خبراء لـ"العين": انشقاق الإخوان لـ٣ جماعات متصارعة
المراقبون والخبراء اتفقوا على أن هذا الانقسام لم تشهده الجماعة على مدار تاريخها على مستوى القيادات والقواعد
تشهد جماعة الإخوان المسلمين بمصر أزمات داخلية هي الأكبر منذ نشأتها، فمنذ القبض على مرشد الجماعة محمد بديع وقيادات بارزة بالجماعة بينهم نواب المرشد وأعضاء بمكتب الإرشاد حاولت الجماعة سد الفراغ التنظيمي بتصعيد قيادات عبر التعيين والانتخاب طيلة أكثر من عامين، لكن وسط القيود الأمنية التي فُرضت على الجماعة المحظورة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 لم تتمكن من إدارة أمورها على نحو سليم ومعلن.
الوضع الحالي للجماعة، والذي تجلى في طرح تعديلات ما يسمى باللائحة العامة للتنظيم لإبداء الرأي فيها، فتح الباب أمام انقسامها من ٣ إلى ٤ جماعات مصغرة، وهو ما ظهرت ملامحه في صفوف المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بحسب مراقبين وخبراء للحركات الإسلامية، الذين توقعوا في أحاديث منفصلة لبوابة "العين" أن تفرز تلك الجماعات المصغرة مزيدًا من الكيانات المتصارعة في حالة استمرار الانقسام الحالي.
وأمس، طرحت الجماعة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التعديلات الأخيرة التي أضافتها فى اللائحة العامة، على من أسمتهم بجموع الإخوان ومحبيهم والمهتمين بشأنها، بمناسبة مرور ٨٨ عامًا على تأسيس الجماعة، وهي التعديلات التي ترفضها مجموعة الصقور داخل التنظيم، وهو ما ينذر بانقسام جديد، لا سيما في ظل اختلاف الرؤي تنظيميًا وحركيًا وكذلك دعويًا.
واتفق المراقبون والخبراء، على أن هذا الانقسام لم تشهده الجماعة على مدار تاريخها على مستوى القيادات والقواعد، لافتين إلى أن مستقبل الجماعة مرهون بخيارات النظام الحالي ومساراته في التعامل مع الإخوان من جهة، وعمق مسألة المراجعة لدى الإخوان المسلمين، وقدتهم على إحداث تغيير نوعي على مستوى الفكر والتعايش في المجتمع المصري.
أحمد بان، أحد المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين، والخبير في الحركات الإسلامية قال لبوابة “العين”: الواقع التنظيمي للإخوان يشهد انقساما رأسيا وأفقيا لم تشهده الجماعة على مدار تاريخها على مستوى القيادات والقواعد، حيث انقسمت إلى ٣ كيانات، الأول يضم المجموعة القديمة التي لا تزال تحاول أن تكرس شرعيتها من خلالها استنساخ نفس المسارات السابقة مع بعض الإضافات التي تحاول أن تتجمل بها بسبب مخاوفها من الإنجراف للعنف بشكل متزايد، كما أنها تسعى إلى استبقاء النظام التي حافظت عليه لعقود”.
الكيان الثاني، بحسب بان، تعبّر عنه لجنة إدارة الأزمة وهي أكثر رديكالية عن المجموعة الأولى، ويمكن وصفهم بمجموعة “أبناء الصقور” والتي تمردت على الصقور القدامى وتحاول أن تمضي في طريق التطرف لنهايته، فيما يضم الكيان الثالث رموزا غير معروفة حتى الآن، لكنها نشطت في جلسات عصف ذهني جماعي داخل التنظيم، وتسعى إلى قراءة التجربة ومراجعتها للخروج برؤية جديدة، ولا تكتفي بالتمرد والعنف مثل المجموعة الثانية.
الدكتور خالد الزعفراني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، اتفق مع ما ذهب إليه “بان”، قائلًا: الجماعة حاليًا تواجه انقسامًا لأربعة كيانات، الأولى تظهر في القيادات الكلاسيكية التي تحاول الحفاظ على الجماعة بتقليدها وسياستها القديمة، منها نائب المرشد العام للجماعة محمود عزت وغالبية أعضاء مكتب الإرشاد، ويقابلها المجموعة الثانية التي تتمثل في الراغبين في الصدام مثل المتحدث باسم الجماعة محمد منتصر وعضو مجلس شورى الإخوان محمد كمال وغيرهم”.
أما المجموعة الثالث، وصفها الزعفراني بالـ”المنظرين فكريًا” وهؤلاء يجلسون على مقاعد المتفرجين لكنهم يحاولون تقديم رؤية جديدة للجماعة تُخرجها من محنتها الراهنة، ومن رموز هذه الجماعة القيادات الإخوانية عمرو دراج وحلمي الجزار وغيرهم.
وأضاف الزعفراني أن المجموعة الرابعة، التي لم يتحدث عنها بان، هي الشريحة الأكبر من قواعد الإخوان الذي قرروا اعتزال العمل الميداني، والالتزام بالفكر التقليدي للجماعة بعيدًا عن السياسة ومجرياتها، لافتًا إلى أن تلك المجموعة تشعر أن الجماعة وقعت في خطأ فكري وسلوكي خلال الفترة الماضية، عند توليها الحكم والتعامل مع الأحداث، وتؤمن في الوقت نفسه بأنه الإذعان للواقع أو الخروج للشارع لن يؤتي ثماره، فآثرت الاعتزال عن أي من المجموعات الثلاثة.
فيما روى الدكتور محمد حبيب القيادي الإخواني المنشق والنائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان سابقًا فى تصريحات لبوابة "العين" حالة الانهيار التى يعيشها كيان تنظيم الإخوان داخليًا، قائلًا: هناك نوع من التصدّع والتشقق بين صفوف الجماعة وهو أمر متوقع وطبيعي بأن بقايا الجماعة الموجودة (يقصد القيادات القديمة) تتصور نفسها بأنها صاحبة القرار دون الرجوع لأي شخص أو الشورى مع أحد غير المقربين، وهو ما خلق حالة من عدم الرضاء (لدى المجموعة الثانية التي باتت ترى التصادم حلًا).
ومنذ ٣ يوليو/تموز ٢٠١٣، كانت مظاهرات رافضة لعزل مرسي تخرج أسبوعيًا لكنها اختفت بعد مرور أكثر من عامين ونصف.
وتوقع كل من “بان” و”الزعفراني” زيادة الانقسامات بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين، معتبرين أن تلك الانقسامات تعجّل من إنهاء الجماعة، خاصة أن المجموعتين الأولى والثانية تقف ضد أي مراجعات وتحرج أصحاب الرؤى الإصلاحية، وهو الأمر الذي قال الزعفراني بإنه لن يحدث خلال ليلة وضحاها لكنه قد يستغرق ١٠ سنوات وحينها لن يتبقى سوى تلك المجموعات التي تغير من فكرها واستراتيجتها.
وقال “بان”: ما سيحدد مستقبل الجماعة محددان، أولهما نمط الحكم الحالي وخياراته في التعامل مع الجماعة من جهة، وعمق المراجعة لدى الإخوان أنفسهم، خاصة أن هذه المرة تختلف عن أزماتها خلال العقود الماضية؛ فهي خسرت الاحتضان الشعبي الذي كانت تمتلكه، كما تم فعليًا اختبارها في دائرة الحكم.
من جانبه، قال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لبوابة "العين" إن “الجماعة تشهد حاليًا لحظة استثنائية على مدار تاريخها، وهي ما تفرض عليها إعادة التأمل في طريقتها، والاختيار بين مزيد من الراديكالية أو الاعتدال وإعادة الاندماج في المجتمع وفق شروطه”، لافتًا إلى أن هناك جزءا كبيرا من قواعد الإخوان غاضبة من القيادات التي أدارت المشهد، وهذا الغضب يزيد يومًا بعد يوم، وهو ما يشكل خطورة على الجماعة نفسها.
نافعة قال إن “هناك إنشقاقات .. هذا صحيح لكن حجمها وعددها لا يمكن معرفته وسط حالة التكتم التي تحيط بالقواعد من جهة، وهروب قيادات وسجن أخرى"، مشددًا على أن مستقبل الجماعة مرهون بخيارات النظام الحالي من ناحية، والتيارات السائدة في الجماعة من ناحية أخرى، والتي تواجه معضلة وجود تيار يرفض الاعتراف بالوضع الحالي.
ومنذ أيام أطلق الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية دعوةً لمجلس النواب لتبنّي مبادرته للمصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان التي تشمل الإفراج عن كافة قيادات الإخوان، وعلى رأسهم "المرشد" و"محمد مرسي" وأن تتيح لهم الدولة العودة للعمل العام مقابل التوبة والاعتذار للشعب ووقف عمليات العنف.
وفي ذكرى تأسيس جماعة الإخوان، أصدرت اللجنة الإدارية العليا للجماعة بيانا ذكرت فيه أن الإمام البنا وضع الأمة على طريق المقاومة بكل أبعادها، ونال الشهادة في سبيل الله، وهو على طريق الجهاد، وأوضح قولا وعملا أنه مع التخطيط والتنظيم لا بد من قوة نفسية عظيمة، تتمثل في إرادة قوية لا تلين ولا تضعف، ووفاء لا تلوّن فيه ولا غدر.