سبق أن انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأمم المتحدة، ووصفها بـ«نادٍ يسمح للناس بالالتقاء والتحدث وقضاء وقت ممتع».
تكرار جديد يقدم عليه المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي قدّم في إفادته أمام مجلس الأمن، أول من أمس، مقترحاً أممياً جديداً لحل الأزمة اليمنية، ربما حتى اليمنيون أنفسهم لا يحصون عدد المرات التي أقدم فيها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة على إطلاق هذه المبادرات والأفكار، تارة بمقترح وأخرى بهدنة وثالثة بخريطة طريق، وعلى كثرتها لم ينجح أي منها.
تعددت المسميات واختلفت الوسائل، وفي النهاية جميعها تسعى لاختراع العجلة، بينما تتغافل المنظمة الأممية عن الطريق الأسهل والأقرب والأقصر، وهو تطبيق القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن، والذي يتضمن مطالبات واضحة وصريحة لجماعة الحوثيين، أبرزها الكف عن اللجوء للعنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والكف عن تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال في صفوفهم، وكذلك الامتناع عن أيm استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.
وطوال 29 شهراً فشلت الأمم المتحدة عبر أمينها العام السابق، ولحقه أمينها العام الجديد البرتغالي أنطونيو غوتيريش، في القيام بخطوة عملية واحدة لحل الأزمة اليمنية، من خلال تطبيق أي من بنود القرار الأممي؛ بل إنها ساهمت في إطالة أمد الأزمة بتشجيع الانقلابيين على المضي في مشروعهم لاختطاف الدولة.
مَنْ يصدّق أن الأمم المتحدة ومَنْ يفترض أنها تطبق أقصى درجات المصداقية والموضوعية في تقاريرها؟، تصدر بيانات ضد التحالف دون الرجوع له وللحكومة الشرعية، للتحقق من المعلومات الواردة في بياناتها وتقاريرها!
تحت أنظار الأمم المتحدة، يمارس الانقلابيون سياسة العقاب الجماعي في مناطق سيطرتهم، وجنّدوا نحو 10 آلاف طفل يمني للقتال. والغريب أن المنظمات الدولية العاملة في اليمن، التابعة للأمم المتحدة، تتعامل بنعومة مع الحوثيين باعتبارهم غير مسؤولين عن الحصار الشامل والجرائم الإنسانية! وبمعزل عن القرار الدولي الواضح، بالإضافة إلى تغاضٍ تام عن الانتهاكات والممارسات التي تنتهجها ميليشيات الحوثيين والمخلوع علي عبد الله صالح، مما شجّعها وشرعن منهجها، وهو ما شكّل صدمة لدى الشرعية اليمنية، المعترف بها رسمياً من الأمم المتحدة، والجامعة العربية، والمنظمات الدولية، وكافة الدول؛ لكن يبدو أن دور الأمم المتحدة في اليمن أضحى عائقاً أكثر منه معاوناً للحل؛ مثلاً، قبل عامين سعت الأمم المتحدة لأكثر من هدنة إنسانية، أمّنت خلالها فرصة للميليشيات لالتقاط أنفاسها واستغلالها في إحداث اختراق ميداني، واستغلتها الميليشيات لتحييد طائرات التحالف العربي فترة من الوقت، ومع أن الهدن كانت مهمة للمدنيين، غير أن الميليشيات الحوثية أرادتها وسيلة لدعم مجهودها الحربي لوجستياً، وبالطبع انهارت الهدنة سريعاً، ومع هذا لم تقم المنظمة الأممية بدورها في إعلان ذلك رسمياً وتحميل المتسبب مسؤولية قانونية جراء ذلك.
يقول مارك مالوك براون، الذي شغل منصب نائب الأمين العام السابق كوفي أنان: «لا يكاد يمكنك التقاط حجر في الأمم المتحدة دون أن ترى تحته حاجة إلى الإصلاح»، والحقيقة أن الفوضى السائدة داخل منظومة الأمم المتحدة ستكون أسوأ باستمرار اعتماد المنظمة على معايير مغلوطة تضع الميليشيات في صف الدول، والسارقين في مكانة الداعمين، وتفضل الانقلابيين على من يملكون الشرعية الدولية.
مَنْ يصدّق أن الأمم المتحدة ومَنْ يفترض أنها تطبّق أقصى درجات المصداقية والموضوعية في تقاريرها، تصدر بيانات ضد التحالف دون الرجوع له وللحكومة الشرعية، للتحقق من المعلومات الواردة في بياناتها وتقاريرها! أما أنطونيو غوتيريش فيتولى منصبه الجديد في عالم تراجعت فيه الثقة إزاء الأمم المتحدة، وما تجسّده من قيم عالمية، وحتى الآن فإن أداءه يعتبر مخيباً للآمال، لا سيما أنه لا يتمتع بقدرات كبرى على التواصل، ولم يتخذ أي موقف قوي من النزاعات الكبيرة في المنطقة في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو جنوب السودان، ومن الواضح أنه لم يقدم نفسه أميناً عاماً قوياً، سواء على صعيد القيادة الخارجية أو الإصلاحات الداخلية.
سبق أن انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأمم المتحدة، ووصفها بـ«نادٍ يسمح للناس بالالتقاء والتحدث وقضاء وقت ممتع»، ومن الواضح أنه لم يبتعد كثيراً في وصفه، فأسهمها تتراجع، ومصداقيتها تتلاشى، وموضوعيتها على المحك، وبدلاً من وظيفتها الأساسية أن تكون جزءاً من الحل، أضحت جزءاً من المشكلة وتعقيداتها. في اليمن تحديداً لم تعد الأمم المتحدة، إنها الأمم «المنفردة».
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة