زمزم.. "شراب الأبرار" يروي ظمأ ضيوف الرحمن
سعادة غامرة، يشعر بها ضيوف الرحمن بعد أن يهنّأوا بأول شربة من ماء زمزم، أطهر وأنقى ماء، الذي طالما تمنوا تذوقه ليروي ظمأهم ويشفي سقمهم.
ويحرص الحجاج، على شرب ماء زمزم، الذي يعد خير ماء على وجه الأرض، أثناء أدائهم لمناسكهم، وهم آمنون مطمئنون، وذلك بعد أن سخرت الحكومة السعودية أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم عبوات ماء زمزم معقمة وفق الضوابط والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها لمواجهة جائحة فيروس كورونا..
روبوتات ذكية
وكشف الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، أنه تم تسخير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم عبوات ماء زمزم المبارك على حجاج بيت الله الحرام خلال موسم حج هذا العام.
وأوضح أنه سيتم تقديم عبوات ماء زمزم من خلال الروبوتات الذكية، والعربات عالية التقنية، لتقديم المياه مبردة معقمة وفق الضوابط والإجراءات الاحترازية.
وعبر تقنية الروبوت الذكي يتم توزيع عبوات ماء زمزم بدون تدخل بشري، حرصاً من إدارة سقيا زمزم على توزيع عبوات ماء زمزم وتطبيق الإجراءات الاحترازية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة بيت الله الحرام.
ويقوم الروبوت بتوزيع 30 عبوة في الجولة الواحدة والتي تستغرق (10) دقائق، ويعمل لمدة 8 ساعات، ويتميز بالوقوف لمدة (20) ثانية لأخذ عبوة ماء زمزم، ولا يصطدم بالأشخاص ولا يعيق الحركة، وحاصل على عدة شهادات منها براءة الاختراع، والشهادة الأوروبية cs.
ارتباط روحاني
وترتبط مشاعر الحجاج والمعتمرين بروحانية نشأة بئر زمزم الإعجازية، والتي ترتبط بمناسك الحج (السعي بين الصفا والمروة).
ومن أبرز حكم السعي أن نتذكر به علو إيمان هاجر عليها السلام، فيسمو إيماننا بالله، وذلك عندما تركها زوجُها أبو الأنبياء إبراهيم مع ابنها إسماعيل، عليهما السلام، في صحراء مكة حيث لا زرع ولا ماء، ومضى نفاذاً لأمر إلهي تلقاه، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا.
وبعد ما نفد ما معها من ماء، عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت دون أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت جبل المروة، فقامت عليه، ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات.
ولما بلغ منها التعب منتهاه بعث الله جبريل عليه السلام، فضرب الأرض بجناحيه، فظهر الماء بجوار إسماعيل، لتهرول هاجر نحوه حامدةً وشاكرةً الله، وهي تغرف وتسقي ولدها كي تنقذه، قائلة: "زمّ الماء، زمّ الماء"، أي جرى الماء، ومن هنا كانت تسمية هذه العين بـ"زمزم".
وقد أَمرنا الله سبحانه وتعالى عند أداء نسك الحج أو العمرة بالسعي بين الصفا والمروة 7 أشواط بادئين بالصفا، في تجسيد لسعي السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بين جبلي الصفا والمروة بحثا عن الماء وهي خائفة على ولدها الرضيع إسماعيل عليه السلام.
نقلة نوعية
ويعد مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، نقلة نوعية وتغييراً جذرياً، سهل حصول الحجاج والمعتمرين على ماء زمزم وأزال الضغط والازدحام عن منطقة المسجد الحرام وأسهم في المحافظة على الصحة العامة بتأمين شروط التنقية والتعبئة والتوزيع الآمن لماء زمزم.
وأنشئ المشروع الذي نفذ بتكلفة تجاوزت 700 مليون ريال لتقديم خدمة قرنها الله في كتابه العزيز بعمارة المسجد الحرام، بهدف ضمان نقاوة مياه زمزم وتأمين وصولها لطالبيها بأيسر السُّبُل والتكاليف، بسحبها من البئر في المسجد الحرام وتنقيتها، ثم تعبئتها وتوزيعها آلياً بأحدث التقنيات العالمية؛ حماية للماء المبارك من التلوث بعد خروجه من البئر، وضمان سلامته لدى شربه، إضافةً إلى سهولة حصول المقيمين والزائرين والحجاج والمعتمرين عليه.
ويُتبع في عمليتي التنقية والتعقيم لماء زمزم أسلوب فني يبدأ بضخ الماء مباشرة من البئر إلى المشروع لتنقيته وتعقيمه في محطة التنقية والتعقيم عبر فلاتر؛ للمحافظة على خصائص هذا الماء المبارك باستخدام تقنيات ذات جودة عالية، ثم يمرر عبر الأشعة فوق البنفسجية للتخلص من البكتيريا التي من الممكن، أن يتعرض لها ماء زمزم خلال مراحل الإنتاج، ثم تنقل إلى خزاني كُدَيّ وسبيل الملك عبدالعزيز، فيزود المسجد الحرام بماء زمزم من خزان كُدَيّ، وتعبأ صهاريج زمزم المخصصة للمسجد النبوي من سبيل الملك عبدالعزيز، مع متابعة عمليات السحب والضخ، ومراقبة شبكات الأنابيب والخزانات بوساطة الألياف البصرية، عن طريق برنامج متطور يعرف بنظام (إسكادا) يساعد في متابعة مستويات الضخ والتخزين، ويضمن توفّر ماء زمزم بشكل مستمر في جميع المواقع المذكورة.
وأولت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اهتمامًا كبيرًا ببئر زمزم، ووفرت التقنية والعناية الخاصة لضمان توفير ماء زمزم المبارك لضيوف الرحمن.
خير ماء على وجه الأرض
وماء زمزم له فضل عظيم، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إنه مبارك وإنه طعام طعم) ، فهي بئر مباركة وماؤها مبارك، كما أن ماء زمزم يعد من أسباب الشفاء من الأمراض والأسقام ففي الحديث (ماء زمزم لما شُرب له)، والدعاء يستجاب عند شربه كأن يقال (اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء).
وأثبتت الدراسات والأبحاث في مجال المياه أن ماء زمزم قلوي وغني بالمعادن المفيدة للجسم ويمده بقدر كبير من الطاقة، ويعادل الأس الهيدروجيني للجسم ويزيل الفضلات الحمضية منه، كما أنه مضاد قوي للأكسدة، ومزيل قوي للسموم، ويساعد على امتصاص العناصر الغذائية بكفاءة أفضل إلى داخل الجسم، ويساعد الجسم في تمثيل المعادن المؤينة بسهولة أكبر، بالإضافة إلى أنه يساعد على تنظيم الهضم وتحسينه بصفة عامة بإعادة التوازن للجسم، ويقلل من تأكسد الأعضاء الحيوية، وله معامل أكسدة واختزال سالب لذلك يعد وسطاً معادياً للبكتيريا.
والفرق بين ماء زمزم وماء الشرب الذي يضخ في المنازل هو نسبة أملاح الكالسيوم والماغنيسيوم، التي نسبتها أعلى في ماء زمزم، وهذا هو السبب في أنها تنعش الحجاج المتعبين، والأكثر أهمية من ذلك هو أن ماء زمزم يحتوي على فلوريدات مضادة للجراثيم بشكل عالي الفعالية.
ولماء زمزم، الذي يفيض منذ آلاف السنين دون أن تجف بئره أو تنقص، أكثر من 60 اسما، أشهرها زمزم، وسقيا الحاج، وشراب الأبرار، وطيبة، وبرة، وبركة، وعافية.