اعتقلهم الحوثيون.. موظفون يمنيون تخلت عنهم واشنطن
منذ عام ونصف العام تقريبا، ضرب الحوثيون بالقوانين الدولية عرض الحائط واعتقلوا موظفين محليين بالسفارة الأمريكية في صنعاء.
ففي أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، وبعد الاعتقالات الحوثية للموظفين المحليين، لا يزال هناك 11 منهم في السجن حتى اليوم.
آنذاك، زعمت قيادة الحوثيين أن الموظفين المعتقلين كانوا جواسيس يدعمون "العدوان الأمريكي" على اليمن.
في المقابل، يقول موظفون سابقون آخرون بالسفارة إن ما حدث لزملائهم جزء واحد من الملحمة الصعبة والمثبطة في كثير من الأحيان للعمل لصالح الولايات المتحدة من صنعاء منذ سيطرة مليشيات الحوثي المناهضة لواشنطن على العاصمة اليمنية عام 2014.
وتحدثت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مع ستة من الموظفين السابقين بالسفارة وفرد من أفراد عائلة أحد العملاء المحتجزين لدى الحوثيين حاليا.
وقال الموظفون السابقون إنهم عملوا لصالح السفارة لما لا يقل عن عشرة أعوام، وبعضهم غادر اليمن بعد ذلك. وطلب كل من تحدثت معهم المجلة عدم كشف هويتهم خوفا من الانتقام منهم أو أفراد عائلاتهم.
وكان الموظفون المحتجزون لدى الحوثي على اتصال محدود جدا بعائلاتهم. وتوفي أحدهم، وهو عبدالحميد العجمي، الربيع الماضي أثناء وجوده بسجن الحوثي.
وقال زملاء العجمي السابقون لـ"فورين بوليسي"، إن وفاته جاءت نتيجة عدم إمكانية وصوله إلى الرعاية الطبية الكافية. وكما الحال مع بعض الموظفين المعتقلين الآخرين، لم يكن العجمي يعمل لصالح الولايات المتحدة وقت اعتقاله؛ إذ تقاعد عام 2017.
ورغم التصريحات الصحفية التي تصدرها الولايات المتحدة بين الوقت والآخر التي تحث فيها الحوثيين على إطلاق سراح زملائهم، يقلق موظفو السفارة السابقين من أن الولايات المتحدة لا تبذل سوى القليل من الجهود، بعد فوات الأوان.
وقال عامل سابق في السفارة يعيش الآن خارج اليمن: "بالنسبة لي، من المحزن رؤية هذه البيانات الصحفية تقول نفس الأمور مرارا وتكرارا".
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الحوثيين، الذين بدأوا سيطرتهم على شمالي اليمن عام 2011 ووصولهم صنعاء في النهاية عام 2014، متحالفين مع إيران ومناهضين بشدة للولايات المتحدة.
وتسبب الانقلاب الحوثي في مقتل عشرات المدنيين، ودمرت البنية التحتية للبلد واقتصادها، ومهدت الطريق أمام حدوث مجاعة وأزمة صحية.
وقال دبلوماسي أمريكي كبير لـ"فورين بوليسي" إنه من بين الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة في اليمن إنهاء الصراع وإطلاق سراح موظفي السفارة المعتقلين، مضيفا: "أنهم جزء من عائلتنا. نعتزم إعادتهم إلى أحبائهم.. أوضحنا مرارا وتكرارا استعدادنا للتواصل. للأسف، لم يظهر الحوثيون أي انفتاح على ذلك".
ومع ذلك، أعرب جميع موظفي السفارة السابقين للمجلة الأمريكية عن استيائهم من الطريقة التي عاملتهم بها الولايات المتحدة وزملائهم خلال الوضع المتقلب بعد سنوات من الخدمة.
وفي عام 2015، نقلت السفارة الأمريكية من صنعاء إلى السعودية بسبب مخاوف أمنية. وكان هناك شعور بالسخط من الموظفين الذين ظلوا في اليمن حيال صعوبة الحصول على تأشيرة أمريكية، وتأخر مدفوعات نهاية الخدمة، وحتى التحذيرات من صاحب العمل الأمريكي من أنهم إذا غادروا اليمن، سيخسرون وظائفهم.
وقال موظف سابق آخر بالسفارة في صنعاء: "كما تعلمون، كنا نعمل بالسفارة لفترة طويلة. اعتقدنا أننا سنحصل على مزايا أفضل".
ويأمل الموظف في الحصول على تأشيرة من الولايات المتحدة أو، حال الفشل في ذلك، وظيفة خارج اليمن بعد العمل لصالح الحكومة الأمريكية.
وأضاف: "أردت الذهاب إلى مكان ما حيث يمكننا الحصول على حياة أفضل. فرصة أفضل لأطفالنا فيما يتعلق بالدراسة، حيث يمكننا الخروج بدلا من الاحتجاز".
وحتى قبل سيطرة الحوثيين، كان العمل لصالح الأمريكيين محفوفا بالمخاطر. ففي عام 2008، شن تنظيم القاعدة، الذي كان لديه قاعدة في اليمن، هجومين دمويين على السفارة الأمريكية في صنعاء. وقال موظف سابق يعيش حاليا خارج اليمن: "جميع القتلى كانوا يمنيين. لازلنا نعمل هناك. ألا يعني ذلك شيئا؟"
وبالرغم من أن السفير الأمريكي الحالي لدى اليمن والدبلوماسيين الأمريكيين الآخرين يؤدون مهام عملهم من السعودية، واصل عدة مئات اليمنيين العمل بالسفارة من صنعاء، حتى بعد نقل السفارة.
وتم تقليص هذا العدد بشكل كبير على مدار السنوات، بالرغم من عدم تعليق وزارة الخارجية الأمريكية على العدد الدقيق.
وسجن الحوثيون أمريكيين خلال الشهور الأولى من سيطرتهم فضلًا عن اليمنيين الذين يعتبرون منتقدين لنظامهم. وفي عام 2017، احتجز الموظف السابق هشام العميسي، الذي انتقد الحوثيين عبر الشبكات الاجتماعية، في أحد سجون الحوثي لمدة خمسة أشهر.
وقرابة نفس الوقت، اعتقل موظف بالسفارة يدعى أسامة العنسي واحتجزه الحوثيون لبضعة أشهر، بالرغم من اعتقاله لم يحظ بنفس القدرة من الانتشار، وكان سببه أقل وضوحا.
ثم في مطلع مايو/أيار عام 2018، احتجز الحوثيون موظفا آخر، وهو رامي الحاج، وأطلق سراحه بعدها بعدة أشهر في عملية تبادل للسجناء يسرتها عمان، بحسب موظف سابق، لكن دون أن تؤكد وزارة الخارجية هذا التبادل. وعلاوة على ذلك، وجهت إلى الحوثيين اتهامات بالتعذيب.
وكانت الولايات المتحدة مدركة تماما للمخاطر التي كانت تطلب من موظفي السفارة الإقدام عليها. وفي عام 2018، حذر بريد إلكتروني رسمي للسفارة حصلت عليه "فورين بوليسي" من "مكتب الأمن الإقليمي" وأرسل إلى الموظفين المحليين وموجه إلى "جميع القائمين بالأعمال في صنعاء" من تقارير تفيد بأن الحوثيين "أمروا بإغلاق أي منظمة للمساعدات مرتبطة بالولايات المتحدة واستجواب أي شخص يعمل/عمل مع مؤسسات الإغاثة الأمريكية، عامة أو خاصة".
وقال الموظفون الذين تحدثت معهم "فورين بوليسي"، الذين واصلوا العمل لصالح الولايات المتحدة من صنعاء، إنهم فعلوا ذلك لأنهم احتاجوا للعمل، وكان هناك احتمال ضئيل للحصول على عمل بمكان آخر، وأنهم أملوا في أنه إذا واصلوا طأطأة رؤوسهم، لن يواجهوا أية عواقب من السلطات في صنعاء.
وساعدت وزارة الخارجية بالفعل عددا صغيرا نسبيا من اليمنيين الذين لازالوا يعملون بالسفارة من صنعاء في الانتقال إلى مصر بعد الاعتقالات التي قام بها الحوثيون في 2021، بحسب موظفين سابقين بالسفارة، لكن لم يتلق جميع الموظفين المحليين السابقين والحاليين هذه المساعدة.
وقال موظف خلال مكالمة هاتفية: "نخبر مشرفينا بأن الحوثيين يصعدون".
aXA6IDMuMTQ0LjIuNSA= جزيرة ام اند امز