هجوم مليشيا الحوثي الإرهابية على ناقلة النفط «السعودية أرسان» شكّل منعطفاً جديداً في سلوك المليشيا، بعد أن فشلت في تسويق نفسها.
هجوم مليشيا الحوثي الإرهابية على ناقلة النفط «السعودية أرسان» شكل منعطفاً جديداً في سلوك المليشيا، بعد أن فشلت بشكل ذريع في تسويق نفسها عبر أدوات المظلومية والتواصل مع المنظمات الحقوقية بقناع الضحية، رغم أنها قادت اليمن إلى هوة سحيقة على كل المستويات، ليست السياسية والاقتصادية فحسب، بل على المستوى الإنساني حين جندت الأطفال والمراهقين قسراً، وهددت عائلاتهم، ومارست كل أنواع التعذيب والوحشية تجاه شركائها في أيام الثورة؛ والمفارقة أن تناول الإعلام الغربي ومراكز الأبحاث والمنظمات لا يزال يصنف هذه المليشيا من المتمردين.
المجتمع الدولي اليوم مطالب بالتحرك ضد هذا المنطق المليشياوي الذي بات واضحاً في اختياره لتوقيت تحركاته أنه يحارب بالوكالة عن نظام الملالي؛ بهدف تدمير اليمن أولاً، ثم محاولة تهديد أمن جيران اليمن وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
ورغم كل هذه الكوارث الإنسانية التي كانت تمارسها مليشيا الحوثي بصلافة ولا مبالاة زادت اليمنيين مأساة، فإنهم كانوا يراهنون على إيصال صوتهم للخارج وفق إطار المظلومية. وعلى الرغم من استهداف السعودية بالصواريخ الإيرانية الفاشلة فإن رهان الحوثيين على الخارج كان أكبر من إحداث أي فوارق نوعية على مستوى الحرب. فالمليشيا تدرك تماماً أنها مسألة وقت، وهي كانت تستثمر في هذا الوقت وفي الحالة المتردية لليمن، لا سيما مع السيطرة على ميناء الحديدة، والتي كانت تعني بالنسبة لها المزيد من الجباية القسرية للأموال، إضافة إلى بقاء خط الإمدادات والأسلحة من إيران.
التحالف بقيادة السعودية يدرك أكثر من الحوثيين عامل الوقت، ويستثمره بشكل إنساني وعاقل منذ أولى اللحظات لإعلان عاصفة الحزم باعتبارها حرب ردع لإعادة الشرعية، تاركة للأطراف الدولية والمنظمات أن تأخذ وقتها في إدارة الملف التفاوضي، رغم إيمانها وتمرسها في التعامل مع ازدواجية المليشيات المسيسة التي لا يمكن أن تعيش منطق الدولة أو تتصرف من خلاله، عكس السعودية التي تتصرف بمنطق الدولة واحترام القوانين والمواثيق وإدارة سلوك الأزمة بخبرة وحنكة، وليس من خلال ردات الفعل الهوجاء التي قد تسلكها حتى بعض الدول الكبرى في حال تعرضها لهجوم استراتيجي من هذا النوع. كما أن موقف السعودية الهادئ والسياسي كان هدفه ضرورة أن تتحمل الدول الكبرى والمنظمات الدولية عبء عدم القراءة الصحيحة للحوثيين وفق سياق المليشيا الحربية الانقلابية؛ التي تتوسل السياسة لتسويق أفكارها وأيديولوجيتها وفقاً لقيم المنظمات، وليس انعكاساً لسلوكها على الأرض.
قرار التحالف الذي وجد عراقيل كثيرة حتى من بعض الدول الغربية بضرورة تحرير ميناء الحديدة بات يؤكده، ليس على مستوى ما يحدث على الأرض وهزائم الحوثيين وتراجعهم، وإنما في حث العديد من الدول والمنظمات على ضرورة إعادة تقييمها للمشهد اليمني عامة وميليشيا الحوثي الإرهابية، باعتبارها مليشيا قراصنة قد تعطل حركة الملاحة العالمية وتدفق أهم سلعه وهو النفط. وبالطبع سيكون الحرج مضاعفاً على وكلاء الحوثي ملالي طهران، وهي تدرك حجم وخطورة ملف تهديد خطوط الملاحة الدولية.
هجوم الحوثيين أيضاً عبّر عن سذاجة سياسية بالغة ونسف كل ما استثمرته المليشيا في جولاتها المكوكية حول العالم خصوصاً أوروبا، ولبس قناع الضحية، والتواصل مع منظمات حقوق الإنسان، ومحاولة إقناع كل مبعوث للأمم المتحدة فور تعيينه بأنهم لا يمانعون في القبول بأي شروط وملفات تفاوضية.
قناع المظلومية الذي ارتداه الحوثيون مبكراً حتى ما قبل الثورة في حروبهم مع النظام السابق وحزب المؤتمر؛ سيضيق جداً بهم بعد استهداف ناقلات النفط عبر باب المندب، ويمكن قراءة ذلك في ردود الفعل تجاه هذا الهجوم الأرعن، ومنها تصريح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، والذي دعا الحوثيين إلى ضرورة الانسحاب من مدينة الحديدة ومينائها، وإيقاف تهريب الأسلحة، والسماح بتفتيش السفن التي تقدم على ميناء الحديدة.
منطق المليشيا الساذج هو المهيمن على تحركات الحوثيين السياسية، فهو يجمع بين كل المتناقضات من الفشل الذريع في المفاوضات، والتعنت واختراق الهدنة، وجلب المزيد من الدمار والاختطاف والاغتيال بهدف تزجية أكبر قدر من الوقت، والقدوم للتفاوض بشروط متعنتة.
المجتمع الدولي اليوم مطالب بالتحرك ضد هذا المنطق المليشياوي الذي بات واضحاً في اختياره لتوقيت تحركاته أنه يحارب بالوكالة عن نظام الملالي بهدف تدمير اليمن أولاً، ثم محاولة تهديد أمن جيران اليمن وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ولكن هذه الأهداف يتم الالتفاف عليها عبر شعارات سياسية متطرفة تستهدف الداخل اليمني، وشعارات سياسية ناعمة للمنظمات الحقوقية والدولية.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة