طوال ساعتين من التحقيقات في بلجيكا كشف «الداعشي» الصغير صلاح عبد السلام، حجماً كبيراً من الأسرار والمعلومات
طوال ساعتين من التحقيقات في بلجيكا كشف «الداعشي» الصغير صلاح عبد السلام، حجماً كبيراً من الأسرار والمعلومات عن الخلايا النائمة والنشطة التابعة للتنظيم المتطرف في أوروبا. كما أوضح للمحققين جوانب كثيرة كانت خافية عن تفجيرات باريس التي وقعت منتصف نوفمبر الماضي وخلفت قتلى وجرحى بالعشرات، وكان صلاح ضمن المجموعة المشاركة في حفلة القتل الجماعي مع آخرين قضى بعضهم منتحراً بأحزمتهم الناسفة وفرّ بعضهم هرباً ليصبحوا مطاردين ومطلوبين للعدالة.
من بين المعلومات المثيرة التي كشف عنها الرجل، أنه عندما حانت لحظة تفجير نفسه وسط المشجعين في الملعب الرياضي خاف وتردد وجبن ثم تراجع عن أداء المهمة ومضى يدور بسيارته باحثاً عن ملجأ آمن قبل أن يترك السيارة وحزامه الناسف في مكان مهجور، ويفرّ طالباً النجاة.
هذه المعلومة المثيرة للدهشة بالنظر إلى طبيعة الدموية لعناصر التنظيم المعروفين بالقسوة والوحشية والالتزام الصارم، إنما تكشف عن جيل جديد من المجندين في صفوف الجماعة. جيل يملك ذات الشبق المنحرف للقتل وإراقة دماء الأبرياء لكنه يخاف الموت ويخشى الاعتقال والوقوع في قبضة العدالة، جيل يتميز بالهشاشة والضعف لدرجة عدم القدرة على الصمود، وسريع الانهيار في غرف التحقيق ولا يوفر معلومة أو سراً يختص بجماعته في التنظيم.
وقالت السلطات البلجيكية إن اعترافات الرجل قادت لكشف خلايا عديدة كانت تعد لعمليات إرهابية وإن المداهمات المستندة إلى حديثه أوقعت 30 عنصراً متطرفاً ومصادرة أنواع مختلفة من الأسلحة والمتفجرات.
هذا «الداعشي» الصغير لم يتجاوز الـ27 عاماً، لكنه سيكبر ويشيخ وراء قضبان السجن وربما يلقى حتفه هناك ولن يشفع له اعترافه على نفسه من مواجهة مصيره المحتوم، فقد كان اعترافاً يشوبه الجبن والخور مثلما كانت جريمته التي شارك فيها مع الآخرين.
جيل جديد من «الدواعش» يكشف حقيقته أيضاً أحد المشاركين في تفجيرات بروكسل الأخيرة.
فقد أعلنت النيابة العامة في بلجيكا أن إبراهيم البكراوي، أحد انتحاريي المطار ترك وصيته في سلة القمامة وأنه قال فيها «لم أعد أعرف ماذا أفعل. إنني مطلوب في كل مكان». هذه كلمات يائسة من إنسان بائس ويائس ولا يمكن أن تصدر عن شخص له قضية يدافع عنها. حالة اليأس هذه كان يمكن أن تقوده إلى خطوة مماثلة لما قام به «الداعشي» الآخر. لكن بقية عناصر التنظيم قرروا تقديم موعد التفجيرات حتى يقطعوا عليه طريق التراجع.
لم يعد التنظيم المخيف مخيفاً. لقد تحطمت أنيابه في العراق وسوريا وتناقصت أعداد قياداته وعناصره القاعدية بالحملات العسكرية المنسقة وعمليات القصف والمواجهات المباشرة وتقلصت مساحات الأراضي التي بات يسيطر عليها.
وما يحدث في العراق والشام يتكرر حدوثه في باكستان وأفغانستان وفي الصومال ونيجيريا والكاميرون. تقطعت أوصال المنظمة الإرهابية وأصبحت قطعانها هاربة ومطاردة. أما في أوروبا فقد سقطت استراتيجية الترهيب وفشل مشروع الحرب الدينية.
لقد حاقت الهزيمة بالجيل الأول من «الدواعش». أما جيلهم الثاني والأخير، فإنه يهزم نفسه بنفسه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة