انسحاب القوات الأمريكية.. هل يعاقب ترامب ألمانيا؟
منذ 2017، يتزايد التوتر بين برلين وواشنطن على خلفية إصرار الثانية على التزام الأولى برفع دول الناتو مساهمتها في ميزانية الحلف.
لم يكن قرار سحب جزء كبير من القوات الأمريكية من ألمانيا صادما فقط، بل أنه كان فيما يبدو رسالة عقابية مبطنة لبرلين على خلفية تقاعسها عن رفع مساهمتها المالية في ميزانية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن الحكومة الألمانية لا تزال تتشبث بالأمل.
ومنذ 2017، يتزايد التوتر بين برلين وواشنطن على خلفية إصرار الثانية على التزام الأولى باتفاق أعضاء حلف الناتو في 2014، الذي ينص على رفع الدول الأعضاء مساهمتها المالية في ميزانية الحلف إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2024.
لكن برلين ترغب في رفع مساهمتها في ميزانية الحلف البالغة حاليا 1.16% من ناتجها المحلي الإجمالي، بشكل تدريجي، ولا تعلن خطة واضحة لتحقيق هدف "الناتو"، وهو ما يغضب الإدارة الأمريكية بشدة.
وأمس الأربعاء، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أن الولايات المتحدة قررت سحب حوالي 12 ألف من جنودها من ألمانيا، لإعادة نشر جزء منهم في بلجيكا وإيطاليا.
وأوضح إسبر أن واشنطن ستعيد إعادة حوالي 6400 جندي من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، بينما سيُجرى نقل 5400 آخرين من ألمانيا إلى إيطاليا وبلجيكا.
وفي هذا الإطار، قالت مجلة دير شبيجل الألمانية المرموقة "لم يترك ترامب مجالا للشك في أنه يعاقب ألمانيا"، موضحة "الرئيس الأمريكي يرى برلين مذنبة لأنها لم ترفع مساهمتها في ميزانية الناتو للحد المتفق عليه".
وتابعت "قرار سحب واشنطن قواتها من ألمانيا هو بمثابة انتقام من (المستشارة) انجيلا ميركل على ترددها في زيادة مساهمتها في الناتو"، مضيفة "هناك عدد قليل من رؤساء الحكومات الذين لا يحبون ترامب بقدر المستشارة. لكن النفور متبادل بين الزعيمين".
وأضافت "لكن بأية حال، سحب هذه العدد من الجنود الأمريكيين من ألمانيا، مؤلم جدا سياسيا واقتصاديا بالنسبة لألمانيا".
ويتمركز 34 ألف جندي أمريكي في الأراضي الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، كضمانة أمنية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وحلقة وصل سياسية أساسية بين البلدين، وفق تقرير لوكالة الأنباء الألمانية "حكومية".
وعلى مدار العقود الماضية، تطورت الآلاف من الصداقات وعلاقات الشراكة والزواج بين الجنود الأمريكيين المتمركزين في ألمانيا، والألمان، بل أن القواعد العسكرية الأمريكية مثلت مصدر دخل لألمانيا. وعلى سبيل المثال توظف قاعدة أمريكية في ولاية راينلاند بالاتينات الألمانية نحو 7000 ألماني، فيما تساهم قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية بـ2 مليار دولار في الاقتصاد الألماني ممثلة في أجور الموظفين الألمان، وايجارات الأصول والمباني، والتعاملات التجارية مع المؤسسات الألمانية.
ووفق دير شبيجل، فإن ألمانيا هي الخاسر الأكبر من سحب القوات الأمريكية من أراضيها، لكن برلين لا تزال تتشبث بأمل يبدو قويا.
وأوضحت المجلة "تأمل الحكومة الألمانية في أن خطط الولايات المتحدة لسحب قواتها يمكن أن تفشل في نهاية المطاف، لأن هناك معارضة قوية داخل الكونجرس، للخطوة، كما أن تكاليف اللوجستيات اللازمة لنقل القوات كبيرة للغاية وتثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي في ظل أزمة تفشي كورونا".
وتابعت "كما أن مقر القيادة وانشاءات الوحدات العسكرية لهذه القوات في بلجيكا لم تبدأ بعد"، ومضت قائلة "لذلك، يمكن في النهاية أن تفشل خطط ترامب وتبقى القوات في ألمانيا"، مضيفة "رغم ذلك، فإن ألمانيا لا بد أن تفي بتعهداتها تجاه حلف الأطلسي".
وتابعت "لا يوجد رئيس أمريكي، حتى لو كان اسمه جو بايدن، سيسمح لبرلين بالتحلل من التزاماتها حيال الناتو".