محمد يونس.. «مصرفي الفقراء» في اختبار دهاليز الحكم

رؤيته للعالم هي أن الفقر ليس قدرا محتوما، بل مشكلة يمكن حلها بالابتكار والشجاعة والالتزام بتحقيق العدالة الاجتماعية.

إنه محمد يونس، الذي أدى اليمين الدستورية، اليوم الخميس، رئيسا للحكومة المؤقتة في بنغلاديش، في أعقاب استقالة الشيخة حسينة من منصبها ومغادرتها البلاد، على وقع احتجاجات طلابية دامت أكثر من شهر.

وعاد الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس إلى بلاده بنغلاديش، الخميس، ليقود الحكومة المؤقتة الجديدة، بعد رحلة علاج في باريس. 

وقال الخبير الاقتصادي في المطار، حيث استقبله كبار ضباط‭‭ ‬‬الجيش وزعماء الحراك الطلابي "أشعر بالرضا لعودتي إلى الوطن".

ويهدف يونس والمعروف باسم "مصرفي الفقراء" إلى تحقيق الاستقرار في بنغلاديش بعد أن استجاب لدعوة الطلاب المحتجين، لقيادة البلاد المضطربة بعد أسابيع من المظاهرات الدامية المناهضة للحكومة.

يونس هو رجل أعمال ومصرفي حاز على جائزة نوبل للسلام عام 2006 عن عمله الرائد في مجال التمويل الأصغر الذي ساعد في التخفيف من حدة الفقر في بنغلاديش.

وكانت مجموعة "طلاب ضد التمييز" طالبت بتولي يونس رئاسة الحكومة، وقالت في بيان بعد قرار توليه المنصب "نحن سعداء للغاية أن نقول إن الدكتور يونس وافق على قبول هذا التحدي لإنقاذ بنغلاديش بناءً على طلب طلابنا".

من هو محمد يونس؟

وُلد يونس في عام 1940 في شيتاغونغ، مدينة ساحلية في جنوب شرق بنغلاديش، وفقا لملفه الشخصي على موقع جائزة نوبل.

يونس درس في جامعة دكا، قبل أن يحصل على منحة "فولبرايت" المرموقة للالتحاق بجامعة فاندربيلت في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

في عام 1972، بعد عام من حصول بنغلاديش على استقلالها عن باكستان، عاد للتدريس في جامعة شيتاغونغ. لكن سرعان ما وقعت الكارثة، إذ اجتاحت البلاد مجاعة شديدة في عام 1974، قضت على ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص.

وفي محاضرة الحصول على جائزة نوبل عام 2006، قال يونس عن فترة المجاعة "لقد وجدت صعوبة في تدريس النظريات الأنيقة للاقتصاد في الفصول الدراسية الجامعية، في ظل المجاعة الرهيبة في بنغلاديش، وفجأة شعرت بفراغ تلك النظريات في مواجهة الجوع والفقر المدقع".

وأضاف "أردت أن أفعل شيئا فوريا لمساعدة الناس من حولي، حتى لو كان إنسانا واحدا فقط، لتخطي يوم آخر بيسر وسهولة".

وبدأت قصة يونس مع مكافحة الفقر، بتقديم قروض صغيرة من جيبه إلى أفقر سكان مجتمعه المحلي، وفي نهاية المطاف أسس "بنك غرامين" في عام 1983، والذي أصبح رائدا عالميا في التخفيف من حدة الفقر من خلال الإقراض الصغير.

وسرعان ما نما البنك بسرعة، وأصبحت له فروع مختلفة ونماذج مماثلة تعمل في الوقت الحالي في جميع أنحاء العالم، وفق شبكة "سي إن إن" الإخبارية. 

وحصل يونس وبنك غرامين على جائزة نوبل للسلام في عام 2006، بعد أن أقرض ما مجموعه نحو 6 مليارات دولار في صورة قروض الإسكان والطلاب والمشاريع الصغيرة، تحديداً لدعم المرأة البنغلاديشية.

وهو أيضاً مؤسس مركز يونس، وهو مركز أبحاث مقره دكا يساعد على تطوير أعمال اجتماعية جديدة.

تشكيك ورد

لكن شكك بعض النقاد في يونس وبنك غرامين، بحجة أن أسعار الفائدة المرتفعة لبعض المقرضين الصغار قد أفقرت المقترضين، حيث حقق المقرضون أرباحاً كبيرة من القروض الصغيرة.

ورد يونس على هذه الادعاءات، وقال لشبكة "سي إن إن" في وقت سابق من هذا العام إن "بنك غرامين لا يهدف إلى كسب المال، بل إلى مساعدة الفقراء وتمكين الشركات الصغيرة".

وفي عام 2011، أقال البنك المركزي في بنغلاديش الذي تسيطر عليه الحكومة، يونس من منصب العضو المنتدب لبنك غرامين، قائلاً إنه تجاوز سن التقاعد الإلزامي.

في السنوات التالية، تورط يونس في قضايا قانونية متعددة، قال مؤيدوه إنها كانت نتيجة استهدافه بشكل غير عادل من قبل السلطات.

وتشمل هذه القضايا دعوى تشهير، وقضية تتعلق بسلامة الأغذية، ومزاعم بمخالفات ضريبية، وهو ما نفاه.

في يناير/كانون الثاني الماضي، حكمت محكمة في بنغلاديش على يونس بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة انتهاك قانون العمل، مع إنكار المصرفي مرة أخرى ارتكاب أي مخالفات، قبل أن تلغي محكمة الاستئناف هذا الحكم، أمس.

أحلام للمستقبل

ورغم هذه المسيرة الطويلة فلا يزال يونس يحلم بالمستقبل، إذ قال في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، الإثنين الماضي، إنه يريد أن يرى الجيش يسلم زمام الأمور في البلاد إلى حكومة مدنية.

وأضاف موجها رسالته إلى الحركة الاحتجاجية في بنغلاديش: "لقد قمتم بعمل عظيم".

ولكن، يقول الخبراء إن يونس يواجه طريقا طويلا ومعقدا في المستقبل مع قيام الحكومة بإصلاح نفسها.

وقال مبشر حسن، الذي يدرس الاستبداد الآسيوي في جامعة أوسلو، إن التحدي الأول الذي سيواجهه هو إعادة إرساء القانون والنظام بعد الاحتجاجات الدامية التي شهدتها الأسابيع الماضية، و"معالجة نقص الثقة الموجود بالمجتمع" بين الشعب والدولة.