«أرض الإله» لأحمد مراد.. عن الأصول المصرية لمرويات توراتية
يخوض أحمد مراد مغامرة محفوفة بالمخاطر وللمرة الثانية يقرر أن يستلهم التاريخ ليكون قناعا لطرح أسئلة محظورة ومقاربة مناطق شائكة وملتبسة
طرحت دار الشروق المصرية الطبعة الأولى من الرواية الجديدة للكاتب والروائي الجماهيري أحمد مراد «أرض الإله»، وهي الرواية الخامسة له بعد «فيرتيجو» و«تراب الماس» و«الفيل الأزرق» و«1919».. «في أرض الإله» يخوض أحمد مراد مغامرة محفوفة بالمخاطر، فاللمرة الثانية يقرر أن يستلهم التاريخ، وأن يكون قناعا لطرح أسئلة محظورة ومقاربة مناطق شائكة وملتبسة. يسافر مراد هذه المرة إلى أغوار التاريخ الفرعوني؛ المصري القديم، لمساءلة روايات وحكايات كتب لها الشيوع والتسييد والانتشار، يبحث عن الأصول المصرية لمرويات توراتية.
يلقي مراد في روايته الجديدة بأسئلته كقنابل موقوتة، من المتوقع أن تثير غبارا وتشعل معارك وتفتح جبهات، بسبب موضوعها الإشكالي الذي يضع كتابة التاريخ اليهودي وتشكل الأساطير الصهيونية تحت مجهر الشك والتساؤل عبر تفكيك الروايات التي طالما أشاعها وأذاعها أبناء الديانة عنها.
"في ربيع عام 1924 وبعد الكشف عن مقبرة الملك «توت عنخ آمون»، اندفع «هوارد كارتر» إلى القنصلية الإنجليزية بالقاهرة دُون سابق إخطار، مُطالبًا بتدخل دبلوماسي لإرغام السلطات المصرية على تجديد تصريح التنقيب الذي تم إلغاؤه؛ لِما وجدته مَصلحة الآثار من تلاعب في سجلات المقبرة؛ حيث عُثر على قِطع أثرية لم تدوَّن، مُخبأة في صندوق نبيذ بمقبرة أخرى! أفضى القنصل إلى «هوارد كارتر» بأن التدخل يُعد مستحيلًا في ظل الظروف الحالية، فما كان من «كارتر» إلا أن احتدّ مُهدِّدًا بأنه إن لم يتلقَّ ترضية كافية وعادلة، فسيكشف للعالم نصوص البرديات التي عثر عليها بغرفة دفن الملك، بما فيها من أسرار لم تُكتشف من قبل"..
هكذا تستهل الرواية بهذا المدخل التشويقي المثير، وبحسب تعريف الناشر لـ"الرواية" فإن أحمد مراد "يخوض أرضًا شائكة، متتبعًا سرًّا من أسرار القدماء أُخفي بذكاء أمام أعيننا بين سطور أقدس كتب الحضارة المصرية. سر، قد يُغير للأبد قراءتك لواحدة من أهم لحظات التاريخ المصري".
استنفر مراد في «أرض الإله» كل مهاراته وقدراته السينمائية والمشهدية، ولعب على عنصر التشويق ببراعة، ونسج خيوط الأحداث بمهارة، محافظا طوال الوقت على عنصري التشويق والإثارة، وبدا أنه يراهن هذه المرة على الحفاظ على جماهيريته وزيادة رقعتها، فالرواية تحتشد بكثير من حيل التشويق البارعة، في قالب أقرب إلى قالب المغامرات البوليسية، يجذب القارئ إلى قراءتها فلا يتركها إلا بعد أن ينتهي منها، في وقت غير قصير لا يشعر به القارئ بسبب توابل التشويق التي برع المؤلف دون شك في إضافتها.
تنطوي «أرض الإله» على عناصر جذب وتشويق لا تقاوم، فيها بعض إنطاق المسكوت عنه تخييلا عن التاريخ اليهودي، وفيها من الاجتراء على بعض محرمات هذه العقيدة ما يثير رغبة الفضول في معرفة الممنوعات، على طريقة كل ممنوع مرغوب، وفيها قصة حب تزدوج مع المغامرة، وفيها كمّ وافر من المعلومات المخايلة والرموز التي تحتاج إلى فك شفراتها، وهناك عنصر التشويق الذي يأخذ من الرواية البوليسية أفضل تقنياتها التي تجعل ذهن القارئ يسابق الصفحات في اكتشاف حل اللغز أو فك شفرة المؤامرة وتتبع الأحداث المثيرة، والسؤال الذي لا يكفّ عن طرح نفسه وماذا بعد؟
في حوار سابق له، يوضح مراد "أشتغل على الفكرة وأدرسها جيدا، وأحاول التحضر لها بكل تركيز، وأسعى قدر ما أستطيع إلى قراءة كل ما يتصل بمادة موضوع الرواية، تاريخا أو أدبا أو أساطير وفلكلور أو مادة علمية، على أن أضفّر هذه المادة في بنية العمل دون أن تكون هدفا لذاتها، لكن في خدمة النص واتساقا مع الرؤية العامة له، وأجتهد في أن أحافظ على إيقاع العمل، والإفادة من دراستي للسينما في توظيف عنصر التشويق والجذب لمتابعة القراءة منذ الجملة الأولى في العمل وحتى السطر الأخير".
ظاهرة أحمد مراد
يمثل الكاتب والروائي والسيناريست أحمد مراد (مواليد 1978) حالة خاصة في المشهد الأدبي المعاصر، إذ يبدو النجاح الكبير والجماهيرية الواسعة التي نالتها أعماله خلال الأعوام التسع الأخيرة "ظاهرة فريدة" تلفت الانتباه وتستحق الدراسة وتغري الباحثين في علم الاجتماع الأدب بدراسة حالة حقيقية ومثمرة.
كان العام 2014 الأكثر "ابتساما" و"نجاحا" للكاتب الشاب، رغم الحملات الشرسة التي تعرض لها، والهجوم العنيف من بعض الأقلام التي ارتأت أن أحمد مراد يمثل "خطورة حقيقية" على الأدب الرفيع، بل وصل الأمر ببعض الكتاب الكبار من جيل الستينيات إلى التحذير من ظاهرة "البيست سيلر" التي يتربع على عرشها مراد بلا منازع.
«فرتيجو» كانت أولى أعماله الروائية (صدرت في العام 2007)، وتحولت لاحقا إلى مسلسل تليفزيوني، وحققت نجاحا مبهرا ولفتت إليه أنظار الكثيرين، خاصة بعد أن توالت طبعاتها خلال مدة لا تتجاوز أشهر معدودة. وفي العام 2010 أصدر أحمد مراد روايته الثانية «تراب الماس» عن دار الشروق، ولم تمر أيام قليلة على صدورها حتى احتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وتصدرت قوائم الكتب الأوسع انتشارا وتوزيعا، وصدر منها ما يزيد على ست طبعات في ثلاثة أشهر. وتمت ترجمتها هي وسابقتها «فرتيجو» إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وحصدت الترجمة الإيطالية لفرتيجو جائزة البحر المتوسط للأدب 2012، وهي من أهم الجوائز الأدبية وأرفعها في إيطاليا.
وبرز اسم مراد ككاتب روائي شاب يصنف دائما على أنه "نجم البيست سيللر"، الذي حقق المعادلة الصعبة في تحقيق مبيعات فائقة لعمل أدبي في الوقت الذي نجح في اجتذاب شرائح وقطاعات واسعة من القراء في مصر والعالم العربي لقراءة أعماله وبإقبال منقطع النظير.
ورغم صدور روايته «الفيل الأزرق» أواخر 2012، فإنها كانت "وش السعد" على مراد ودفعت بجماهيريته إلى السماء، إذ تربعت الرواية على رأس الروايات الأكثر مبيعا منذ صدورها، وصدرت منها عشرات الطبعات. وكانت مفاجأة كبيرة أيضا لمراد ظهور روايته في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية بوكر 2014، ثم فتحت القائمة القصيرة ذراعيها للرواية وله، لتنافس «الفيل الأزرق» على الجائزة مع 5 أسماء أخرى من سوريا والعراق والمغرب، وليكون أحمد مراد هو ممثل مصر في القائمة القصيرة للبوكر العربية 2014.
وفي أبريل 2014 أصدر مراد روايته الرابعة «1919» التي وزعت أكثر من 30 ألف نسخة في شهرين. وخلال تلك الفترة كان صاحب «تراب الماس» يستعد لعرض فيلمه المأخوذ عن «الفيل الأزرق»، وتم عرض الفيلم في موسم الصيف، ليكتسح الإيرادات ويحقق نجاحا "مذهلا" وتربع على عرش أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في تاريخ السينما المصرية.
«أرض الإله» (2016) هي الرواية الخامسة لمراد.. سبق صدورها حملة ترويجية ودعائية هائلة، قادها مراد بنفسه، ولم تكد تطرح الطبعة الأولى (التي تقدر بالآلاف) حتى تسابقت المكتبات ومنافذ توزيع الكتب على نيل حصتها من الرواية المنتظرة، وكما هو متوقع نشط مزوّرو الكتب وقراصنة التزييف، المطبوع والإلكتروني، لتلقف الرواية الجديدة و"ضرب" عشرات الآلاف من النسخ المزورة (لم تصل الحكومات العربية إلى وسيلة ناجعة وفعالة بعد بعد لمواجهة قرصنة الكتب والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية والأدبية للمؤلفين والناشرين).
أحمد مراد، إضافة إلى كونه كاتبا روائيا، فهو متخصص في التصوير السينمائي، ويعمل أيضا بالتصوير الفوتوغرافي، وتصميم الأغلفة، فقد تخرج في المعهد العالي للسينما، قسم التصوير السينمائي العام 2001، وكان الأول على دفعته، ونالت أفلام تخرجه «الهائمون» «الثلاث ورقات» «وفي اليوم السابع» جوائز للأفلام القصيرة في مهرجانات ببريطانيا وفرنسا وأوكرانيا.
aXA6IDMuMjEuNDYuMjQg
جزيرة ام اند امز