عندما كنت على وشك الانتهاء من مقالى السابق «هل من كلمة سواء ؟» علمت بنية الرئيس لقاء مجموعة من المثقفين
عندما كنت على وشك الانتهاء من مقالى السابق «هل من كلمة سواء ؟» علمت بنية الرئيس لقاء مجموعة من المثقفين فغمرنى شعور بالارتياح لأن مثل هذه اللقاءات تمثل دون شك إحدى الآليات المهمة للتوصل إلى هذه الكلمة غير أن نهج الرئيس فى هذا اللقاء تجاوز الكلمة إلى الفعل فطالب من حضروا اللقاء بأن يضعوا تصوراتهم كآلية للمشاركة الفعلية فى النهوض بالوطن، ولقد ازداد ارتياحى عندما قرأت أسماء من حضروا اللقاء من منظور محدد وهو التنوع الفكرى والسياسى فأنت تجد بينهم كل الأطياف الفكرية والسياسية المصرية، ومع ذلك فإن حالة «اللاسواء» كانت حاضرة فى ردود فعل البعض الذى شكك فى أن يكون هؤلاء ممثلين صادقين للجماعة المثقفة المصرية أو فى قدرتهم على أن يأتوا بشيء جديد مفيد ، وقد وصل الأمر إلى حد القول بأنهم انتقاء إدارات التوجيه المعنوى وتصنيفهم بأن أغلبهم من الموالين للسلطة الذين ضُم إليهم بعض الشخصيات المحترمة وأن المحترمين منهم قد تم احتواؤهم ! وقد دفعنى هذا إلى إعادة قراءة أسماء الحاضرين ثم تعجبت لأن العكس هو الصحيح وحتى الذين يمكن وصفهم بالموالاة فإن هذا الوصف لا يعنى أكثر من أنهم لا يريدون هدم المعبد على رءوسنا كما يريد غيرهم وإنما يبغون الإصلاح وينتقدون بصدق وشجاعة ، بل إنه ما الذى يضير لو أراد مسئول أن يجتمع بأنصاره المحترمين ليستمع إليهم ويستمعوا إليه ؟ ومن يستطيع أن يحكم الآن ونحن لانزال فى بداية الطريق على أنه قد تم احتواء المعارضين ؟
تتميز اللقاء كما أجمع حاضروه على أن الرئيس استمع أكثر بكثير مما تحدث فكلماته لم تستغرق أكثر من نصف الساعة من لقاء امتد ثلاث ساعات كاملة أما باقى اللقاء فقد استُغرق فى انتقادات حقيقية لقضايا حساسة تتعلق أساساً بملف الحريات ، كما تميز بطابعه العملى بمعنى الانتهاء بالاتفاق على تشكيل مجموعات عمل لوضع تصورات الحاضرين ومن يشاءون الاستعانة بهم تُعرض على الرئيس بعد شهر يجتمع بهم بعده للمتابعة ، فهل يتضمن هذا أذى أو ضرراً بنا ؟ وقد ذكرنا الكاتب الكبير محمد سلماوى بأن الرئيس كان قد اقترح فى لقائه المثقفين فى العام الماضى أن يجلسوا سوياً ويضعوا رؤاهم حول مختلف قضايا المجتمع لكنهم لم يفعلوا ، ولعل هذا وفقاً لرأيه هو ما دفع الرئيس إلى المبادرة هذه المرة بفكرة تشكيل مجموعات العمل ومتابعتها ، لكن اللقاء لم يخل من العيوب وقد اشتكى ثلاثة على الأقل ممن حضروا اللقاء من سلوك البعض الذى استفاض فى الحديث بحيث حرم الآخرين منه ، وقد سمعت أن ثلث الحاضرين فقط هو من تكلم وهذا يعنى أن متوسط حديث كل منهم ثلث ساعة وهو كثير ومدعاة للإحباط ، وتصور أن تكون مهتماً بشجون وطنك وتُدعى للقاء المسئول الأول فيه وتذهب إليه محملاً برؤية تعتقد بأهمية طرحها للنقاش فإذا بك تجلس مستمعاً لساعتين ونصف إلى كلام اتهمه البعض صراحة بالتكرار والاستعراض ، وقد كتب الكاتب المرهف الحس محمد المخزنجى مقالة عنوانها ا ما لم أتمكن من قوله فى اللقاء مع الرئيس ا ووضع له عنواناً فرعياً «يضيع منا الطريق عندما نتصرف وكأن الآخرين لا أحد» ، وذكر أن أداء الرئيس كان أفضل من البعض الذين كأنما كانت أغلى أمانيهم أن يقولوا نحن هنا ، ثم سطر خمس أفكار بالغة الأهمية لمستقبل الوطن حرمته «بحبحات بعض المتكلمين» من طرحها كما حرمت غيره ، وهى الملاحظة نفسها التى أوردتها الكاتبة المبدعة سكينة فؤاد فى مقالها عن اللقاء بالأهرام ، وكذلك فصل الأديب الكبير يوسف القعيد فى نقد هذه الظاهرة منبهاً فى مقاله بالأهرام بعنوان «الرئيس والنخبة» إلى أنها جاءت على حساب الآخرين وحقهم فى التعبير عن رؤاهم مع أنه ا كلما اتسعت الرؤى وتنوعت كان ذلك أفضل بالنسبة للوطن ا وتساءل : هل هى مشكلة إدارة اللقاء أم نرجسية البعض ؟
يتحمل كل من حضر هذا اللقاء مسئولية أن ينتج عنه ما ينفع الوطن ويساعدنا على حل مشكلاتنا الصعبة وقد سعدت مجدداً بتأكيد مصادر رئاسية نية الرئيس مواصلة لقاءاته وتنويع الحاضرين فيها لأنها تعنى المزيد من التواصل بين الرئيس والشعب ، وأعلم أن عواجيز الفرح سوف يقولون : ولكن هذا عمل غير مؤسسى وعلينا بدلاً من هذه اللقاءات التى تذهب أدراج الرياح أن نقوى مؤسساتنا ، والرد أننا يجب أن نعترف بأن مؤسساتنا لم تنضج بعد فمجلس النواب مثلاً يفترض أن يمثل الشعب ويغنينا عن هذا كله لكننا نعلم جميعاً أن ظروف تكوينه أوجدت فيه نواقص ظاهرة ، فما الضير أن نكمل النقص بوسائل أخرى مؤقتاً ؟ وأقترح فى هذا السياق أن تجمع اللقاءات القادمة بين الطابعين الفردى والمؤسسى بمعنى أن يُختار أفراد لذواتهم فى بعض اللقاءات بينما تكون هناك سمة مؤسسية للقاءات أخرى كأن يجتمع الرئيس برؤساء النقابات أو رؤساء اتحادات الطلاب ، كما أتمنى أن يكون ثمة توازن بين من يحضرون اللقاء من حيث الاهتمامات والتخصصات ففى اللقاء الأخير لم يُمثل الاقتصاديون إلا بالاقتصادى الكبير جلال أمين ولم تكن هناك شخصية تربوية واحدة ، ولا مانع مستقبلاً من عقد لقاءات متخصصة أتمنى أن يكون أولها لقاء مع العلماء ليقينى بأن ضمان المستقبل الآمن لمصر هو علماؤها ، وليت اللقاءات القادمة تتضمن مشاركة جميع الحاضرين بوضع حدود زمنية لكل مشارك ، وأخيراً وليس آخراً أتمنى دوام هذا التقليد فقد فهمت عندما بدأ الرئيس أحاديثه إلى الشعب أنها سوف تكون منتظمة لكن هذا لم يحدث ، وأعلم أن كل هذا يضيف كثيراً إلى أعبائه لكن هذا قدره وقد قبل التحدى فلنكن جميعاً فى المعركة من أجل أن تكون مصر كما نتمناها ونريدها نُصدقه القول ونقدم له العون ونتمنى له التوفيق ولوطننا الازدهار رغم أنف الكارهين .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة