سرطان ينهش في أجساد اليمنيين بشكل يومي، لكنه يخدم آلة الحرب الحوثية، ماديا وعسكريا، فبات مجالا للمتاجرة والربح بين قيادات المليشيات.
إنه تهريب المبيدات السامة، الذي فجر مؤخرا صراعا حادا بين قيادات مليشيات الحوثي التي طالما اعتمدت على هذه السموم في تجارتها غير المشروعة لتمويل حربها، كما أبرز الجرائم التي ترتكبها المليشيات بحق الشعب اليمني.
وانتقل صراع قادة مليشيات الحوثي من السر إلى العلن عبر حملات إعلامية متبادلة، كشفت حجم الخطر المحدق الذي بات يتربص باليمنيين، إثر استيراد قياداتها النافذة مبيدات مميتة وقاتلة محرمة دوليا بما فيه مبيدات "بروميد الميثيل"، و"المانكوزيب"، و"دورسبان" و"أبامكتين" المركز.
وجرى إثارة هذا الصراع من قبل قيادات حوثية فيما تسمى "وزارة الزراعة" في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، ضد القيادي الحوثي "عبدالعظيم دغسان" المنتمي لعائلة دغسان المتورطة بتهريب المبيدات السامة منذ 3 عقود والمقرب من أحمد دغسان، العضو الأخطر في العائلة والنافذ الأكبر في مليشيات الحوثي.
وأظهرت وثائق سربتها قيادات حوثية فيما يسمى "وزارة الزراعة"، إقرار المليشيات بأنها سمحت لعدد من التجار التابعين لها من بينهم دغسان باستيراد أكثر من 5 ملايين لتر من المبيدات والسموم خلال الفترة من 1 أغسطس/آب 2023 وحتى 14 يناير/كانون الثاني 2024, مع الاعتراف بأنها كميات مهولة يترتب عليها الكثير من المخاطر.
وثيقة أخرى، طالعتها "العين الإخبارية"، موجهة من ما يسمى وزير الزراعة عبدالملك قاسم الثور إلى وكيله ضيف الله شملان كشفت عن أن كمية المبيدات التي تم التصريح باستيرادها من قبل مليشيات الحوثي خلال عام 2023 فقط، بلغت (14,465,888) لترا، ووصفت ذلك بـ "الجريمة ضد الإنسانية".
سبب الصراع
ويعود سبب هذا الصراع الحاد بين قيادات الحوثي إلى استعانة دغسان بالمليشيات الأمنية الحوثية لإخراج شحنة من المبيدات المحظورة بالقوة بعد تحريزها في أحد المنافذ بصنعاء وذلك في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وأظهر بلاغ عاجل صادر عن ما يسمى مصلحة الجمارك الحوثية إلى غرفة العمليات المشتركة بالمصلحة "قيام قائد كتيبة الخدمات بمليشيات النجدة الحوثية نبيل لطف الله، ومعه الضابط عبد الله الباردة، مصطحبين معهم ثلاث عربات عسكرية مع عشرات العناصر، باقتحام ساحة مكتب جمارك ورقابة صنعاء، وساعدهم في ذلك قائد مليشيات النجدة أبو بدر المراني بصحبة عددا من عناصره".
وحسب البلاغ، فإن المقتحمين قاموا بإخراج القاطرة المحملة بشحنة من المبيدات السامة نوع "بروميد الميثيل المحظور والممنوع" بالقوة وأخبروا مدير عام الجمرك بأن "لديهم توجيهات عليا بذلك ولا يمكن لأحد منعهم من تنفيذ تلك التوجيهات".
وتابع البلاغ أن "التوجيه من مدير عام القيادة والسيطرة بوزارة الداخلية الحوثية التي يقودها عبد الكريم الحوثي"، عم زعيم المليشيات، مؤكدة أن شحنة المواد الخطيرة تتبع شركة "سبأ العالمية" المملوكة للقيادي في المليشيات دغسان، وأنها لم تستوف الرسوم الجمركية والمواد الأخرى وكذا لا يوجد لها أي تصاريح كونها تعد مبيدات محظورة.
وأكد محضر إثبات آخر عن مصلحة الجمارك الحوثية تداوله نشطاء إخراج مليشيات الحوثي قاطرة على متنها مبيدات سامة نوع (بروميد الميثيل) المحظور والممنوع التابعة لشركة سبأ العالمية، بتوجيهات حوثية.
وكانت وثيقة صادرة أواخر 2018، أظهرت منح حكومة الانقلاب مؤسسة "بن دغسان" التابعة للمهرب الحوثي الأشهر دغسان أحمد دغسان، حق إصدار شهادات تسجيل لعدد 61 مادة من المبيدات والأسمدة الكثير منها محظورة دوليا، في مسعى لإضفاء الشرعية على مواد مهربة تدخل عبر شركاته في تجارة المبيدات الزراعية.
وبحسب تقرير لمبادرة استعادة اليمنية”، فإن مجموعات “دغسان" تضم 11 شركة متعددة المهام، وتدر على المليشيات أموالا طائلة نظرًا لسيطرتها على سوق المبيدات والأسمدة الزراعية والمستلزمات الزراعية وخاصة تلك التي تحتوي على “مادة اليوريا” والتي يعاد استخدامها في صناعة المتفجرات.
وفجرت تلك الوثائق فضيحة مدوية في وجه الحوثيين الذي لجاؤوا للضغط على ما يسمى "وزارتا الزراعة والري، والمياه والبيئة" في حكومة الانقلاب للخروج ببيان مشترك أمس الأحد، يبرر أن استيراد مبيد "بروميد الميثيل" يهدف لاستخدامه في مكافحة آفة الديدان الثعبانية “النيماتودا” في الزراعة المحمية والتربة، فيما صنفت مبيد “المانكوزيب” أنه "مقيد" وليس "ممنوع".
مصنع مبيدات
في السياق ذاته، قالت مصادر محلية وإعلامية في صنعاء إن مليشيات الحوثي تسعى لتشييد مصنع للأسمدة والمبيدات الزراعية في بلدة "اللكمة"بمديرية بني مطر غرب العاصمة المختطفة صنعاء وذلك رغم رفض سكان المنطقة لذلك.
وبحسب المصادر، فإن المصنع المرتقب تشييده يتبع مجموعة عائلة دغسان وشركة "رواد" التي تعود ملكيتها للقيادي النافذ محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم المليشيات.
سرطان ينهش اليمنيين
وتحت عناوين وهاشتاغات متنوعة تحمل مضمون واحد أن المبيدات المسرطنة جريمة بحق الشعب اليمني، حمل نشطاء يمنيون مليشيات الحوثي وتجارها مسؤولية استيراد المبيدات السامة والمسرطنة التي فتكت بآلاف المواطنين.
وأظهرت وثيقة تداولها ناشطون ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان المسجلين في المركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء وذلك إثر المبيدات السامة المحظور استخدامها دوليا.
وجاء في المذكرة التي طالعتها "العين الإخبارية"، وموجهة إلى ما يسمى "مكتب رئاسة الجمهورية"، أن "أرقام الإصابات بالأورام في اليمن وصلت نهاية 2022 أرقاما كبيرة: 43 ألفا و735 مصابا، حيث تصدرت محافظة إب باعتبارها المحافظة الزراعية الأكثر كثافة سكانية المحافظات بمعدل 6 آلاف و807 مصابين".
كما حلت تعز في المركز الثاني بمعدل 6126 ثم محافظة ذمار بواقع 4731 ومحافظة الحديدة بمعدل 3691.
المذكرة قالت أيضا، "تبين علاقة السرطان بالمناطق الأكثر استخداما للمبيدات خاصة في زراعة القات، يتضح ذلك من خلال الإصابات الأكثر ارتفاعا على مستوى المديريات: تأتي مديرية عنس محافظة ذمار ثم مديرية رداع محافظة البيضاء، وهما من المديريات الأكثر زراعة للقات وبالتالي الأكثر استخداما للمبيدات".
وكشفت وثيقة موجهة للنائب العام الحوثي، أن "حالات السرطان في ارتفاع سنوي، حيث كانت عام 2015, نحو 4207 حالات وارتفع العدد عام 2022 ليصل إلى 6786 حالة".
وأقرت الوثيقة بأنه "يتم السيطرة على تهريب هذه المواد بالتعاون مع الجهات المختصة وأن الكميات من المبيدات الموجودة في المنافذ هي كميات تم تحريزها، أما المبيدات الموجودة في الأسواق دخلت جميعها بتصاريح استيراد رسمية"، محملة 3 من موظفي وزارة الزراعة المسؤولية.
وكانت مصادر إعلامية أكدت أن مركز الأورام التابع للمستشفى الجمهوري يستقبل يومياً نحو 40 حالة إصابة جديدة بالسرطان من مختلف المحافظات منذ ما قبل نهاية عام 2023.
وأرجعت المصادر، ارتفاع الإصابات، إلى انتشار المبيدات التي يستوردها تجار يعملون لصالح مليشيات الحوثي، وقادة فيها، محذرة من أن هذه المبيدات تستخدم في رش المحصولات الزراعية، والخضار، والفواكه، وهي مسببة للسرطان.
مطالبات بتحرك دولي
إلى ذلك، طالبت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم، بالتحرك، لمواجهة جريمة إغراق مليشيات الحوثي اليمن بالسموم القاتلة، والتي تعرض حياة ملايين اليمنيين للخطر، والشروع الفوري في تصنيفها منظمة إرهابية.
وقالت الحكومة على لسان وزير إعلامها معمر الأرياني، إن "فضيحة المبيدات الزراعية منتهية الصلاحية، والمحظورة دولياً التي تقوم شركات مملوكة لقيادات نافذة في مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، وبتسهيلات حوثية، بإدخالها للمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، جريمة نكراء تندرج ضمن أعمال القتل المتعمد والممنهج الذي تمارسه بحق اليمنيين منذ انقلابها".
وأكد أن "مليشيات الحوثي عمدت منذ انقلابها إلى إدخال كميات من المبيدات المسمومة، والمسرطنة إلى اليمن، ما تسبب في زيادة إعداد المصابين بأمراض السرطان وغيرها من الأمراض المزمنة في مناطق سيطرتها، إضافة إلى تأثيرها الكارثي على البيئة والتربة والثروة الحيوانية والمياه الجوفية".
وكشف أن مليشيات الحوثي وبغرض الإثراء وتنمية الموارد، قامت بإدخال أكثر من (90) صنفاً من المبيدات الزراعية القاتلة للأسواق في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، وأن أكثر من (120) طناً من المبيدات المحرمة دولياً كانت محتجزة في نقاط مختصة وتم الإفراج عنها بتوجيهات من قيادات عليا.