العقد الحوثي.. «النكبة اليمنية» تفيض وتغرق العدالة الدولية
تحل اليوم السبت الذكرى الـ10 لما بات يعرف بـ"نكبة اليمن"، حينما اجتاحت مليشيات الحوثي في 21 سبتمبر/أيلول قبل عقد العاصمة صنعاء.
ومع هيمنت مليشيات الحوثي على صنعاء نسفت كل الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها اليمن لتحقيق عدالة القانون الدولي.
وطيلة عقد من عمر انقلاب الحوثيين ظلت الجماعة ترتكب الجرائم بحق الشعب اليمني باسم القانون ومؤسسات الدولة بعد أن عدلوا وكيفوا لوائح تنفيذها للإفلات من العقاب، كان آخرها التعديلات القضائية "الفجة".
لكن أيادي العبث عندما عجزت عن الوصول لتغير عدالة القانون الدولي عمدت لوضع أعظم ما أنجزه العالم من قوانين ومعاهدات دولية متعددة الأطراف تحت المقصلة، وتوجت ممارساتها بنسف حصانة موظفي الأمم المتحدة.
وفي هذا التقرير تسلط "العين الإخبارية" الضوء على أبرز القوانين والمعاهدات الحاكمة لعلاقة الدول التي ضرب الحوثيون بروح نصوصها عرض الحائط وهددوا السلام والأمن الدوليين.
قانون البحار
في عام 1982 أقرت الأمم المتحدة اتفاقية قانون البحار بخصوص الشحن العالمي والممرات الطبيعية وبيئتها، لكن مع تمدد الحوثيين أواخر 2014 على ساحل البحر الأحمر لم يعد لهذا القانون وروحه أي أثر برا وبحرا.
فالهجمات الحوثية التي طالت سفن الشحن في الـ9 أعوام الأولى من الانقلاب أو خلال العام الأخير نسفت الإطار القانوني الدولي البحري وبلغت أكثر من 70 هجوما، مما أغرق سفينتين وقرصنة واحدة وقتل 3 بحارة على الأقل منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبيئيا، أغرق الحوثيون ناقلة "توتور" التي تحوي 80 ألف طن من الفحم وسفينة "روبيمار" المحملة بقرابة 22280 طنا متريا من السماد وزيت الوقود والديزل، كما تحل ذكرى النكبة الـ10 وناقلة سونيون المحملة بأكثر من مليون برميل من النفط الخام، لا تزال تشتعل رغم قطرها.
اقتصاديا، شل الحوثيون الممر الذي يستحوذ على 15% من حركة التجارة البحرية الدولية، بعد أن غيرت ما لا يقل عن 29 شركة كبرى مسارها بعيدا عن البحر الأحمر وتأثرت مصالح أكثر من 65 دولة، فيما ذهبوا سرا لمساومة شركات النقل للحصول على رسوم مالية مقابل "المرور الآمن"، على ما أفادت مصادر مطلعة.
تفخيخ السلام
ويشكل تزامن يوم نكبة الحوثي مع اليوم العالمي للسلام الذي يصادف سنويا 21 سبتمبر/أيلول، مثالا حيا على اغتيال هذه المليشيات العدالة الدولية حتى غدت هذه الذكرى يوم شؤم لملايين اليمنيين.
وخلال 10 أعوام فخخ الحوثيون أكثر من 44 محطة سلام مع الحكومة اليمنية، من جنيف حتى الرياض، وظلوا كعادتهم متمسكين بالرؤية الإيرانية منذ عام 2015، ولم تتغير اشتراطاتهم إلا في المسميات.
كما اتخذوا الملفات الإنسانية والاقتصادية أوراقا للضغط والمساومة لانتزاع المكاسب، وكذا القوة مثل قصف موانئ تصدير النفط بحثا عن أكبر حصة من الإيرادات.
الإبادة الجماعية
ومنذ عام 2014 ارتكب الحوثيون عشرات الوقائع التي يصنفها القانون الدولي "جرائم إبادة جماعية"، وأقر اتفاقية منع ومعاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات عام 1948.
لكن هذا الإطار القانوني ظلت مقصلته بعيدة عن رقاب قادة الحوثي الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية كـ"كمذبحة وتهجير واعتقال السلفيين في دماج" و"حصار واجتياح الحيمة 2021" عندما مثلت المليشيات بالمناهضين لها على جذوع الأشجار شرق تعز.
وفي العام نفسه حاصروا العبدية في مأرب وارتكبت 2451 انتهاكا، وسبقها 2019 للمأساة المروعة في حجور في حجة واستخدام الحصار والماء والغذاء والدواء سلاحا جماعيا بجانب القصف الصاروخي الفتاك وسياسة الأرض المحروقة، وقوة مفرطة أفضت لإبادة عائلات بأكملها.
التمييز العنصري
وفي عام 1965 أقرت الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وكان حينها اليمن في سنواته الأولى لإرساء مدماك النظام الجمهوري الذي عمل في إلغاء الفوارق الطبقية وتمييز العنصرية.
لكن عقب سقوط صنعاء عاد التمييز العنصري بشكل صارخ بعد فرز الحوثيين المجتمعات المحلية التي تعايشت قرونا من الزمن على أساس طبقي سلالي، ووضعها ما يسمى "شجرة الانتساب"، وتقسيم 5 عائلات سلالية على أساس العرق داخل الجماعة نفسها.
وارتكب الحوثيون جرائم عنصرية صادمة بحق الشعب اليمني، التي وصلت مؤخرا حتى إلى مقاعد الدراسة المخصصة لأبناء قادة المليشيات، فيما بقية الطلاب الصغار من عموم أبناء البلد يفترشون الأرض.
لون واحد للمواطنة
ومنذ اجتياح صنعاء فرض الحوثيون سياسية اللون الواحد للمواطنة، وأسقطوا كل الحقوق المدنية والسياسية التي وقع عليها اليمن في إطار العهد الدولي الخاص الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1966.
مدنيا أسقط الحوثيون حرية السلامة الشخصية وحق الأمن وحرية العمل، وحق تقلد الوظيفة التي كفلها الدستور اليمني في إطار القانون الدولي، منها فصل آلاف الموظفين وحرمان نحو 1.25 مليون موظف -غالبيتهم معلمون- من مرتباتهم منذ عام 2016.
ولم تسلم من الحوثيين "حرمة السكن"، التي فجرت -ضمن سياسة الإرهاب الجماعي- 713 منزلا كان آخرها في رداع في مارس/آذار 2024، كما داهموا واقتحموا في ظرف 6 أعوام نحو 12 ألفا و38 منزلا، حسب إحصائيات لتقارير حقوقية.
مدنيا أيضا، أسقط الحوثيون "حرية المراسلات وسريتها" بالتجسس واستغلال الاتصالات والإنترنت كسلاح من أسلحة حروبهم، كما أسقطوا "الحق في اللجوء للقضاء" الذي نصبوا فيه حرسا جديدا من العقائديين لاستخدامه كعصا في تأديب المناهضين والخصوم لمشروعهم.
سياسيا، لم يعد لـ"حرية الرأي التعبير" أثر في صنعاء ومناطق الحوثيين الذين فرضوا رقابة وتجسسا على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى باقات التلفزيون في المنازل، ولعل الاختطافات الجماعية هذه الأيام لكل من أراد إحياء الذكرى الـ62 لثورة 26 سبتمبر/أيلول شهادة حية على مدى وجود الحرية في أدبيات الجماعة.
كما نسف الحوثيون "حق تشكيل الأحزاب السياسية" وفرخوا كيانات لشرعنة جرائمهم ولاحقوا 21 حزبا شاركوا في آخر عملية ديمقراطية في اليمن، كما وضعوا أيديهم على كل الكيانات النقابية، منها الاتحاد العام لنقابات عمال التي يعد مظلة لـ15 نقابة مهنية، وألغوا كليا العمل بـ"حق تشكيل النقابات والجمعيات" وفقا للعهد الدولي.
تمييز ضد المرأة
ودحض العالم منذ 1979 جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ووقعت الدول اتفاقية للقضاء على هذا الشكل من الجرائم، وكان اليمن إحدى هذه الدول، لكن عقب الانقلاب الحوثي تعرضت النساء لأعنف موجة توحش بالتاريخ.
وبحسب مصدر حقوقي لـ"العين الإخبارية" فإن مليشيات الحوثي اختطفت أكثر من 2000 امرأة كان آخرها سحر الخولاني و3 عاملات في المجال الإنساني، التي كانت قد قيدت تحركاتهن منذ عام 2022 إلا مع مَحرم.
كما حدت من عمل المرأة ونشاطها، حتى الحصول على خدمات من المطاعم و"استديوهات التصوير" والجامعات والمرافق الصحية، وكذا استخدامهن الهواتف الذكية، كما هو الحال في بعض مناطق حجة، بزعم "محاربة الاختلاط وتطبيق الهوية الإيمانية".
تجنيد الأطفال
وكمليشيات منفلتة لا يعني الحوثي الإطار الدولي القانوني، تحديدا اتفاقية حقوق الطفل (1989)، فقد تدخلت الأمم المتحدة عام 2022، ووقعت معها خطة عمل لإنهاء الانتهاكات الجسمية ضد الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم وتسريح المجندين خلال 6 أشهر.
لكن الحوثيين واصلوا التجنيد بلا هوادة، وحولوا لجان الرقابة المشكلة مع الأمم المتحدة إلى غطاء لمضاعفة الأعداد من المعسكرات الصيفية، وحتى مؤخرا بغطاء "نصرة غزة"، بعد أن وثقت تقارير حقوقية تجنيدهم أكثر من 10 آلاف طفل خلال 7 أعوام فقط.
تغذية الإرهاب
ومارس الحوثيون الأعمال الإرهابية مباشرة عبر قياداتهم وغير مباشرة بدعم التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، في أعمال باتت تتطلب ملاحقة قضائية دولية لتشكيلها تهديدا محدقا بجهود مكافحة ظاهرة الإرهاب، وتهديدها أمن الدول والسلم الدولي، خصوصا الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (1999)، وفقا لخبراء.
وكانت واشنطن ومجلس الأمن فرضا عقوبات على عديد القيادات الحوثية إثر هجماتهم الإرهابية، وفرضت الولايات المتحدة بشكل مستقل على عشرات الأشخاص ضمن شبكة الجمل المالية للحوثيين العابرة للحدود وكذا شركات شراء أسلحة وشركات صرافة لغسلها الأموال.
في الجانب الآخر، أظهرت تقارير أممية ومعلومات حديثة تورط مليشيات الحوثي في تقديم طائرات دون طيار لتنظيم القاعدة، وتمويل وتأهيل قيادته والإفراج عن معتقليه، ووصل الأمر حد رعاية شبكاته الإعلامية وتقديم خدمة الإنترنت الآمن له.