سعت الدوحة خلال ما سمي بالربيع العربي إلى إسقاط الأنظمة في عدد من الدول العربية، من خلال تسليح الجماعات المتطرفة لنشر الفوضى والإرهاب.
أطلت علينا وكالة الاسوشيتيد بريس الأمريكية بتقرير غريب مريب يتهم قوات التحالف العربي بمهادنة تنظيم القاعدة في اليمن وعقد الصفقات المالية مع أعضائه لشراء انسحاباتهم من بعض المواقع والاستعانة بمقاتلي التنظيم لدحر قوات الحوثيين المدعومين من إيران.
لن نتحدث هنا عن الجانب الدسائسي الواضح في التقرير الذي بنى اتهاماته على شهادات شخصيات معروفة بعدائها لجهود التحالف، أو شخصية كاتبة التقرير وتوجهاتها والمبالغات الغريبة التي احتواها، ولكن سنتحدث عن خلط المفاهيم وتحريف المعلومات التي تضمنها هذا التقرير الذي يفتقر إلى المهنية والموضوعية.
ليس سرا أن قطر تقف وراء إعداد هذا التقرير الذي وفرت له كل شهود الزور الذين تحدثوا فيه، وهدف الدوحة هو تشويه سمعة التحالف العربي والقول إن التحالف يقوم بما تقوم به قطر من خلال تواصلها ودعمها الجماعات المتطرفة والإرهابية، وشتان بين الأمرين.
من نافلة القول التذكير بعمليات التحالف العربي في المكلا ولحج لطرد تنظيم القاعدة من هناك والتضحيات التي قدمها التحالف في تلك العمليات على الأرض، وهي كافية بنسف ما جاء في ذلك التقرير، لكن سنذهب أبعد من ذلك لتوضيح استراتيجية التحالف في التعامل مع تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن ككل والتي حاول التقرير تشويهها، فالحرب على الإرهاب تقوم في كل مكان في العالم على الجانب العسكري والأمني، إضافة إلى الجانب الفكري والمجتمعي.
فعلى الصعيد العسكري نفذ التحالف العربي عمليات جريئة في المكلا ولحج تمكن خلالها من طرد أو القضاء على تنظيم القاعدة الذي كان يحكم بشكل علني تلك المناطق، كما ساعد التحالف القوات الأمريكية في اصطياد عدد من رؤوس التنظيم التي قتلت في هجمات بطائرات دون طيار.
وفي المستوى الأمني يجب الإشارة إلى أن قوات التحالف تقاتل على أرض غير أرض تلك الدول المشكلة للتحالف العربي، وعماد قوامها قوات سعودية وإماراتية، لذلك فإن التحالف يراعي التركيبة المجتمعية والقبلية في اليمن، ويأخذ بعين الاعتبار الظروف المجتمعية التي دفعت إلى تشكيل حاضنة لتنظيم القاعدة في بعض المناطق، في ظل ظروف عدم الاستقرار التي سبقت تدخل التحالف في اليمن.
فهناك العديد من الشباب القبلي الذي انضم إلى القتال في صفوف القاعدة ليس إيمانا بعقيدة هذا التنظيم الإرهابي، ولكن سعيا لحماية نفسه وقبيلته من التقلبات السياسية والعسكرية التي تبعت الانقلاب الحوثي في اليمن، فالسلاح في اليمن منتشر بكثرة وفي كل مكان، وطبيعة ميزان القوى في بعض المناطق تدفع القبائل لعقد صفقات مع أقوى التنظيمات المسلحة في محيطها من أجل ضمان الحماية والاستقرار.
وفي مثل هذه الحالات لا يكون الحل العسكري هو أفضل الحلول لاجتثاث تنظيم القاعدة، لأن ذلك سيؤدي إلى مقتل العديد من شباب القبائل الذين دخلوا في صفقة عسكرية مع هذا التنظيم للأسباب المذكورة سابقا، وعليه فإن المعمول به دوليا -سنذكر أمثلة عليه- في هذه الحالات يكون بالعمل على شق صف المقاتلين، وفصل أولئك الذين يؤمنون بالشرعية ونظام الدولة والحل السياسي عن أولئك المتطرفين المتبنين لفكر التنظيم الإرهابي الدولي العابر للحدود وبناء الدولة القومية.
هذه الاستراتيجية تتبعها أمريكا وروسيا في عدد من أنحاء العالم، فأمريكا مثلا تفاوض طالبان حاليا في أفغانستان، وهدفها فصل طالبان عن تنظيم القاعدة المشكل أساسا من غير الأفغان، وعليه فإن نجاح واشنطن في "تدجين" طالبان -إن نجحت- ودمجها في مؤسسات الدولة الأفغانية سيوجه ضربة لتنظيم القاعدة ويفقده عنصر الدعم اللوجستي. أيضا تقوم تركيا الأطلسية بهذا الدور نفسه في محافظة إدلب شمال سوريا بدعم روسي أمريكي، حيث تسعى لفصل الفصائل المسلحة عن جبهة النصرة، بل تحاول شق جبهة النصرة إلى جناحين، متطرف متمسك بانتمائه إلى تنظيم القاعدة الدولي ويضم عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب، وآخر يقبل بالحل السياسي في سوريا. كما يدعم الاتحاد الأوروبي في ليبيا دمج الفصائل المسلحة المقاتلة في مؤسسة الجيش الرسمية، إن هي قبلت فك ارتباطها بتنظيمي داعش والقاعدة.
وفي اليمن تطلب العديد من القبائل من التحالف الدولي تجنيب مناطقها من الصراع العسكري بين التحالف ومسلحي القاعدة، وتسعى لأخذ فرصة من أجل عقد نوع من الهدنة مع مقاتلي التنظيم يمكنها من سحب أبنائها من صفوفه، ودفع عناصر القاعدة خارج حدود منطقتهم، ولا يسع التحالف في هذه المواقع إلا أن يحترم رغبة تلك القبائل صاحبة الأرض، وعليه يتم تشكيل قوى أمنية -مثل القوات الشبوانية- التي تقوم بحماية مناطق قبائلها بعد الانسلاخ عن تنظيم القاعدة، وهذا يتطلب دعما ماليا وعسكريا من التحالف لإنجاح هذه التجارب التي تشبه تجارب المناصحة في السعودية.
وعليه فإن هذه التجارب هي من صلب محاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة الذي فقد بسبب هذه التجارب العديد من عناصره في العديد من المحافظات، ولو أن عقد الصفقات المالية مع تنظم القاعدة لانسحابه من بعض المناطق كان ممكنا وصحيحا، كما جاء في التقرير، لما تكبد التحالف عناء هجمات التنظيم المستمرة في محافظة أبين والبيضاء.
وعليه فإن الغمز واللمز المقدم في تقرير الوكالة الأمريكية يهدف أساسا للتغطية على نجاحات التحالف العربي في محاربة تنظيم القاعدة، من خلال تقديم ما هو قائم من تنوع في استخدام الوسائل الأمنية والاجتماعية إلى جانب العمل العسكري على أنه مهادنة مع التنظيم. ومن المضحك القول بأن قوات من القاعدة تقاتل في صفوف المقاومة المدعومة من التحالف، ولم تفكر كاتبة التقرير في أبسط معايير الأمن التي تحول دون ذلك لمنع أي عملية انتحارية أو عسكرية ينقلب فيها مقاتل القاعدة على من حوله من مقاتلين.
ليس سرا أن قطر تقف وراء إعداد هذا التقرير الذي وفرت له كل شهود الزور الذين تحدثوا فيه، وهدف الدوحة هو تشويه سمعة التحالف العربي والقول بأن التحالف يقوم بما تقوم به قطر من خلال تواصلها ودعمها الجماعات المتطرفة والإرهابية. وشتان بين الأمرين، فبنظرة سريعة على الفصائل والجماعات التي تدعمها الدوحة، وتلك التي تعامل معها التحالف تكفي لأن ندرك بوضوح أن قطر تدعم كل الفصائل التي تسعى لتفتيت بنية الدولة أينما كانت -في اليمن أو ليبيا- من أجل استخدام تلك الفصائل كورقة ابتزاز مع الحكومات الشرعية، بينما تدعم الإمارات والسعودية المؤسسات العسكرية الشرعية المنضبطة والموالية لبناء دولة موحدة ودعم شرعيتها، ففي ليبيا تدعم الإمارات الجيش الوطني الليبي، وهو مؤسسة شرعية منضبطة، يؤدي تقويتها إلى تقوية بناء الدولة ومؤسساتها.
سعت الدوحة خلال ما سمي بالربيع العربي إلى إسقاط الأنظمة في عدد من الدول العربية، من خلال تسليح الجماعات المتطرفة ذات التوجه الإسلامي، بشكل نشر الفوضى والإرهاب ومهد إلى تقسيم عدد من تلك الدول إلى مناطق معزولة عن بعضها البعض، فيما تسعى الإمارات والسعودية إلى إعادة بناء الدولة ومؤسساتها في تلك الدول، من أجل إعادة الاستقرار فيها وضبط انتشار السلاح ليكون محصورا على مؤسسة الجيش الشرعية.
وفي اليمن يواجه التحالف العربي الحوثيين من جهة وتنظيم القاعدة من جهة أخرى، وكما أنه يفتح المجال دائما وبصبر كبير للحل السياسي مع الحوثيين مع الإبقاء على عملياته العسكرية لتوفير الظروف المناسبة للتسوية السياسية، وهو في هذا الإطار يستخدم الجوانب الأمنية والمجتمعية المشروعة والمتعارف عليها دوليا، من أجل تحجيم خطر تنظيم القاعدة مع الإبقاء على عملياته العسكرية ضد التنظيم. وستبقى المحاولات القطرية لتشويه هذا الجهد للتحالف العربي أصغر من أن تمس مشروعيته وأهدافه.
في الختام، لا أنصح سيادة العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، باستضافة كاتبة التقرير لنقل وجهة النظر الأخرى وتصحيح ما جاء به هذا التقرير المغلوط، فمثل هؤلاء المحسوبين على عالم الصحافة لا يرون إلا ما يريدون أن يروه مهما كانت الحقيقة واضحة جلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة