زيدان.. عنصرية الصغر تصنع التاريخ في الكبر
الفرنسي زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد الذي يحتفل بعيد ميلاده الـ48 ضرب مثالا في تحويل العنصرية إلى أداة لكتابة التاريخ.
في مدينة مارسيليا الساحلية بجنوب فرنسا، حيث الظروف البيئية الوعرة، والبيئة المليئة بالجرائم وعمليات الانتحار والبطالة، تأتي مجموعة من المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا، لديهم طفل ولد في 23 يونيو/حزيران 1972، أسموه زين الدين زيدان، وهو المدرب الحالي لفريق ريال مدريد الإسباني.
الوالد هو إسماعيل زيدان، كان يعمل في مخزن للساعات، تعود أصوله لمدينة القبائل في شمال الجزائر، بينما الأم أيضاً كانت تعمل، العائلة مكونة من 5 أبناء وأب وأم.
لم تكن تلك الظروف الصعبة فقط هي المحفز الذي جعل زيدان يتحول إلى أسطورة كروية عالمية على صعيدي التدريب واللعب، ولكن التصرفات العنصرية التي تعرض لها هو وأقرانه من المهاجرين في فرنسا كانت حافزا إضافيا.
ضرب العنصرية بكتابة التاريخ
نجح زيدان على مدار مسيرته في كتابة اسمه بحروف من ذهب كأول شخص يقوم بإنجاز ما في العديد من المناسبات، البداية كانت بنجاحه في أن يكون أول لاعب من أصول عربية ينضم لفريق في فرنسا، بتوقيعه لنادي سانت هنري في عام 1981.
في البداية كان "زيزو" يصم آذانه عن الهتافات العنصرية التي يتلقاها من الزملاء داخل الفريق، ثم ترك فريق سانت هنري لينضم في 1983 إلى سيبتميز لي فالونز، الذي بقي معه حتى انضم لفريق كان في 1986، وبقي في شباب كان حتى انضم للفريق الأول في 1989 ليبقى هناك 6 سنوات مهدت له طريق المجد.
بداية المعركة
في كان، أبى الشاب الطموح أن يواصل الانبطاح أمام الهتافات العنصرية، وبالفعل دخل في مشادات واشتباكات مع زملائه في الفريق.
ولقد أدت تلك التصرفات من إلى معاقبة زيدان، حيث بقي لأوقات طويلة في مرحلة الشباب وخلال أولى خطواته مع الفريق الأول يقوم بأعمال تنظيف، كعقاب له على ضرب زملائه الذين استفزوه.
لو عدنا للحياة الصعبة لـ"زيزو" في فترة الصبى، سنجد أنه رغم تواضع الظروف التي نشأ فيها، إلا أن عائلته كانت تحظى باحترام كبير بين جيرانها الذين كانوا يعانون من مشاكل عدة على الصعيد الأخلاقي، ولقد ظهر هذا في أخلاق ابنهم.
اتق شر الحليم
اللاعب الفرنسي المعروف عنه أنه من أهدأ الشخصيات على أرض الملعب، فإنه يتحول في أحيان أخرى إلى شعلة بركانية لا يمكن إطفاؤها أو التفكير في الوقوف أمامها.
مشهد "زيزو" وهو يتعدى على ماركو ماتيرازي، لاعب إيطاليا، في لقاء المنتخبين بنهائي كأس العالم 2006، من أشهر المشاهد الكروية في التاريخ.
وقتها قرر زيدان الرد على إهانة لاعب إنتر ميلان لعائلة الفرنسي بشكل عنيف وصارم، أدى لخروجه مطروداً من أرض الملعب، في آخر لقاء رسمي يخوضه في مسيرته.
زيزو يصنع التاريخ
في الوقت الذي جاءت فيه نداءات من البرلمان الفرنسي برفض أن يكون اللاعب الأهم في المنتخب من أصول غير فرنسية، نجح زيدان في يوليو/تموز من عام 1998 أن يقود فرنسا لمنصة التتويج بكأس العالم لأول مرة في تاريخها.
فرنسا ألحقت أكبر خسارة بمنتخب البرازيل حامل اللقب في مباراة نهائية بكأس العالم، بعد أن تأهلت للنهائي لأول مرة في تاريخها.
بعد عامين نجحت فرنسا في أفضل بطولة خاضها "زيزو" على الصعيد الفني في إحراز كأس أمم أوروبا، لتكون أول بطل عالم أوروبي يتوج بـ"اليورو".
وهنا بدأ التحول الشهير، في نهائي كأس العالم 1998 كانت الأعلام الجزائرية حاضرة على أرض الملعب، والحديث وقتها كان عن التعددية الثقافية والانفتاح الفرنسي على الحضارات المختلفة.
التحول السياسي لصالح زيدان
تألق زيدان غير العديد من المفاهيم في المجتمع الفرنسي، ولعل هذا ما ظهر في تصريحات وكتابات العديد من أصحاب الرأي في ذلك الحين.
وتحدث ليونيل جوسبين، رئيس الوزراء الفرنسي السابقن بقوله: "هل يوجد مثال أفضل من ذلك على الوحدة والتعددية العرقية من هذا الفريق الرائع؟".
وفي كتابه "التراجيديا الاجتماعية"، وضع الكاتب ستيفان أليس بيكر فصلاً كاملاً عن دور "زيزو" القوي في تغيير طموحات الأقليات العرقية في فرنسا.
وقال الكاتب: "قيادة زيدان للجيل الذهبي لفرنسا دعم قيم الحرية والإخاء عبر إنسان عصامي جاء من أقلية عرقية ومن الطبقة العاملة، ونجح في أن يصل للقمة في كرة القدم، إنه تأثير زيدان.".
وأكمل الكاتب: "إن زيدان بات المثل الأعلى للأقليات العرقية التي تعاني من التمييز، وباتت كلها تستهدف أن تحذو حذوه".