محارب الألغام.. قصة يمني غامر بحياته لإنقاذ المدنيين
كان الوقت يقترب من الظهيرة، حينما تسلّق راجح أحمد الشواح، وهو نازع ألغام يمني، مع زملائه قمة جبلية لتطهيرها من ألغام الحوثي.
كان ذلك في الثاني من يونيو/حزيران الماضي، حينما كان المهندس اليمني البالغ من العمر نحو 60 عاماً ويعمل في هيئة حكومية لنزع الألغام، يتقد حماساً لتطهير موقع حوثي يُستَخدم كموقع لقنص المدنيين، وتغرقه المليشيات بالألغام المضادة للأفراد المحرمة دولياً في مديرية الوازعية، غربي محافظة تعز، جنوبي اليمن.
يروي راجح مأساته لـ"العين الإخبارية" بحسرة: "كنت في ذلك اليوم متحمساً للعمل الذي أقوم به، وشعرت كما لو أنه بمثابة رد الجميل لأبناء بلدتي، بأن أجعلهم يعيشون بسلام دائم دون خوف من أدوات الموت الحوثية".
ويقول: "أردت حماية السكان من خطر الموت المدفونة تحت التراب وكان ذلك نابعاً من إيماني العميق بأن يحظى سكان تلك المنطقة الريفية بالعيش بأمان، أردت أن تكون خطواتهم للأمل والفرح، نحو الحياة لا أن تكون الخطوة الأخيرة في حياتهم".
توقّف الرجل الذي يعول 5 أطفال عن الحديث لبرهة وكأن حديثه عن اللحظات المميتة يخيفه، قبل أن يواصل: "كان لزاماً عليّ أن احتاط بدقة وأن تكون خطواتي مدروسة والسنوات العشرين الماضية التي عملت بها ضمن فريق نزع الألغام علّمتني كيف أتنقّل بخطوات دقيقة، فالخطأ معناه الموت".
"مسحت موقعاً كانت تتخذ منه عناصر المليشيات مكاناً لقنص السكان، لكنها لغّمته بأربعة ألغام قبل طردها"، يقول راجح وهو يشرح اللحظات التي سبقت إصابته: "انتزعت ثلاثة ألغام، وعندما قمت بتمرير جهاز الكشف لم يصدر صوتاً، كانت تلك إشارة بأن جميع الألغام قد تم تطهيرها، وأن المكان اصبح آمناً".
يواصل حديثه قائلاً: "كان اللغم الفردي محاطاً بقطعة سميكة من بالون الهواء الذي يوضع داخل إطارات السيارات، وكانت سبباً في عدم قدرة الجهاز على اكتشاف اللغم الحوثي، وعندما تقدمت حدث شيئاً مريباً، قذف بي في الهواء، شعرت كما لو أن شخصاً ضربني بفأس على رأسي".
ويضيف: "ارتفعت كومة من الأتربة والغبار وعلا المكان صمتاً موحشاً، اعتقدت لحظتها أن مليشيات الحوثي أطلقت علينا قذيفة هاون، وبعد لحظات حاولت الوقوف على قدمي، لكنني لم أكن قادراً على ذلك، وعندما شاهدت قدمي اليمنى في مكان آخر وقد بترها الانفجار أصبت برعب شديد، وأدركت أنني في محنة كبيرة".
يروي المهندس اليمني لحظات الموت المرعبة: "لم أشعر بالألم على الإطلاق، لكنني كنت في لحظة انهيار وضعف، شعرت باختناق ولم أكن قادراً على التنفس فيما كانت الدماء تتدفق من قدمي اليمنى ويدي فيما تلطخت الدماء في كل جسمي من أثر الشظايا".
ويتابع: "في لحظات كدت أقترب من حافة الموت، خاطر زميلي (مصعب الحسامي) بحياته من أجل إنقاذي، دخل إلى حقل الألغام وعصب جرحي بقطعة قماش كان يرتديها، ثم قام بحملي على ظهره".
"ولأن الجبل مرتفع، فإننا نحتاج إلى نحو ساعة للوصول إلى أقرب طريق إلى السيارة التي كانت تقلنا"، يقول راجح: "كانت لحظات مخيفة، فالطريق التي نزلنا منها لم تكن قد تم مسحها من قبل، لكن الأقدار كانت هذه المرة إلى جانبنا".
"لقد أنقذ حياتي وأنا مدين لذلك الشاب الذي كتبت بفضله لي حياة جديدة"، يقول المهندس، ويضيف: "ربما كنت الآن في عداد الموتى، لكنه قرر أن يخاطر بحياته لإنقاذي، وإن كانت تلك الخطوة تسببت له بمشكلة في العمود الفقري حتى اليوم".
عند الوصول إلى المقر المؤقت للفريق أجريت له الإسعافات الأولية وتم تضميد جروحه، بحسب الشواح، الذي يقول: "بدأت حينها تسري في جسدي آلام لا يمكن لي وصفها، وكل ما في الأمر أنني أيقنت أنني على وشك الموت، بعدها لم أعي بشيء سوى في التالي وأنا أتمدد على سرير في مستشفى بمركز محافظة تعز للعلاج".
ورغم تعافيه خلال فترة وجيزة إلا أنه لا تزال تراوده كوابيس أهوال الحادثة الأليمة، كما أنه يشعر كما أن تياراً كهربائياً يسري في جسده، وقد أبلغه الأطباء أن ذلك الشعور سيتلاشى مع مرور الأيام لكن المأساة يصعب نسيانها.