النصر العسكري في اليمن تحقق بتحجيم المشروع الإيراني ومحاصرته في أجزاء بشماله لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية.
عندما انطلقت عاصفة الحزم كتبت صباح ذلك اليوم مقالاً بتأييد الحملة لعودة الشرعية، على الرغم من أنني لم أكن أتمنى الحرب لكنها فرضت فرضاً علينا، وما كان لنا في الخليج إلا أن نقف مع حق الدفاع عن النفس وعن الشرعية في حينها. حذرت في ذلك المقال من أن تطول الحرب وضرورة العمل على إنهائها بأسرع وقت بعد أن تحقق أهدافها.
باختصار: فلنوقف الحرب وندعم استقلال الجنوب وتنميته-أكرر وتنميته- وإقناع هادي بالتنحي عن رئاسته الرمزية لأسباب صحية، واستمرار محاصرة الحوثي في الشمال، ووقف العمليات القتالية لدول التحالف مع استمرار تعزيز المعارضة ضده في شمال اليمن.
اليوم وبعد أن مرت أكثر من أربع سنوات ونصف على الحملة التي تبدلت من عاصفة للحزم إلى حملة لإعادة الأمل، فإننا مطالبون جميعاً بإعادة التفكير في ما تحقق وما لم يتحقق وما لا يمكن له أن يتحقق. فلقد خلقت تطورات الأوضاع واقعاً جديداً ومختلفاً عما كان عليه الوضع سنة انطلاق الحملة، فقد تلاشى عبدالله صالح، واشتبك الجنوب ببعضه، وراوحت الأوضاع في تعز والحديدة تجنباً للخسائر البشرية، وأصبح المشهد أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل خمس سنوات.
الهدف الاستراتيجي للحرب تحقق بوقف التمدد الإيراني ومحاصرته وإجهاض المشروع الإيراني في اليمن. صحيح أن الحوثيين باقون وما زالوا يسيطرون على صنعاء وعلى صعدة، لكن هذا بسبب تعقيدات الوضع اليمني الداخلي نفسه، وليس بسبب تقصير من قبل قوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
لنقر ونعترف أنه لا يمكن تحقيق نصر عسكري للتحالف على أطفال تحمل الكلاشنيكوف في جبال صعدة ومران، فهم ينطبق عليهم المثل الشعبي "إن ضربت، ضربت نبي، وإن خليت، خليت شيطان". وهذا ما أحجم عنه طيران التحالف طيلة الحرب بتجنب قصف الأماكن المدنية والحفاظ على سلامة المدنيين قدر الإمكان.
النصر العسكري تحقق بتحجيم المشروع الإيراني في اليمن ومحاصرته في أجزاء بشماله لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية، وتعتبر ساقطة بالفكر العسكري الصرف.
علينا أن نتذكر حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي أن اليمن لم يكن موحداً طيلة تاريخه، فالجنوب حكمه سلاطين بكانتونات مبعثرة، والشمال حكمته الإمامة التي تسيطر على مدنه وليس على جباله وأريافه، والوحدة التي فرضها علي عبدالله صالح بالقوة عام 1994 لا يعتد بها، فالوحدة لا تفرض فرضاً، بل تتم طوعاً واختياراً.
علينا أن نقر بأن الجنوب يختلف عن الشمال اختلافاً كبيراً، فلا اللهجة واحدة، ولا حتى اللغة التي يتكلمها الجنوبيون واحدة، فالشرق يتكلم المهرية، وأهل سقطرى يتكلمون السقطرية وكلاهما لغة سامية قديمة تختلف عن العربية. كما يختلفون كثيراً بالطباع والسلوك، فأهل الشمال يغلب عليهم طباع الجبال بوعورتها وخشونتها، وأهل الجنوب يغلب عليهم طباع البحر والسواحل الهادئة.
الأهم هو أن أهل الجنوب لا يريدون أن يكونوا جزءاً من الشمال، ويتطلعون نحو الاستقلال عنه، وهذا حقهم. وبناءً عليه، فإن اليمن لن يعود يمناً واحداً بعد اليوم، بل قد يستمر عقوداً وهو أكثر من يمنيين، وهو الوضع السائد بتاريخه، فلم يعش اليمن مركزية سلطوية في تاريخه، هذه هي الحقيقة التي يغفلها البعض، والتي بإدراكها يمكن التعاطي مع تطورات الأحداث بعدن من منظور استقلال الجنوب والعمل على تحقيق الاستقرار والتنمية فيه.
علينا أن نعترف بأن الشرعية السياسية ليست أبدية، وأن الرئيس عبدربه منصور هادي- وإن تمتع بالشرعية- فهو لا يتمتع بالشعبية، وأن الفراغ السياسي الشعبي يحتاج إلى شخصية جديدة تتعامل مع المستجدات بحذاقة وقدرة على مخاطبة الجماهير بما يعطيها الأمل ويبث فيها روح المقاومة ضد الحوثي ومليشيات إيران.
سوف تسعى إيران جاهدة إلى استمرار الحرب، فهي ترى فيها جرحاً نازفاً للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، واستمرارها بدعم الحوثيين لا يكلفها كثيراً: سلاح وصل وتكدس بانقلاب الحوثي على السلطة عام 2014، وخبرات صاروخية تهدف إلى الضجة الإعلامية أكثر من تأثيرها العسكري، والتقديرات تشير إلى عشرة ملايين دولار شهرياً تدفع نقداً للحوثي ليوزعها على مقاتليه من الأطفال والمرتزقة برواتب لا تتجاوز المئة دولار، بينما تكلف الحرب دول التحالف أكثر من ملياري دولار شهرياً، ناهيك عن التكلفة البشرية والإعلامية التي يستغلها حلفاء إيران لتشويه صورة المملكة ودول التحالف.
ترى إيران في استمرار هذه الحرب ورقة مهمة لن تفرط بها مهما طالت، وانتزاع هذه الورقة من يدها هزيمة لاستراتيجيتها باختراق الجزيرة العربية.
باختصار: فلنوقف الحرب وندعم استقلال الجنوب وتنميته- أكرر وتنميته- وإقناع هادي بالتنحي عن رئاسته الرمزية لأسباب صحية، واستمرار محاصرة الحوثي في الشمال، ووقف العمليات القتالية لدول التحالف مع استمرار تعزيز المعارضة ضده في شمال اليمن.
نقلاً عن "إندبندت عربية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة