الدواء "عملة نادرة" في لبنان.. والمغتربون يعالجون الألم
القول إن الدواء في لبنان بات كالعملة النادرة ليس مبالغة، في بلد يعاني من أزمات اجتماعية، واقتصادية وصحية، وفي عصر مواجهة كورونا.
الأسباب متعددة، منها ارتفاع سعر صرف الدولار، وتراجع الاستيراد، والخوف من رفع الدعم عن الأدوية، ما أدى إلى تخزين التجار والمواطنين أنفسهم للدواء خوفا من رفع سعره، بينما النتيجة واحدة هي فقدانه من الصيدليات في مختلف المناطق.
هذه الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم منذ أشهر، باتت شغل اللبنانيين الشاغل في الداخل والخارج، ففي لبنان برزت مبادرات عدة منها تجميع الأدوية المتبقية في المنازل لتوزيعها على من يحتاجها، فيما تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منبر يستخدمه المحتاجون لنوع محدد من الدواء لطلب المساعدة وهي الوسيلة التي لاقت بدورها تجاوبا في لبنان، فلم يعد مثلا مستغربا أن تطلب عائلة لطفلها الرضيع المساعدة في الحصول على حليب لأنها لم تجده في الصيدليات، وامرأة حامل تعلن عن حاجتها لدواء ضروري والأمر نفسه بالنسبة إلى مرضى يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والضغط وحتى السرطان وغيره.
هذا الواقع الذي يتضامن المواطنون في لبنان على تجاوزه يدخل على خطه بشكل أساسي أيضا المغتربون بحيث أن الدواء بات أول ما يفكرون به لإرساله إلى أهاليهم، لا سيما وأن القوانين في معظم البلدان لا تسمح بالحصول على الأدوية من دون وصفة طبية، واللافت حتى أن البعض لم يعد يفكر فقط بحمل الدواء إلى عائلته فهناك عدد من المغتربين باتوا يكتبون عبر حساباتهم على "تويتر"، و"فيسبوك" أو على صفحات عامة يسألون عما إذا كان هناك من يحتاج لأدوية معينة لإرسالها له.
وهذه المبادرات لا تقتصر على الأفراد إنما تتعداها إلى أخرى يتعاون عليها مجموعة مغتربين في بعض البلدان، ومنها تلك التي يقوم بها الصيدلي أحمد عيساوي واللبنانية المتخصصة في الصحة العامة داليا عبيد، وغيرهما من العاملين في قطاعات عدة من الذين يعيشون في فرنسا، وأخذوا على عاتقهم هذه المهمة منذ أشهر مع بدء الأزمة في لبنان، وتفاقمها في الأسابيع الأخيرة حتى أنهم لم يعد بقدرتهم توفير الكمية المطلوبة وبدأوا بالبحث عن طرق جديدة لتأمين المال اللازم.
ويقول أحمد عيساوي لـ"العين الإخبارية": "بعض الأدوية بدأت تنفد في لبنان من حوالي عام ليزداد الطلب عليها بشكل كبير في فصل الصيف ولا سيما منها المرتبطة بأمراض معينة كالسكري والضغط والقلب وسرطان الثدي تحديدا أو تلك التي تؤخذ بشكل دائم، من هنا كان تحركنا، أنا وبعض الأصدقاء اللبنانيين العاملين في القطاع الطبي وعلى رأسهم داليا عبيد التي كانت خلف المبادرة بشكل أساسي، فبدأنا نلبي الطلبات إما بإرسال ما توفر لنا مجانا أو من التبرعات".
ويضيف: "بحكم عملي كصيدلي يصل لي كميات من الأدوية التي توضع في فرنسا ضمن خانة إعادة التدوير أي تلك التي تبقى لدى المرضى فيعيدونها إلى الصيدليات لعدم حاجتهم لها، وفق ما ينص عليه القانون في فرنسا، وذلك عبر عاملين في القطاع الصحي كالممرضين وغيرهم من الذين يتابعون المرضى في منازلهم، أو مثلا من دور العجزة التي تعيد بدورها أدوية المرضى الذين يفارقون الحياة إلى الصيدليات أيضا بحيث نعمد إلى حفظها وإرسالها إلى لبنان على أن يكون تاريخ صلاحيتها بين سبعة أشهر وسنتين، وذلك عبر بعض الجهات التي أبدت تجاوبا وتعاونا معنا من المغتربين أو العاملين في شركات الطيران والسفر".
ويقول: "للأمانة أيضا أحرص على إرسال فواتير مع كل الأدوية التي أشتريها ويدفع ثمنها الأشخاص".
ويؤكد أنه وزملاؤه يحرصون على إرسال الأدوية إلى أشخاص يعرفونهم في لبنان ليضمنوا توزيعها على الأشخاص الذين يستحقونها، وأبرزهم شقيقته الطبيبة التي تعمل في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حيث يعالج أيضا مرضى كورونا، وهي تكون على معرفة بالأنواع المفقودة أو المطلوبة.
وأوضح أن طلب اللبنانيين على الأدوية أخذ منحنى تصاعديا منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، ليتزايد بشكل أكبر قبل أسابيع قليلة، حيث ارتفع سعر الأدوية بشكل كبير أو نفدت أصناف كثيرة منه من الصيدليات، لذا ومع مرور الوقت بدأ الزملاء يبحثون عن وسائل أخرى لتأمين ثمن الأدوية التي لا ينجحون في تأمينها من "إعادة التدوير" أو التبرعات.
ويتحدث "أحمد" بصراحة قائلا: "وصلنا إلى مرحلة أننا أصبحنا غير قادرين على تأمين كل المبالغ للأدوية بعدما كانت في وقت سابق تصلنا بالتبرعات، علما أن ثمن الأدوية لا يتجاوز العشرة أو 15 يورو، لكن المشكلة هي في العدد المطلوب، إذ في أحيان كثيرة ندفع من رواتبنا أنا وزملائي لتأمينها".
وفي محاولة أيضا منهم لإيجاد حل لهذه المشكلة عمد "أحمد" إلى إنشاء جمعية صداقة فرنسية لبنانية في المحافظة التي يعيش فيها كي يسمح له القانون بتنظيم نشاطات باسمها.