البنك الدولي يكشف لـ«العين الإخبارية» تأثير حرب غزة على الشرق الأوسط (خاص)
روبرتا غاتي: لبنان الأشد تأثيرا ومصر والأردن يتعافيان
كشفت روبرتا غاتي، رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي، عن تأثير حرب غزة على المنطقة.
وقالت لـ"العين الإخبارية" إن أزمة الديون المتراكمة خلال الجائحة وصلت لمستويات قياسية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في الدول المستوردة للنفط، بينما أشارت إلى أن زيادة الديون كانت اتجاها متصاعدا بعد حرب غزة الأخيرة.
وإلى نص الحوار..
تزداد مشكلة الديون تفاقما في دول الشرق الأوسط، وبالنظر إلى الاضطرابات والنزاعات التي تشهدها المنطقة، فهناك تخوفات من أن تؤثر المشكلة على تعافي اقتصادات المنطقة بعد الجائحة.. كيف ترين ذلك؟
في الحقيقة أن النزاع في الشرق الأوسط يعمق الضعف الاقتصادي الكبير في المنطقة مثل نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة.
دعني أوضح لك أن ارتفاع نسبة الديون كان الاتجاه السائد حتى لما قبل كورونا، فخلال العقد الماضي، شهدت معظم اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادات في نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فيما تسارع تراكم الديون بسبب الجائحة وارتفع الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
- مسؤول مصري يكشف لـ«العين الإخبارية» تفاصيل صفقة «رأس جميلة»
- بفعل الحروب والانتخابات.. ألغام في طريق تأمين تمويلات التنمية
كذلك دعنا نفرق بين نوعين من الدول في الشرق الأوسط، الدول المستوردة للنفط، وهي التي شهدت ارتفاعا في نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 81% في 2013 إلى 88% في 2023، بعد أن كان 76% في 2013 و81% في 2018، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الارتفاع في نسب الديون كان الاتجاه السائد حتى ما قبل كورونا.
وبشكل عام فإن مستوى الديون أعلى بكثير لمستوردي النفط بمتوسط 88% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بمصدري النفط (بمتوسط 34% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023)
أما بالنسبة لمستوردي النفط: يجب الانتباه بشكل كبير للنفقات الخارجية عن الميزانية، والتي لا تُدرج ضمن الميزانية العمومية، وبالتالي، فإن أي تعديلات مالية من خلال الميزان الأولي لمواجهة المدفوعات الفائدة المرتفعة قد لا تكون قادرة على معالجة أعباء الديون المتزايدة التي لا تنتج عن النفقات المخطط لها.
بالنسبة لمصدري النفط، التحدي بالنسبة لهم يكمن في تنويع الاقتصاد وإيرادات المالية العامة نظرًا للتغير الهيكلي في أسواق النفط العالمية والطلب المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة.
ماذا عن الآثار الاقتصادية للصراع في غزة، وفي تقديرك ما حجم التأثير على الاقتصادات للقطاع لاسيما فيما يتعلق بالسياحة والتجارة الإقليمية؟
حالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي كانت مرتفعة تاريخيا مقارنة باقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى، قد زادت بعد 7 أكتوبر، ولا تزال أعلى مما هي عليه في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى.
وحتى الآن، تشير الدلائل إلى أن الأثر الاقتصادي للنزاع على المنطقة قد تم احتواؤه، أو اقتصر على قطاعات محددة في دول معينة، مثل لبنان والتي تعد من بين الدول التي تأثرت سياحتها بشكل كبير بسبب النزاع في المنطقة، ففي أكتوبر ونوفمبر، شهد لبنان انخفاضًا يزيد على 20% في وصول الركاب عبر الطيران مقارنة بعام 2019، أو الفترة التي سبقت كوفيد، والتي استخدمناها كأساس للمقارنة.
قد تكون بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة اقتصاديًا أيضًا لأسباب جيوسياسية محددة، على سبيل المثال، قد يؤثر القصف عبر الحدود على طول جنوب لبنان على القطاع الزراعي، الذي يوظف حوالي 20 إلى 25% من السكان.
وهل تأثر الاقتصاد العالمي بسبب التوترات جنوب البحر الأحمر؟
بالطبع، وبسبب التوترات هناك نشهد أيضًا اضطرابات طويلة الأمد في النقل البحري، خاصة عبر قناة السويس، وهو ما يؤدي إلى زيادة أوقات الشحن، على سبيل المثال، تضيف السفينة التي تسافر من شنغهاي إلى البحر الأبيض المتوسط عبر رأس الرجاء الصالح من 7 إلى 10 أيام، مقارنة بالمرور عبر قناة السويس. وللحفاظ على نفس التدفق من البضائع، سيتطلب الأمر ثلاث سفن إضافية، من 9 إلى 12 يوما.
دعني أوضح لك، قبل الصراع، كانت قناة السويس تتعامل مع حوالي ثمن تجارة الشحن العالمية. وفي يناير 2024، انخفض عدد السفن التي تمر عبر القناة بأكثر من 36% (على أساس سنوي) والإيرادات بنسبة 46% (وصلت إلى 430 مليون دولار مقارنة بـ 800 مليون دولار في العام الماضي).
لكن ما نجده في تحليلنا في البنك الدولي، هو أن صناعة الشحن تعاملت بشكل جيد حتى الآن مع إعادة توجيه السفن بعيدًا عن البحر الأحمر، ويرجع ذلك أساسًا إلى ثلاثة أسباب:
1ارتفاع الأسعار الفورية والتكلفة الحدية لشحن الحاويات لهذه المسارات، لكن متوسط أسعار الشحن لم يشهد حقا مثل هذا الارتفاع الكبير، لأن جزءا كبيرا من عقود الشحن العالمية تم توقيعها قبل الاضطرابات الأخيرة.
2 شهد شهرا يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط عمومًا انخفاضًا في الطلب الموسمي.
3 قامت غالبية شركات الشحن بالفعل بتوسيع أساطيلها (وبالتالي فهي أكثر قدرة على التعامل مع الصدمات) بعد أزمة سلسلة التوريد في عام 2021، أثناء انتشار كوفيد ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، على المستويين الإقليمي والعالمي، إذا طال أمد الصراع أو تصاعد.
في تقديرك، ما العواقب المحتملة طويلة المدى للصراع في غزة على التنمية الاقتصادية وإدارة الديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
في الحقيقة مع الصراع يأتي قدر كبير من عدم اليقين، خاصة حول كيفية ظهوره، وتقرير البنك الدولي الأخير، الذي يظهر مؤشرات إيجابية للسنوات المقبلة، أُعد على أساس افتراض عدم تصاعد الصراع.
وأظهرت أبحاثنا أن مسار الدين بعد الصراع يختلف عنه بعد الكوارث الأخرى، وعادة تزداد الديون بسبب أي نوع من الكوارث الطبيعية تقريبا (بما في ذلك جائحة كوفيد-19)، وينهار نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام الكارثة. ومع ذلك، فإن النمو يتسارع في السنوات التالية. وبعد انتهاء النزاع المسلح، يزداد الدين بشكل كبير كما هو الحال بعد أي كارثة.
وليس بالضرورة دائما أن ينتعش النمو الاقتصادي في أعقاب الصراع، مما يعني أن تدخلات الحكومات بعد انتهاء القتال لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين النمو الاقتصادي. وهذا يعني أن الديون تمثل نقطة ضعف موجودة مسبقًا ومن شأنها أن تتفاقم إذا تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
aXA6IDE4LjE4OC4xMTMuMTg5IA== جزيرة ام اند امز