضافية في فبراير/شباط ومارس/آذار.
وفي المقابل، منحت المملكة المتحدة الولايات المتحدة وصولًا أكبر لمنتجاتها من لحوم البقر والإيثانول والمنتجات الصناعية، مما أثار مخاوف من أن السوق البريطانية معرضة لخطر إغراقها بالمنتجات الأمريكية.
وقال ماتيا دي أوبالدو، الباحث الرئيسي في التجارة الدولية بجامعة ساسكس، إن الاتفاق ترك المملكة المتحدة في "وضع أسوأ بكثير" في شروط التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة مقارنة بالعام الماضي – ولكنه على الجانب الآخر منح المملكة المتحدة ميزة تنافسية ضد بعض البلدان الأخرى.
واستعرضت صحيفة فايننشال تايمز أبرز الرابحين والخاسرين من هذه الاتفاقية.
الاقتصاد
قال خبراء اقتصاديون إن الاتفاق سيُخفف العبء عن الصناعات الأكثر عرضة لخطر التعريفات الجمركية، لكنه لن يُحدث فرقًا يُذكر في التوقعات الاقتصادية العامة سواءً في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة أيضًا في إبرام صفقات مجدية مع دول أخرى.
وقال مايكل بيرس من شركة الاستشارات "أكسفورد إيكونوميكس" إن الإعفاء المحدود من تعريفات السيارات والصلب والألمنيوم من شأنه أن يقلل معدل التعريفة الجمركية في الولايات المتحدة، لكن متوسط التعريفة الجمركية سيظل في خانة العشرات، مما يُلحق ضررًا بالغًا بالمستهلكين الأمريكيين.
وقال بيدر بيك فريس، الخبير الاقتصادي في "بيمكو"ن "لا نتوقع أن يُؤدي هذا إلى تأثير ملحوظ على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة".
وأضاف، "يظل التشديد المالي المستمر وسياسة بنك إنجلترا هما المحركان الأكثر أهمية للتوقعات" بالنسبة للاقتصاد ككل.
وقال بول ديلز، الخبير الاقتصادي البريطاني في "كابيتال إيكونوميكس"، إن تأثير التعريفة الجمركية على المملكة المتحدة سيبلغ حوالي 11% على صادراتها لأمريكا نتيجة لهذا الاتفاق، وهو أعلى بكثير من معدل 1% الذي كان قائمًا العام الماضي.
ولكن يبقى ذلك تحسناً مقارنة بنسبة 13% التي سبقت اتفاق يوم الخميس، وفي الوقت نفسه يتطلع المستثمرون للتدابير الأمريكية المستقبلية بشأن قطاعات حيوية مثل الأدوية، على أمل المزيد من التخفيضات في معدل التعريفات.
السيارات
رحّب المسؤولون التنفيذيون في قطاع السيارات البريطاني بالاتفاق على نطاق واسع، والذي خفّض الرسوم الجمركية المحتملة من 27.5% إلى 10% على أول 100,000 سيارة تُشحن من المملكة المتحدة.
وصرح مايك هاويس، الرئيس التنفيذي لجمعية مصنعي وتجار السيارات، "شكّل تطبيق هذه الرسوم تهديدًا خطيرًا ومباشرًا لمصدري السيارات في المملكة المتحدة، لذا ستوفر هذه الاتفاقية تخفيفًا ضروريًا".
ووصف أدريان مارديل، الرئيس التنفيذي لشركة جاكوار لاند روفر، أكبر مُصدّر سيارات بريطاني إلى الولايات المتحدة، الاتفاق بأنه "تقدم كبير" في توفير "الثقة التي نحتاجها لمواصلة الاستثمار في المستقبل".
لكنه حذّر من أن "هذه المهمة لم تنتهِ بعد بالنسبة للمملكة المتحدة"، على أمل أن تُخفّض المفاوضات المستقبلية، مع مرور الوقت، الرسوم الجمركية بشكل أكبر.
وقال مسؤول تنفيذي آخر، "الأمر ليس خاليًا من التحديات، ولكنه قابل للإدارة".
وعلى الرغم من اعتماد صناعة السيارات البريطانية بشكل كبير على الصادرات الأوروبية، تُعدّ السيارات أكبر سلعة تصدير بريطانية إلى الولايات المتحدة، حيث بلغت مبيعاتها 6.4 مليار جنيه إسترليني.
كما تُعدّ الولايات المتحدة أكبر سوق للعلامات التجارية الفاخرة، مثل رينج روفر من جاكوار لاند روفر، بالإضافة إلى بنتلي وماكلارين، والتي لا تملك أي مصانع في الولايات المتحدة.
صناعة الطيران
أبرمت المملكة المتحدة أيضًا صفقةً تسمح لشركة رولز رويس بتصدير محركاتها إلى الولايات المتحدة "معفاة من الرسوم الجمركية"، على الرغم من أن المسؤولين التنفيذيين أعربوا عن أملهم في إعفاء جميع أطراف صناعة الطيران.
وارتفعت أسهم رولز رويس بنسبة 3.6% بعد هذا الخبر، وفي غضون ذلك، ارتفعت أسهم شركة بوينغ الأمريكية لصناعة الطائرات بنسبة 2.8% يوم الخميس بعد أن صرّح وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك بأن شركة طيران بريطانية ستشتري طائرات من الشركة بقيمة 10 مليارات دولار.
وأكدت مصادر مطلعة أن شركة IAG، المالكة لشركة الخطوط الجوية البريطانية، كانت قد اقتربت ليلة الخميس من إبرام صفقة لشراء طائرات بوينغ 787.
ويُسارع قطاع صناعة الطيران، وهو مستخدم كبير للصلب والألمنيوم، إلى التكيف مع حرب ترامب التجارية، حيث تتسرب التكاليف المرتفعة بالفعل عبر سلاسل التوريد.
وقال كيفن كرافن، الرئيس التنفيذي لهيئة ADS، وهي هيئة تجارية مختصة بصناعة الطيران والدفاع، إنه على الرغم من أن التعريفة الجمركية الأمريكية الأساسية البالغة 10% ستبقى سارية، إلا أن إلغاء التعريفات الجمركية الإضافية على الفولاذ والألمنيوم يُعد إنجازًا هامًا.
وأضاف، "أن ما تم تداوله عن إلغاء التعريفات الجمركية على المحركات وقطع غيار الطائرات يُعد خبرًا سارًا للغاية، على الرغم من أننا ننتظر المزيد من التفاصيل".
الزراعة والغذاء
رحب المزارعون بالتزام حكومة المملكة المتحدة بالحفاظ على معايير الغذاء البريطانية وضمان الوصول المتبادل لتجارة لحوم البقر، لكنهم حذروا من أن تدفق الإيثانول الأمريكي إلى المملكة المتحدة قد يضر بالمزارعين.
وصرح البيت الأبيض بأن الاتفاقية ستُوسّع بشكل كبير وصول المنتجات الأمريكية إلى أسواق المملكة المتحدة، مشيرًا إلى فرصة بقيمة 700 مليون دولار لصادرات الإيثانول، و250 مليون دولار لمنتجات زراعية أخرى مثل لحوم البقر.
وقال توم برادشو، رئيس الاتحاد الوطني للمزارعين في المملكة المتحدة، "يكمن قلقنا الأكبر في أن قطاعين زراعيين قد تم اختيارهما لتحمل العبء الثقيل المتمثل في إزالة الرسوم الجمركية عن صناعات أخرى في الاقتصاد".
وأكد الاتحاد الوطني للمزارعين أن الإيثانول هو وقود حيوي "بالغ الأهمية" لقطاع المحاصيل الصالحة للزراعة في المملكة المتحدة.
وأضاف، "أن التحرير الكامل لسوق الإيثانول في المملكة المتحدة قد يُترجم إلى فقدان هذا المنفذ المربح لمزارعي المحاصيل لدينا"، حيث يتم إنتاج الإيثانول الحيوي في المملكة المتحدة بشكل أساسي من القمح المحلي والذرة المستوردة.
وإلى جانب ذلك، صرحت رئاسة الوزراء البريطانية بأن المملكة المتحدة والولايات المتحدة اتفقتا على وصول متبادل لسوق لحوم البقر، حيث حصل المزارعون البريطانيون على حصة معفاة من الرسوم الجمركية قدرها 13 ألف طن متري.
وقبل أن يفرض ترامب رسومه الجمركية الشاملة بنسبة 10%، كانت الولايات المتحدة تطبق تعريفة زراعية متوسطة بنسبة 5% على الواردات البريطانية، بينما كان متوسط تعريفة المملكة المتحدة 9.2%.
وأعلن اتحاد الأغذية والمشروبات، وهو جماعة الضغط في قطاع صناعة الأغذية، أن رسوم الـ10% ستظل تؤثر على مصدري الأغذية البريطانيين، وكثير منهم شركات صغيرة.
وقد بلغت قيمة البضائع التي صدرتها هذه الصناعة إلى الولايات المتحدة 2.7 مليار جنيه إسترليني في عام 2024.
الصلب
وبعد أسابيع من تدخل الحكومة البريطانية لإنقاذ آخر أفران الصهر البريطانية المتبقية، رحّب قطاع الصلب باتفاقية إلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات الأمريكية، واصفًا إياها بـ"المهمة للغاية".
وفي فبراير/شباط، وبعد أسابيع من توليه منصبه، نقض ترامب اتفاقيةً بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة أُبرمت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، وفرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم البريطانية إلى الولايات المتحدة.
وأكدت هيئة الصلب البريطانية، وهي هيئة تجارية، على ضرورة توضيح شروط الاتفاقية، وموعد سريان التغيير في القواعد.
وتُعدّ الولايات المتحدة ثاني أكبر سوق لصادرات الصلب من المملكة المتحدة بعد أوروبا.
في عام 2024، صدّرت المملكة المتحدة 180 ألف طن من الصلب شبه المصقول والصلب المصقول إلى الولايات المتحدة، بقيمة 370 مليون جنيه إسترليني.
الأدوية
أعلنت المملكة المتحدة أن الولايات المتحدة وافقت على منحها معاملة تفضيلية في أي رسوم جمركية تُفرض في إطار تحقيقات واشنطن الجارية بشأن ما إذا كانت واردات الأدوية وأشباه الموصلات تُهدد الأمن القومي.
وأشاد ستارمر بهذا التنازل، معتبراً إياه خطوة من شأنها حماية المملكة المتحدة مهما حدث في المستقبل - في إشارة إلى أن ترامب لا يزال يدرس فرض رسوم جمركية على الأدوية.
وأضافت لندن أن الاتفاق وضع الأساس لشراكة تكنولوجية مستقبلية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، يمكن من خلالها للمملكة المتحدة التعاون في قطاعات مثل التكنولوجيا الحيوية، وعلوم الحياة، والحوسبة الكمومية، والاندماج النووي، والفضاء.
aXA6IDMuMTQ3LjY3LjM0IA==
جزيرة ام اند امز