سجون العقل المسلم كثيرة وليست مسألة رؤية قاتمة، ولكنه سرد لتطور السلوك الإنساني
سجون العقل المسلم كثيرة وليست مسألة رؤية قاتمة، ولكنه سرد لتطور السلوك الإنساني في ثقافتنا وتأخر سعينا نحو فهم جديد للدين، ففي هذا الجزء من الكرة الأرضية هبطت جميع الرسالات السماوية، وبالرغم من ذلك لم يحل السلام فيه إلا لفترات وجيزة، ولم يعرف طعم الاستقرار إلا في فترات زمنية متراوحة تخللها أزمة هنا ومعركة هناك، وتقاتل الناس باسم الرب والهيمنة والسيطرة والموارد، ليقتل الكثير من الأبرياء على يد من يهللون ويصرخون نصرة لدينهم أو عرقهم أو ثقافتهم، فبين العديد من المسلمين دون تعميم، وعلى سبيل المثال من يتحدثون بحماس منقطع النظير عن المساواة والتسامح والرحمة وعظمة الدين، ولكنهم ضمن قائمة خاصة من الأشخاص في العالم ممن يمتلئون بالشعور المفرط بالفوقية والعنصرية والحقد والكبر والنظر للإنسان المختلف عنهم بدونية بغيضة وازدراء!
وبعيدًا عن التشاؤم والتفاؤل، فالواقع أمام أعيننا، وإذا ما اطلعنا عليه بموضوعية بمنأى عن العاطفة وتأثير الموروث فينا، سواء ديني أو قيمي أو اجتماعي والطرح الذي تعودنا عليه ويشكل منطقة راحة لمنطقنا القائم وعقلنا الباطن ستتضح الرؤية لنا بشكل أكبر، ولذلك أرى أن تحرير العقل المسلم من قيوده والعراقيل والمعوقات التي تحيط به، وتجمد نشاطه التقدمي الذي يواكب الحداثة والمعاصرة هو ساحة الجهاد الأهم في تاريخ الإسلام ورحلة الرجوع للنقاء الروحي، وحرية الفكر المسئولة وهي وقفة مع الذات لا بد، وأن نشرع فيها لمعرفة بعض أسرار وأغوار جوهر النفس البشرية وممارسة العقلانية الواقعية بالرغم من الجينات الأنانية التي تتحكم في الكثير من تصرفاتنا وقراراتنا، وقد أكرمنا الإسلام بحضنا على إستخدام العقل الفاحص المفكر المتفكر، والذي تحول لعقل ناقل بعد ذلك بأمر السلاطين والملوك وأئمتهم إلا من رحم ربي، ولذلك لا بد من مراجعات جريئة من أجل ديننا ونصرته بعيدًا عن التعصب والتقليدية، كتفسير أية {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ومن هو المخاطب وأسباب النزول وتداعيات وأبعاد الخطاب.
فالحديث هنا يجرنا إلى أهمية إدراك ماهية المعرفة الخالصة وتسخير العلوم التجريبية، ونظم المعلومات التحليلية في الجانب الديني والأخلاقي والقيمي بجانب الأمور الحياتية المادية، وعدم التقليد الأعمى والانبهار المقتصر على القشور، فنرى العالم الغربي مثلاً ديموقراطيًّا في الأشياء التي لها علاقة بمصلحته فقط، ويتجاهل الجرائم الإنسانية في المناطق التي لا توجد له فيها غايات عليا تحقق أمنه القومي، وتعمل على استدامته وما نعيبه على الغرب، وليس الكل بطبيعة الحال ليس الحضارة والرقي المادي، وفي الكثير من الأحيان الأخلاقي والقيمي والإنساني بلما نعيبه عليهم الانتقائية في القيم والمعايير والإغراق المعنوي والعقلي فيما يخالف توجهاتهم العامة، فسرد القصة يبدأ وينتهي من عندهم، وهم يحددون ما هو حضاري وغير حضاري، وربطه بمفاهيم غربية، وأنا أتحدث عن العدالة الجزئية، وإن كان لا يوجد كمال أو مثالية في السلوك البشري، فالإنسان خطاء بطبيعته، ولا نريد منهم إصلاح هذا الجزء من العالم ولكن عدم الكيل بمكيالين، وفي نفس الوقت كل تلك المعطيات لا تبرر معادات الغرب وقيمه ككتلة واحده، وإنما تغليب الجانب الإنساني من الدين الإسلامي في التعامل مع الآخر، ولنا في رسول الله أسوة حسنه، وأستغرب كيف أن ما يفعله تنظيم مثل داعش مثلاَ مختلف عن ما يفعله من يرتدي بدلة باهظة الثمن، ويجلس على طاولة تكلف آلاف الدولارات وهو بكبسة زر على هاتفه النقال أو كمبيوتره الشخصي قد يتسبب في تجويع نسبة كبيرة من سكان بقاع متعددة في العالم، أو يغرق السوق بمواد غذائية معينة أو يرميها في البحر والناس تعاني من المجاعات والتشريد، والسلاح والهدف والعقيدة قد تكون مختلفة، ولكن النتيجة واحدة، فمن يسيطر على قطاع اقتصادي بداعي الترهيب والإخضاع والابتزاز والاحتكار، فهو يمارس أشد أنواع العنف على الآخرين ومهما تعددت صور الإرهاب فيجب أن لا نحصره في الجماعات المسلحة الدينية وغيرها التي تسعى للسلطة بالقوة والعنف المفرض والقتل.
وعلى نفس المنوال يجب أن نتمعن في جذور الإرهاب والتطرف العنيف بصورة شمولية، والاعتراف بأن من يمثل بتقيلديته، وفكره وطرحه وتأويله وتفسيره للدين متنفس ومصدر إلهام لتطرف وتغذية الإرهاب والتعصب والغلو بأنه من أسباب الرجعية والنكسة الحادة في عالمنا الإسلامي اليوم وحتى لو صنفناه ضمن صفوف المعتدلين والعقلانيين وهو مع الجماعة، ويراعي مصلحة الأمة على العموم كون من يتخذ من تمسكه بالمورث الديني الذي سطره البشر أصنام يشيدها في عقله وقلبه، ولا يقبل لإخضاعها للمراجعة بمعايير حيادية حتمًا يعتبر مذنب في ما وصلنا إليه اليوم، ويعيش في حالة إنكار ونفي غريب لما هو حاصل، ولا يريد أن يفكر ولو للحظات أن شيخه الجليل أو مرجعه التاريخي هو ضمن صلب المشكلة وانتهت صلاحية فهمه أو تفسيره للدين في الكثير مما تركه لنا .
فما نحن عليه في وقتنا الحاضر وحدنا من يلائم عليه ولم تكن الإمبرياليات والقوى الاستعمارية هي السبب فقط وفق عقلية تكبل تقدم الإنسان وتجعله ضحية لثقافة لو مال غير وعدم تحمل المسئولية وتبرئة النفس من الذنب الذي يقع على عاتقنا، وبدورنا يجب أن نسأل أنفسنا لماذا نهضت اليابان بعد الهجوم عليها بالقنابل النووية، وتدمير اقتصادها وجيشها خلال أقل من نصف قرن فقط؛ لتصبح دولة بارزة ومتقدمة في شتى المجالات، ونحن منذ قرون طويلة في سبات عميق، ولا تبدو بوادر أمل تلوح في الأفق القريب ومتى سنفهم أن اقتصاد الحروب والصراعات الحضارية يحتم على المنتصر ربح المعركة، وليس حسمها لتتغير الطريقة التي تدير بها معظم الدول العربية والإسلامية نفسها، وإدراك أنه إذا قمنا بفعل عمل ما بنفس الطريقة التي نفعلها دائماً فمن الجنون أن نتوقع محصلة مختلفة.
فكيف يعقل بعد أربعة عشر قرنًا مازلنا مهوسين بنظرية المؤامرة، وإن كان الأشخاص المنفذيين للعمليات الإرهابية قد تعرضوا لعمليات غسيل مخ وبرمجة ممنهجة من سن مبكرة جداً، وتم انتقائهم بعناية فائقة كمادة استهلاك إرهابي مؤقته، ولكن كل ذلك لا ينفي ثقافة العنف في الإسلام الوضعي وتفسير النصوص المقدسة، وتغليفها بقدسية الإنسان الملهم فاعتراف المنفذين وافتخارهم بما يقومون به وحتى لو كانوا قد انتسبو حديثًا للإسلام لا يجعل الموروث المشوه والمحرف منه برئ من كونه أداة فاعلة للتحريض على القتل العمد ، وبالمقابل عندما بدأ الغرب شن حربه على الإرهاب، فعل أولاً ثم فكر ثانيًا، ووقع في المحظور وخطأ إدارج الإسلام في عقول الكثير من المسلمين كدين ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وحقيقةً ما لا أستوعبه كمسلم كيف يريد المسلمين من أفعال القاعدة وداعش والإسلام السياسي العنيف أن لا تهز صورة الإسلام وهم ينسبون أفعالهم لجزء من التراث الإسلامي في صناعة ثقافة الموت وأزعم أن الإسلام لا يمكن فهمه إلا على أنه نظام ديني كبير ومعقد، مما يضعنا أمام ضرورة تأسيس البنية التحتية الأساسية لإطلاق ثورة دينية خضراء سلاحها العقل والعلم لانتشال الدين من وحل التقليد الأعمى والتعصب البشري المقيت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة