فضائح لا تُمحى.. أوروبا تُسقط أقنعة «غضب الرب» الإسرائيلية

لم يكن اغتيال إسرائيل لعلماء نوويين في إيران، لحظة فريدة في تاريخها، بل تكرار لأحداث اسٌتخدمت فيها الاغتيال كـ"أداة سياسية".
والذكرى الأبرز التي لا تزال ماثلة في الأذهان، خاصة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تعود إلى صيف 1972، عندما قُتل 11 رياضيا إسرائيليا في أولمبياد ميونخ على يد منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية.
وردا على ما اعتبرته أحد أسوأ إخفاقاتها الاستخباراتية، أطلقت رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مائير، حملة سرية استهدفت أعضاء المنظمة وفصائل فلسطينية أخرى.
وتكشف الباحثة أفيفا غوتمن، المحاضرة في جامعة أبيريستويث، في كتابها "عملية غضب الرب" كيف حاولت إسرائيل سد الفجوة الاستخباراتية التي عانت منها عام 1972، وكيف حصلت على مساعدة حاسمة من أجهزة استخبارات أوروبية.
التعاون السري: الدور الأوروبي غير المعلن
يبدأ الكتاب بحادثة اغتيال في روما نفذها "الموساد" ضد شاب كان يعمل على ترجمة "ألف ليلة وليلة" إلى الإيطالية. وبحسب الرواية الإسرائيلية، كان أيضا ناشطا في "أيلول الأسود" ومتورطا في هجوم ميونخ.
وتعتمد غوتمن في روايتها على 40 ألف وثيقة استخباراتية رفعت عنها السرية تابعة لـ"نادي برن"، وهي قناة تبادل معلومات سرية بين إسرائيل والدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وتكشف الكاتبة من خلال هذه الوثائق، تفاصيل مهمة عن منفذي الهجمات الإرهابية، وعن عمليات الاغتيال التي نفذها الإسرائيليون.
الاغتيالات: بين الضرورة الأمنية والمعضلة الأخلاقية
وتروي غوتمن عمليات إطلاق نار من مسافة قريبة، وقنابل تحت مراتب الفنادق أو مقاعد السيارات. كما تسرد قصصاً مثيرة عن عملاء إسرائيليين تنكروا كميكانيكيي طيران للاقتراب من خاطفين، ومحاولات إسقاط طائرة تقل غولدا مائير بصواريخ مضادة للطائرات.
لكن الكتاب يطرح تساؤلات أساسية حول الأخلاقيات الاستخباراتية: هل كانت إسرائيل ملزمة بإبلاغ شركائها الأوروبيين أن معلوماتهم ستُستغل في عمليات اغتيال؟
وترى غوتمن أن ذلك كان واجباً، لكن الإسرائيليين اعتبروا المهمة ذات أهمية قصوى ولم يجرؤوا على المخاطرة برفض محتمل من الشركاء الأوروبيين.
أوروبا بين التهديد الإرهابي والتعاون المشبوه
تشير الكاتبة إلى أن الأوروبيين ربما أدركوا أن استخباراتهم تُستغل لوضع "قائمة القتل"، لكنهم غضوا الطرف نظرا لحجم التهديدات التي واجهتها القارة.
وفي سنوات ما بعد ميونخ، شهدت أوروبا موجة من اختطاف الطائرات والطرود المفخخة الموجهة للإسرائيليين.
وكان من بين هذه الحوادث مقتل ملحق إسرائيلي في لندن برسالة ملغومة، واستُخدم سم "الكوراري" القاتل وتفجير العبوات الناسفة. بل جرى خداع شبان أوروبيين لنقل متفجرات في حقائبهم دون علمهم.
وأمام هذا الواقع، كانت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأوروبية تشير إلى أن "فوائد التعاون تفوق مخاطر إساءة الاستخدام".
إخفاقات قاتلة وفضائح دبلوماسية
يوثق الكتاب كيف أن التعاون الاستخباراتي لم يكن محصنا من الأخطاء. ففي عام 1973، فشل "الموساد" في عملية اغتيال بالنرويج بعدما قتل نادلا مغربيا بريئا، في حادثة عُرفت بـ"فضيحة ليلهامر".
ولم يقتصر الأمر على قتل الرجل الخطأ، بل انكشف تورط إسرائيل بسبب أخطاء فادحة في التنفيذ، ووصفت الحادثة بأنها "أحد أسوأ الكوارث في تاريخ الموساد".
واللافت أن التعاون الاستخباراتي الأوروبي مع إسرائيل لم يتوقف حتى بعد الغضب العارم الذي أعقب الفضيحة.
وتطرح غوتمن تساؤلاً عن جدوى الاغتيالات: هل يمكنها حقاً ردع الإرهاب، حيث تظهر قيادات جديدة تخلف القديمة؟
لكن إسرائيل حسمت موقفها منذ زمن، وما زالت حتى اليوم تستهدف أعداءها بالاغتيالات.