ابنة يعقوب الشاروني شخصية معرض كتاب الطفل: «الأطفال اختاروا والدي وليس العكس» (حوار)
اختارت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يعقوب الشاروني شخصية معرض الطفل للدورة الـ55، بوصفه أحد أبرز رواد أدب الطفل عربيا.
وخلال مسيرته التي امتدت لقرابة 90 عامًا، كان لـ"الشاروني" مشروع ثقافي وإنتاج أدبي غزير وشديد التنوع والتأثير، كانت لها كبير الأثر في أجيال وأجيال من القراء والكتَّاب، في مصر وغيرها من الدول العربية.
وبينما أعادت الهيئة العامة للكتاب إصدار بعض مؤلفاته وإعداد كتاب احتفائي بعنوان "في محبة يعقوب الشاروني"، التقت "العين الإخبارية" ابنته الكاتبة هالة الشاروني، للحديث عن هذا الاختيار وكواليسه، وإلى نص الحوار:
كيف كان يتعامل يعقوب الشاروني مع أبنائه في المنزل؟
عشت وتزوجت وأنجبت وأنا في بيت والدي، وأبنائي تزوجوا ولم أبرح بيت العائلة، وكان والدي صديقًا لنا، لم نحس يومًا أنه متسلط أو متحكم، كنا نصارحه بكل شيء، بأحلامنا وهواجسنا، والأسئلة التي كانت تدور في رأسنا، مهما بدت محرجة أو سطحية، ولم أشعر يوما بأي فرق بين أبي وأمي، وكانا دائما صديقين لنا.
في بداية العام الدراسي، كان والدي يأتي إلينا بكومة كتب ومجلات وحكايات وروايات، كان يضعها أمامنا على المكتب بجوار الكتب المدرسية، وكان يعتبرها مقررات دراسية، وكان يجمع لنا كل سنة 20 أو 30 كتابا ومجلة، ويكلفنا بقراءتها مع الكتب المدرسية، وكان يرى أن الكتب الخارجية تزيد المعرفة مع التعليم.
والدتي كانت مدرسة لغة إنجليزية، وكانت تقرأ وتكتب طوال الوقت مع والدي، وكان والدي يسألنا عن رأينا في كل شيء، مع أننا قد نكون غير واعين للأسئلة، ولكنه كان يحرص على مواجهتنا بالسؤال، ولم أر والدي ووالدتي يومًا دون كتاب أو كراس، وتأثرنا كثيرا بذلك، وأصبحنا نقلدهما، والتقليد أصبح عادة، والعادة تحولت إلى هواية والهواية إلى ممارسة واستمرار.
بعد 3 سنوات من دخولي الجامعة، قرأت 150 كتاب علم نفس، والدي جمعها لي ووضعها في المكتبة وقال لي اقرأيها، لهذا كان والدي فريدًا من نوعه، وكان حريصًا على الحوار معنا لحل كل المشاكل التي تواجهنا، وكان ينشئنا على أن نطالب بحقوقنا مع الالتزام بحقوق الآخرين.
هل كان يؤمن بالشدة والضرب في تربية الطفل؟
أبدًا لم يلجأ إلى هذا الأسلوب، لم يعنفنا ولم يسبنا يومًا، أسلوب العنف كان مرفوضا تماما في بيتنا، ولم نعرفه من الأساس، وأنا أنشأت أبنائي بهذه الطريقة، وهم يربون أحفادي كذلك، والحزم لا يعني الضرب، لأن الضرب أسهل طرق العقاب، والحزم عند والدي كان يظهر على ملامح وجهه، فكان يغضب من عدم الالتزام بالمواعيد، وكان يرى أن عدم الالتزام يجعل الشخصية هشة وضعيفة، وكان صديقًا ولكن حازمًا، وكان العقاب بالنسبة له منع حكاية قبل النوم، ووالدي كان حكاء رائعًا، فكنا نتجنب أن نغضبه بأي تصرفات حمقاء حتى لا نحرم أنفسنا من حكاية قبل النوم، وإذا منعنا من تلك الخكاية كنا نحزن ونبكي، وكان يلجأ في بعض الوقت لمنع المصروف، لكنه لم يلجأ أبدًا إلى الضرب رغم شقاوتنا صغارًا.
كيف كان ينظر للسوشيال ميديا وتأثيرها على الأطفال وتنشئتهم؟
والدي كان يرى أن الميديا والسوشيال ميديا لها مزايا وعيوب، فذات مرة كنت أستقل مترو الأنفاق في القاهرة ووجدت سيدة ومعها طفل رضيع، ولكي تتخلص من صراخه فتحت له الموبايل وأدارت له فيلم رسوم متحركة، وهي بذلك حرمت رضيعها من كل الخبرات البصرية التي كان مفترضًا أن يكتسبها بالنظر في وجوه الناس من حوله، وفي أسرتنا وعائلتنا كان استعمال الكمبيوتر بقدر معين، وهذه فلسفة والدي.
هل كان يستلهم أفكاره من علاقته بالأسرة؟
كنت أحاضر في جامعة جنوب الوادي بصعيد مصر، ولاحظت طالبة متفوقة جدًا لكنها ترسب في الامتحانات، فسألتها عن السبب، فأجابت بأنها لا تجيب على الأسئلة في الامتحانات لكي لا تنهي تعليمها حتى لا تتزوج من ابن عمها الجاهل، وعندما حكيت هذه القصة لوالدي كتب عنها رواية "مغامرة في بيت الطالبات"، فأرسلتها إلى الطالبة التي قرأتها بدورها على والدها، فقرر العدول عن فكرة زواجها من ابن عمها.
من رجل قانون صارم إلى عالم الطفل الرحب.. كيف حدث هذا التحول في حياة يعقوب الشاروني؟
والدي كان محاميًا بارعًا، وقاضيًا ومستشارًا في هيئة قضايا الدولة، وكان يكتب عرائض الدعاوى وحيثيات الأحكام القضائية، وكان مدافعًا شرسًا عن حقوق الدولة، وكان شديد الدقة في قراءاته، وفي البداية كتب قصة "أبطال بلدنا" وفاز بجائزة سلمها له الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1960، وكان عمره وقتها 33 عامًا.
بعدها أدرك والدي أن الأدب والكتابة المسرحية هي مجاله، فألف مسرحية "جنينة المحطة"، وفازت بتقدير من اتحاد الكتاب وقتها، من هنا قرر ترك القضاء والاتجاه إلى الثقافة الجماهيرية، وبدأ بالعمل في قصر ثقافة بني سويف، وكان يعقد ندوات للكبار على مدار الأسبوع، ويخصص ساعتين يوم الجمعة للأطفال، كان يحضرها عدد كبير جدًا من الصغار، وكان والدي يعرض عليهم الأفلام ويتناقش معهم في ندوات حوار.
أحب الأطفال والدي لشخصه، ولأنه حكاء استطاع أن يجذب الأطفال إليه، وكانت بعض الأمهات يصطحبن أطفالهن إلى قصر الثقافة، فسأل واحدة منهم ذات مرة عن السبب، فقالت له إن ابنها لا يتكلم طوال الأسبوع سوى عن يوم الجمعة وأستاذ يعقوب الشاروني، ووالدي دائما يقول "الأطفال هم من اختاروني، وليس العكس"، وهكذ اتجه بتلقائية وبالتدريج إلى الكتابة وندوات الأطفال.
ما أحب مؤلفاته إلى قلبك وما مقولته التي تستحضرينها دائما؟
والدي كان روائيًا رائعًا، يستطيع بكتاباته أن يعيدك لطفولتك، وأحب أعماله إلى قلبي "تائه في القناة" لأنني قرأت كثيرًا عن حفر قناة السويس، ولكن لم أعِ المأساة الحقيقية أثناء الحفر، وخلال تلك الحكاية أدركت مدى معاناة المصريين الذين حفروا القناة، ومسّت الرواية قلبي وجرحته، وهناك أيضًا رواية "مغامرة في بيت الطالبات".
بالنسبة لمقولاته، أتذكر له دائمًا مقولة "ارمي خبزك على وجه المياه وستعود الخيرات إليك"، و"ربنا مش بيبات مديون"، وأهديته في عيد ميلاده الـ85 كتابا بعنوان "سحر الحكاية في كتب الشاروني"، جمعت فيه دراسات عن كتبه وآراء كتاب ونقاد مختلفين فيه، وقال إنها أجمل هدية تلقاها في حياته.
ماذا يعني لك اختياره شخصية لأدب الطفل في معرض القاهرة للكتاب؟
أحمد الله لأن والدي علم باختياره شخصية معرض الكتاب لأدب الطفل قبل وفاته، وراجع بنفسه ومع صديق عمره الأستاذ أحمد عبدالنعيم الكتب التي تطبع حاليا لعرضها في معرض الكتاب، وهو اختيار دقيق في مضمونه وعظيم في واقعه على نفسه، ووالدي كان سعيدًا جدًا، وقال لي إنه انتظر هذا التقدير 30 عامًا، وأحمد الله على ذلك، لأنه تلقى هذا التكريم في حياته وليس بعد رحيله.
aXA6IDE4LjIyMS42OC4xOTYg جزيرة ام اند امز