متى يستعيد "بُن" اليمن أمجاده؟.. "العين الإخبارية" تحاور خبيرا زراعيا
ارتبط محصول البُن باسم اليمن تاريخيًا، كما ارتبطت أجود أنواعه عالميًا باسم "ميناء المخاء"، ولكن تراجعت ريادة اليمن في سوق البن اليوم.
والتقت "العين الإخبارية" الباحث والمختص في مجال زراعة البُن والخبير الزراعي، المهندس صالح السنيدي باعباد، للحديث عن واقع المحصول ومستقبله، وطرق زراعته وتطوير إنتاجه وأمجاد شجرته التي تعد أيقونة اليمن.
وباعباد، الباحث في مديريات يافع (جنوب اليمن)، وهي مديريات شهيرة بزراعة البُن، يملك ماجستير علوم زراعية وقاية النبات "قسم الحشرات"، وهو مُدرب في آفات النبات والمساكن والمخازن ومكافحتها المتكاملة.
كما يعد خبيرا في زراعة وإنتاج البن وتربية النحل وإنتاج العسل، وباحثا في حماية البيئة، والمشاريع البحثية والتجارب الزراعية، ومعد مناهج التدريب والتعليم الزراعي وتقييمها في اليمن.
تاريخ البن اليمني
وبالمقارنة بين واقع زراعة البن في اليمن اليوم والماضي، يقول المهندس صالح السنيدي باعباد، إن النظرة مؤلمة إذا قارنا بين زراعة البن في اليمن قبل نحو نصف قرن وبين واقعها اليوم، حيث إن جميع التدخلات لتطوير وزراعة وإنتاج البن في المحافظات الجنوبية تعود إلى فترة ظهور التعاونيات الزراعية 1972.
وفي عام 1975 أصدرت الحكومة قانون منع زراعة القات، وهو ما ساعد على ازدهار زراعة البن والمحاصيل النقدية الأخرى.
كما اتخذت الحكومة آنذاك قرارًا يُحفز الفلاحين بمكافأة مالية تقدر بواحد دينار، (ما يعادل 3 دولارات تقريبًا) عن كل شجرة بُن يتم زراعتها، وكان لتلك الإجراءات الصائبة تأثيرًا قويًا وإيجابيًا وحافزًا للفلاحين ساعدهم على التوسع في زراعة أشجار البن بمساحات جديدة في الأودية وبطونها والمدرجات الجبلية.
وتركزت زراعة البن في مناطق يافع، وانتقلت زراعته إلى منطقة دمان وجيشان والتوسع في زراعة البن في منطقة الشعيب الضالع.
حتى وصل عدد أشجار البن الفعلية في منطقتي يافع ورُصُد بنحو 2.6 مليون شجرة بُن، بحسب بيانات أواخر عام 1993.
وأضاف الخبير الزراعي أن منذ نحو ثلاثة عقود، ظهرت العديد من الأسباب والعوامل أدت إلى تدهور زراعة البن وجفاف وموت الأشجار.
وحتى 2020 تسببت العديد من العوامل إلى فقدان 844.690 ألف شجرة بُن، ولم يتبق من أشجار البن المزهرة سوى 535.588 ألف شجرة، بحسب نتائج المسح الشامل لأعداد أشجار البن الذي نُفذ وموّل من مؤسسة يافع للتنمية وبمشاركة مجموعة الزراعيين في يافع، وبالتنسيق مع وزارة الزراعة والري والثروة السمكية عام 2021.
أسباب نقص عدد أشجار البن في اليمن
وأرجع باعباد أسباب تراجع أعداد أشجار البن خلال الفترة الأخيرة إلى عوامل وأسباب كثيرة، كالفيضانات والسيول المتكررة سنويًا، وأضرارها في فقدان أعداد كبيرة من أشجار البُن والمساحة الزراعية، مثل فيضان عام 1982 الذي أدى إلى هجرة أكثر السكان داخليًا وخارجيًا.
وأشار إلى الجفاف وتتابع فتراته وتمدده سنة تلو الأخرى، وانتشار الآفات والحشرات، وعدم الاهتمام بإحصاء الأشجار المفقود والجافة والتي جرفتها الفيضانات والسيول المتكررة سنويًا والأخطاء في تقدير البينات الإحصائية والاعتماد على تقديرات المساحة بالفدان والهكتار، وتخوف الفلاحين وعدم الإدلاء ببيانات صحيحة بسبب تدني الوعي لأهمية التعداد الزراعي الذي تم عام 1985.
كما أن هناك أسباب أخرى مثل تعاقب فترات الجفاف الطويلة خلال الثلاثة العقود الماضية وعدم وجود مهندسين ومرشدين زراعيين، وارتفاع تكاليف مياه الري، وانهيار الجمعيات الزراعية، وارتفاع أسعار المدخلات والتقنيات الزراعية وانخفاض أسعار البُن محليًا وعدم تسويقه خارجيًا.
كيف يستعيد اليمن أمجاد البن؟
وللإجابة عن هذا السؤال يقول الباحث الزراعي المهندس صالح السنيدي باعباد، إنه يمكن استعادة مكانة محصول البن في البلاد من خلال معالجة جميع أسباب وعوامل التدهور لمحصول البن الذي أشرنا إليها وجدولتها حسب أولوياتها.
وأولها هو توفير المياه من خلال توفير خزانات لحصاد مياه الأمطار أو خزن مياه الآبار وقت وفرتها، وربط الخزانات بشبكات الري بالتنقيط، كحلٍ فعّال سيساهم فعلا باستعادة زراعة وإنتاج البن في الأودية وبطون الأودية وفي المدرجات الجبلية والمنحدرات، وهذا سيساعد على حل مشكلة انحسار المساحات الزراعية.
كما يجب العمل على إيجاد تنظيم مجتمعي زراعي قانوني في إطار مؤسسي يحمل الشخصية الاعتبارية والقانونية كوسيط مجتمعي بين الفلاحين وبين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والعربية والصناديق والجهات المانحة والشركات وأسواق البن المحلية والدولية.
ومن شأن هذا الوسيط أن يقود العمليات الزراعية والاستفادة من التشريعات القانونية للحصول على جميع التسهيلات الممنوحة للفلاحين بقانون الجمعيات الزراعية، واستثمار فرص التصدير للمنتج واستيراد جميع مستلزمات الإنتاج الحقلية والتقنيات والآلات والأجهزة للمعاملات بعد الحصاد والخبراء وتبادل الخبرات مع مؤسسات زراعة وإنتاج البن داخل البلاد وخارجها.
أفضل طرق زراعة وحصاد البن
يقول باعباد إن البن يتكاثر بطرق جنسية بالبذور وهي الطريقة المعروفة، ويتكاثر بطرق خضرية بالعقل، وبطريقة الترقيد الهوائي والمائي، وطريقة التمديد بالتربة باستخدام هرمون التجذير الطبيعي أو الصناعي، كما يتكاثر بالأنسجة.
وتنتشر زراعة البُن حيثما تتوفر الظروف البيئية والمناخية الملائمة في بطون الأودية، والمدرجات الجبلية والمنحدرات الدفيئة لاستقبال أشعة الشمس، والتي تقع على ارتفاعٍ يتراوح بين 1000 إلى 2400 متر فوق سطح البحر، وعند درجة حرارة تتراوح ما بين 15 - 25 درجة مئوية، ورطوبة نسبية متوسطة، تكفي لتلطيف حرارة الجو المحيطة ببيئة نمو أشجار البن والحد من تأثير الإشعاع الشمسي والرياح والبرد والصقيع.
أما عن الطرق السليمة لزراعة البن وجنيه وحصاده، فإن العمل يبدأ من انتخاب ثمار البُن من الأمهات الشابة في عمر يتراوح بين 4 إلى 6 سنوات من أنواع البن المرغوبة تجاريًا من حيث الإنتاج والجودة وصفاته الممتازة الأخرى.
بالإضافة إلى تجهيز الأرض المستديم للزراعة، وغرس الشتلات بموعدها في الحقل، وتظليل الغروس في الحقل، وتنظيم الري وقلب التربة وقلع الحشائش، وكذا التسميد الطبيعي بالكومبوست أو الدمان المخمر المتحلل أو شاي الدمان، بالمقادير والمواعيد المناسبة مع عمر الشجرة.
مع الاستمرار في فحص الأسمدة وتربية أشجار البُن ورعايتها في كافة مراحلها، ومكافحة الآفات دوريًا.
تقنيات حديثة في زراعة البن
وأشار الخبير الزراعي والباحث في ملف حماية البيئة، إلى اعتماد اليمن تقنية زراعية عام 2008، تعتمد على تجفيف ثمار البن بطريقة الظل واستخدام الشكل الهرمي لإكساب الثمار الطعم والنكهة العالية الجودة، وخفض حموضة البُن ومرارته.
وأثبت هذا الابتكار نتائج مذهلة جدا، ومن أحد وظائفه إصدار طاقة تساوي 13 ألف جاوس (وحدة قياس تتبع قانون جاوس الكهربائي) لتجفيف وتحنيط المواد الحية، وتحسين طعم وذوق ونكهة الأطعمة والأشربة الموضوعة في فراغ الشكل الهرمي، وتزيل حموضتها ومرارتها.
وهذه النتائج أكدتها أبحاث العلماء الروس والأوكرانيين، والعلماء المصريين في جمعية شمس النيل لعلوم الأهرام، والإعلام الصحي، وعلماء من مختلف أنحاء العالم.
فراشة ثمار البُن.. "أخطر حشرة"
وقدم باعباد بحثا عن استخدام تقنية ضمن برامج المكافحة المتكاملة لمكافحة فراشة ثمار البُن، والتي تعتبر أخطر حشرة على محصول البُن في اليمن والعالم، وذلك باستخدام أفرع شجرة الأثب في قلب شجرة البُن وفي أعلاها وأسفلها، إذا كانت الشجرة كبيرة، وذلك قبل وجود الحشرة في مرحلة نمو البراعم، وقبل مرحلة الإزهار، ويمكن تكرار ذلك خلال مرحلة النمو الثمري حسب الحاجة.
وهذه التقنية تمنع ذكور وإناث الفراشات من التزواج وبالتالي عدم وضع البيض وعدم إصابة الأشجار باليرقات، بالإضافة إلى استخدام تقنية تدخين حقول البُن في ليالي البيض من الشهر الهجري للأيام 13، 14, 15 لطرد الفراشات من الحقول.
وتقنية تخمير وتحليل الدمان البلدي وتحضير سماد الكومبوست من المخلفات النباتية الخضراء والجافة والمخلفات والحيوانية والمسالخ، والمخلفات المنزلية ومطاعم الأسواق وكراتين البيض، ومخلفات الخضار والفواكه والمنتجات النباتية التالفة.
ومن أبحاثنا أيضًا استخدام تقنية ري أشجار البن رية التزهير، بعد فترة تصويم أو تعطيش أشجار البُن لإعدادها للإزهار بالتعطيش المناسب والأوراق ما زالت حية على الفروع الثمرية، لأن وجود الماء وتوفره في خزانات تضمن رية التزهير وظهور الأزهار قبل سقوط الأوراق لأن وجود الأوراق مهم كونها المطبخ الغذائي الأول لجميع أجزاء النبات.
%70 من أهالي اليمن فلاحين
ويقول المهندس صالح السنيدي باعباد، الباحث والمختص في مجال زراعة البُن، إن الفلاحين يشكلون أكثر من 70% من سكان البلاد ويجب النظر إلى الفلاحين كطبقة اجتماعية فاعلة، كما يجب النظر إليهم بعيون النحل وليس بعيون الذبابة.
وتابع: فإذا شبع الفلاحون من حاصل عملهم الزراعي فإنهم يسهموا في تطوير التنمية الزراعية وتنمية المجتمع ماديًا وبشريًا بشكل فعال.
وأضاف "أما إذا استمروا خاضعين تحت وطأة الاحتكار لإنتاجهم فإنهم سيزدادون فقرًا ويتحولوا هم وأجيالهم من زراعة البن إلى زراعة القات، ويترتب على ذلك تدهور الأرض وتدهور المجتمع".
aXA6IDMuMTQ1LjkuMjAwIA== جزيرة ام اند امز