يوسف العاني.. عميد المسرح يكتب تاريخ الفن العراقي.. ويرحل بالمنفى
يوسف العاني أيقونة الفن العراقي يرحل بعد تاريخ طويل سطر به تاريخ الفن العراقي.. ماذا تعرف عنه؟ وما أبرز أعماله؟
فنان الشعب، أيقونة الفن العراقي، عميد المسرح العراقي.. مجرد عينة من الألقاب التي ارتبطت باسم الممثل والمؤلف والمخرج العراقي يوسف العاني، الذي رحل عن عالمنا، مساء الإثنين، في إحدى مستشفيات الأردن.
رحل العاني عن عمر الـ89، بعيداً عن وطنه العراق، الذي غادره منذ الغزو الأمريكي، تاركاً وراءه تاريخاً يكاد يكون مرادفاً لتاريخ الفن العراقي الحديث.
ولعل كلمات الفنان العربي محمود ياسين عن "العاني" خلال حفل تكريمه بالقاهرة، تعبر بشكل صادق عن مكانة هذا الفنان العراقي؛ إذ يقول: "تكريم يوسف العاني يعد تكريماً للفن العربي خاصة المسرح، فهو رمز عربي كبير لا بد من الاحتفال به ونقف جميعا نحن الفنانين، صغاراً أمام هذا العملاق الذي أضاف للفن العربي الكثير".
ولد يوسف العاني في بغداد 1 يوليو 1927، وقف على خشبة المسرح في 22 فبراير عام 1944 عندما كان طالباً في الإعدادية المركزية ببغداد، ثم تخرج في كلية الحقوق 1949، لكنه بدأ المسرح قبل ساحات المحاكم، فحين ودع كلية الحقوق عاد من جديد طالباً في معهد الفنون الجميلة – فرع التمثيل – فالمعهد للهواة، والدوام فيه مساءً والمحاماة تظل عمله في الصباح، ومع ذلك الزمن كانت كل هواجسه تشكك في بقاء الارتباط الوثيق بعالم المحاماة وكان الأول في كل الدورات، وفصل في السنة الأخيرة لمواقفه الوطنية.
ساهم في تأسيس فرقة المسرح الفني الحديث عام 1952، بين عامي 57 - 1958 قضى عاماً بزمالة فنية في مسارح الاتحاد السوفيتي وجيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية، وعدة أشهر في مسارح فينا.
في عام 1944 قدم أول عمل مسرحي عندما كان يدرس في كلية الحقوق بجامعة بغداد مع مجموعة من الطلاب وأسس معهم جمعية عرفت باسم "جبر الخواطر"، التي اهتمت بنقد الواقع خارج الكلية.
ولم تشبع وظيفته كمدرس معيد في كلية التجارة والاقتصاد ومشرف على النشاط الفني في الكلية، رغبته وعشقه للمسرح، فأسس فرقة الفن الحديث مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين الشباب عام 1952.
إلا أن أوائل أعماله للمسرح كانت مسرحية "طبيب يداوي الناس" عام 1948، وكتب أكثر من 50 مسرحية طويلة، ابرزها "رأس الشليلة" و"المصيدة" و"الشريعة" و"الخرابة" و"أهلا بالحياة" و"صور جديدة".
لعب العاني أدواراً خالدة في أعمال مسرحية عريقة أبرزها في مسرحية "النخلة والجيران" للروائي غائب طعمة فرمان في العام 1968، و"ولاية وبعير" في 1971، و"البيك والسائق" في 1974، والأخيرة عرضت في مصر ولاقت نجاحاً كبيراً.
ومثل أيضا في مسرحيات "بغداد بين الجد والهزل" عام 1975، و"مجالس التراث" عام 1980، و"الليلية البغدادية" مع الملا عبود الكرخي في 1983، و"الإنسان الطيب" في 1985.
وشخّص عدداً كبيراً ومتنوعاً من النماذج الواقعية وكان دائم العطاء في كل مسرحية كتبها وكل شخصية جسدها، ما جعله علامة بارزة في تاريخ المسرح العراقي.
بدأ العاني كتاباته للمسرح بقضايا اجتماعية تمس معظم شرائح المجتمع عبر عنها بحوار حمل طابعاً شعبياً اقترب به من الناس كثيراً، ولامس اهتماماتهم الحياتية وواقعهم الصعب.
ودأب في كتاباته على التعرض للروتين الحكومي وما يتعرض له المواطن الكادح من مشاق جراء ذلك والتصدي للتفاوت الطبقي.
لذلك عرف عنه اختياره لشخصيات مسحوقة لتكون بطلة مسرحياته، شخصيات لا حول لها ولا قوة سوى الكسب اليومي البسيط، ومن تلك الأعمال "دعبول البلام" و"الشريعة" و"ست دراهم" و"الخادم".
أما السينما العراقية فحفلت بمحطات متألقة مع الفنان العاني عبر أفلام عراقية خالصة شكلت انطلاقة الصناعة السينمائية في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي قبل أن تندثر بفعل الحصار الاقتصادي مطلع التسعينيات.
ومن الأفلام التي شارك فيها العاني بطلاً ومحوراً رئيسياً فيها "سعيد أفندي" عام 1957 و"المنعطف" عن رواية "خمسة أصوات" للراحل غائب طعمة فرمان من إخراج الفنان الراحل جعفر علي و"المسألة الكبرى" لمحمد شكري جميل، ويعد الفيلم الأخير من أبرز الأفلام الوطنية العراقية، وتناول ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال الإنجليزي.
وبدأ العاني رحلة فنية طويلة أيضاً مع التلفزيون، وكتب لتلفزيون العراق منذ العام 1959، وكانت أول أعماله التلفزيونية البرنامج التمثيلي "شعبنا" و"واحد.اثنان.ثلاثة" و "ناس من طرفنا" و "سطور على ورقة بيضاء".
وتعد "رائحة القهوة" من أبرز الأعمال التلفزيونية التي كتبها العاني للتلفزيون للمخرج عماد عبد الهادي والتي فازت بجائزة مهرجان الكويت للتمثيلية التلفزيونية، كما مارس كتابة النقد الفني في صحف عديدة.
فاز بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثامنة عام 2014، تقديراً واعترافاً بدوره الكبير في إثراء حركة المسرح العربي خلال مسيرة امتدت لما يزيد على 60 عاماً.
وقال أحمد أبو رحيمة، مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، مدير أيام الشارقة المسرحية آنذاك: "إن عطاء الفنان يوسف العاني المتصل في المسرح لم يقتصر على العراق، بل بلغ الحواضر العربية في معظمها وتميز بالأصالة والرصانة والجدية".
وأضاف أن رائد المسرح العراقي كان له دوره المهم في ترسيخ ثقافة المسرح في المجتمع العربي، وشجع وحفز العديد من الفنانين والموهوبين على الانخراط والمثابرة في المسرح رغم الصعوبات ومشكلات السياسة في بعض المجتمعات العربية.
شارك العاني في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، ونال شهادة تقدير من نقابة الفنانين السوريين عام 1979، وتقديراً خاصاً من دائرة الإذاعة والتلفزيون في العراق بمناسبة مرور 20 عاماً على تأسيس التلفزيون العراقي عام 1976.
اختير عضواً في لجان التحكيم في مهرجان قرطاج المسرحي بتونس 1985، وتم تكريمه في أيام قرطاج المسرحي كرائد مسرحي عربي ومنحه بطاقة شرفية من اتحاد الممثلين المحترفين في تونس عام 1987.
كما كان عضواً بلجان التحكيم في مهرجان الشباب السينمائي دمشق 1972، ومهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة 1989، ومهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون 2001.
وكان رئيساً لهيئة تحكيم الدراما في المهرجان العالمي للتفلزيون بالعراق 1988، وقبل ذلك رئيساً لهيئة تحكيم مهرجان التمثيلية التلفزيونية الأول - تونس 1981.
aXA6IDMuMTQxLjEyLjMwIA== جزيرة ام اند امز