قصة تأسيس الأردن.. دروس وعبر على مدار 100 عام
مسيرة استمرت 100 عام، تعاقب خلالها على حكم الدولة 4 ملوك، كان لكل منه بصمات واضحة في بناء أسس وقواعد المملكة الأردنية الهاشمية.
بدءا من الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين (الأمير آنذاك) الذي أسس الدولة الأردنية في 11 أبريل/ نيسان 1921، تحت اسم "إمارة شرق الأردن"، وتم في عهده إعلان استقلالها تحت اسم المملكة الهاشمية بدلا من إمارة شرق الأردن عام 1946.
ثم مرورا بنجله الملك طلال الذي تولى الحكم عام 1951، وتم في عهده وضع الدستور الأردني المعمول به حاليا، الذي يعد من أهم الدساتير في المنطقة ومن أكثرها حداثة، فالملك الحسين بن طلال الذي تولى مقاليد الحكم عام 1953، ليوطد أركان المملكة ويواصل مسيرة بناء الدولة الحديثة على مدار نحو 47 عاما من حكم.
وصولا إلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي تولى الحكم عام 1999 ليكمل مسيرة التنمية والنهضة التي يقودها حتى اليوم.
ويشكل مرور 100 عام على تأسيس الدولة فرصة للأردنيين ليتأملوا تلك المسيرة ويستلهموا منها الدروس والعبر، حول القدرة على مواجهة التحديات وقوة الإرادة والعزيمة، الأمر الذي يعينهم على المضي قدما للمستقبل بمزيد من العمل والإنجاز.
وتشكل تلك الذكرى فرصة للإيمان بقدرات الأردني وبقيم المملكة التي رسخت على مدى قرن مضى، قيم التسامح والاعتدال والوسطية والمنعة والصمود.
دروس وعبر تتضح بشكل جلي من خلال استعراض أبرز محطات على طريق تأسيس الدولة الأردنية.
التأسيس 1921
نشأت الدولة الأردنية في ظروف سادتها الأطماع الاستعمارية، ففي تلك الفترة كان الشريف الحسين بن علي (والد مؤسس الأردن الملك عبدالله الأول) يقود الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1916.
وانتهت الحرب العالمية الأولى بسقوط الدولة العثمانية، والتي كان من نتائجها توقيع معاهدة سيفر 10 أغسطس/أب 1920، وبموجبها خصعت فلسطين للاحتلال البريطاني، فيما كان يخضع لبنان وسوريا للاحتلال الفرنسي.
وبعد احتلال الفرنسيين سوريا، جاءت برقيات استغاثة من السوريين إلى الشريف الحسين بن علي، فأوفد ابنه الأمير عبدالله إلى معان قادما من الحجاز على رأس قوة عسكرية.
كان الأردن آنذاك جزءاً من سوريا، ويشكل المحافظة الجنوبية، وبعد احتلال سوريا الشمالية بشقيها (سوريا ولبنان) وخضوع فلسطين للانتداب البريطاني الذي ابتدأ كاحتلال، بادر أهل شرق الأردن في محاولة منهم لتنظيم أنفسهم بتشكيل حكومات محلية لإدارة المناطق.
وصل الأمير عبدالله بن الحسين إلى مدينة معان في 21 نوفمبر/تشرين الأول 1920، وأرق وصوله كلا من البريطانيين والفرنسيين تخوفا من يؤدي ذلك إلى ارتفاع حدة المقاومة وتوسيعها ضد نفوذ الدولتين.
وحاول المندوب السامي البريطاني على فلسطين أن يقنع حكومته باحتلال شرق الأردن احتلالا كاملا ليطبق عليها ما يطبق على فلسطين، حيث كانت لندن تسعى لتنفيذ وعد بلفور وتهجير اليهود إلى فلسطين والأردن، إلا أنه فشل.
ونجح الأمير عبدالله، بعد محادثات مع وزير المستعمرات البريطاني تشرشل في القدس، بتثبيت الأردن على خارطة العالم، واستثنائها من الانتداب البريطاني، فتمتعت إمارة شرق الأردن بحكم ذاتي ولم تخضع لمبادئ الانتداب أو لوعد بلفور.
انتهت مباحثات الأمير عبدالله مع ونستون تشرشل في 30 مارس/آذار 1921م، ليعود بعدها إلى عمان وشرع بإقامة نظام سياسي وحكم مركزي، ثم قام بتشكيل أول حكومة أردنية في 11 أبريل/نيسان من عام 1921 برئاسة رشيد طليع، وأعلن الأمير عبدالله بن الحسين، تأسيس إمارة شرق الأردن.
وخلال فترة حكم الأمير عبدالله بن الحسين شهدت إمارة شرق الأردن إنجازات ومحطات مهمة في تاريخها، كان أبرزها تأسيس القوات المسلحة الأردنية، والتي تعود جذورها إلى بدايات عام 1921؛ حيث شكلت نواته من رجال الثورة العربية الكبرى الذين خرجوا مع الأمير عبدالله بن الحسين من الحجاز.
وقد كان هم الأمير المؤسس أن يكون للإمارة جيش يحمي أرضها وشعبها، خاصة أن ظروف التأسيس كانت بالغة الصعوبة من حيث معاناة ما بعد الحرب العالمية الأول، وكان الواجب الأساسي توطيد الأمن والاستقرار في البلاد.
كما تم في عهده اعتراف الحكومة البريطانية رسميا باستقلال الإمارة الأردنية وذلك يوم 25 مايو/أيار 1923، وأعيد تنظيم المناطق الإدارية، حيث أصبحت الإمارة تتألف من 6 مقاطعات هي: (عمان، الكرك، مأدبا، السلط، جرش، إربد).
وفي 19 أبريل/نيسان 1928، تم إصدار القانون الأساسي -كأوّل دستور للإمارة- ثم قانون الانتخاب الأول الذي انتخب على أساسه أول مجلس تشريعي أردني عام 1929.
وفي عهده أيضا تم الإعلان عن استقلال الأردن في 25 مايو/أيار 1946 تحت اسم "المملكة الأردنية الهاشمية"، وأصبح الملك المؤسس عبدالله (الأول) بن الحسين ملكاً دستورياً عليها.
وفي يوم الجمعة 20 يوليو/ تموز 1951، استُشهد الملك عبدالله المؤسس، بعد اغتياله على أرض القدس ليتولّى سدةَ الحكم نجله ووليُّ عهده، الملك طلال بن عبدالله.
دستور 1952
وجه الملك طلال الحكومة بأن تسعى إلى إكمال وضع دستور حديث للبلاد، وفي عام 1952 أنجز الدستور الأردني الذي يعد من أهم الدساتير في المنطقة ومن أكثرها حداثة، ووقع على إصداره وإقراره.
وجسّد الدستور آفاق التطور السياسي المرتكز على ضرورة مشاركة الشعب في صنع القرار من خلال العملية الديمقراطية الكاملة وإجراء انتخابات دورية لمجلس الأمة.
ثم وجه الملك طلال حكومته لإقرار نظام التعليم المجاني والزامية التعليم، وأسس ديوان المحاسبة ووضع له تشريعا مهما يصون من خلاله المال العام.
وأقر في عهده حقّ التعليم المجاني، وأُنجزت العديد من التشريعات، وسعى إلى توطيد العلاقات الأردنية مع السعودية وسوريا ومصر، ولكنّ مرضه حال دون استمراره في الحكم، فكان القرار الدستوري بتشكيل مجلس الوصاية في 11 أغسطس/ آب 1952، ريثما يبلغ نجلُه الحسين السنَّ القانونية بموجب الدستور، وهو اليوم نفسه الذي بويع فيه الحسين ملكاً على المملكة.
بناء الدولة الحديثة
وفي 2 مايو/أيار 1953، تولّى الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في ظروف عربية ودولية حرجة ودقيقة.
واستطاع خلال فترة حكمه أن يحقق أعلى مستويات النهوض المدنية والسياسية، وأن يكون الباني لأردن الاعتدال والوسطية، ويحقق أفضل نوعية حياة لشعبه، من حيث التطور في مستوى الخدمات والتعليم والتقدم العلمي، وأن يستمر الأردن في أداء دوره العربي والإقليمي بتكامل وتأثير.
وعلى مدى 47 عاماً من قيادته، شهد الأردن تقدماً ملموساً في جميع المجالات، خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ورفع شعار "الإنسان أغلى ما نملك" كركيزة أساسية في توجيه الخطط التنموية والتأكيد على ضرورة توزيع مكتسبات التنمية لتشمل كل المناطق وجميع فئات الشعب.
وألف في عهد الملك الحسين (1957) وزارة، قدمت نموذجا مهما في الحكم وممارسة السلطة، وقامت بتوجيه مباشر منه بالاهتمام بالقوات المسلحة وتطويرها وتحديثها، فتميزت بالاحتراف والانضباطية.
وتوسعت قاعدة التعليم الإلزامي، إذ انتشرت المدارس في جميع مدن المملكة وقراها وبواديها وأريافها، وأصبح الأردن في طليعة الدول العربية على صعيد ارتفاع نسبة المتعلمين ومكافحة الأمية وتزامن ذلك مع إنشاء الجامعات وكليات المجتمع الحكومية والخاصة.
وشملت نهضة الأردن جميع المجالات الصحية والخدمات العامة والبنية التحتية والطرق والاتصالات والزراعة والصناعة وغيرها.
وعلى الصعيد الدولي، تمكنت الحكومات الأردنية من إقامة شبكة من العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع عدد كبير من دول العالم وشعوبه.
عملت الحكومات في عهد الملك الحسين في ظروف أمنية وسياسية واقتصادية صعبة في وسط عربي ملتهب، ألقى بظلاله على الأردن؛ ورغم ذلك بقيت القضية الفلسطينية المحور الرئيسي للسياسة الأردنية.
مواصلة مسيرة التنمية
بعد وفاة الملك الحسين، تسلم الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية بتاريخ 7 فبراير/شباط 1999.
حرص الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن كدولة مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح، وتوفير فرص العيش الكريم، ومحاربة الفقر والبطالة، والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، تنعكس آثارها إيجابياً على المواطنين ومستوى معيشتهم.
ومضى قدُماً في مسيرة التقدم والتطور والازدهار، من خلال تحقيق الاعتدال والتوازن والانفتاح المدروس، ونبذ التطرف والعنف والانعزال، ومشاركة جميع مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الأهلية والخاصة في عمليات البناء والتنمية، والانفتاح على اقتصاديات العالم.
وقد كلف الملك عبدالله الثاني في عهده 13 رئيسا للوزراء بتشكيل 19 حكومة، تباينت في مدد عملها، وعدد وزرائها، والتعديلات التي شهدتها، لكنها بمجملها حققت انجازات مهمة أسهمت في تعزيز مسيرة البناء والتطور في مختلف المجالات.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز