قلة هم أولئك الذين يحملون همّاً اجتماعياً، و يخشون أن يسهموا في نشر مف هوم خاطئ
قلة هم أولئك الذين يحملون همّاً اجتماعياً، و يخشون أن يسهموا في نشر مف هوم خاطئ، و يعملون ألف حساب للكلمة قبل أن ينطقوا بها، ويسعون دائماً لإفادة الآخرين و تقديم المساعدة. و قد نخطئ عندما نخلط بينهم و بين «المتفائلين»، فهم قد يكونون متشائمين ويحملون نظرة محبطة عن المستقبل، لكن الفرق يكمن في أنهم لا يبثون هذه الطاقة السلبية لمن حولهم. و من أمثالهم، في نظري،هاياو ميازاكي، مؤسس استوديو «غبلي»، ومؤلف «الإنيمي» الشهير كونان ولانا، المدبلج باللغة العربية إلى المسلسل الكرتوني الشهير «عدنان و لينا»، ففي فيلم وثائقي عنه تبين لي أنه شخص متشائم و لديه نظرة سوداوية عن الحياة، إلا أن أفلام «الأنيميشن» التي يؤلفها ممتلئة بالتفاؤل و الأمل والبعد الإنساني العميق، بل إنها تنتهي والمُشاهد لا يزال يفكر في كلمات مؤثرة في السيناريو، أو الفكرة العظيمة التي يخفيها الفيلم، إذ إن أفلامه غالباً ليست مباشرة بل يجب أن تفكر و تدقق كي تفهم الحكمة الغامضة بين طياتها.
هكذا نستنتج أن أولئك المهمومين اجتماعياً قد يكونون متألمين أو مجروحين لكنهم لا يؤذون مجتمعاتهم. يذكرني هذا بقصة عن رجل لم يكن يمتهن أي عمل و ليس لديه أي مصدر رزق، ببساطة كان فقيراً، إلا أنه ورث عن والده فرساً عربية أصيلة، كانت تساوي ثروة، فوصل خبره لأحد الأثرياء وأعيان البلد الذي استهان به لكونه مجرد بائس و فقير، فأرسل إليه رسولاً، أخبره أنه سيشتري الفرس منه، ثم عرض عليه مبلغاً قليلاً. و بطبيعة الحال، رفض الرجل ذلك العرض، و في نهار أحد الأيام كان يمتطي فرسه في طريقه إلى مدينة أخرى، فإذا بشخص ساقط على قارعة الطريق يئن. اقترب منه الرجل و سأله عن مشكلته فقال: إني مصاب، ولا أقوى على مواصلة الطريق إلى المدينة المجاورة حيث ستتم معالجتي، فهل يمكنك أن توصلني بفرسك إلى هناك؟ فترجل الرجل وهرع يساعد المصاب على امتطاء الفرس، فإذا به يركل الفرس ويهرب بها بعيداً، وعندما أصبح على مسافة غير قصيرة بينه و بين الرجل، صرخ به الرجل: خذ الفرس، وأعدك أني لن أسعى للقبض عليك، لكن لدي طلب، لا تقل للناس إنك سرقتني، فإني أخشى أن يكون هناك مصاب يحتاج للمساعدة فعلاً و لكن لا أحد يتوقف عنده خشية أن يتعرض للسرقة كما حدث معي.
كم أتمنى أن يكثر بيننا أمثال ذلك الرجل، فلو أن كل منا اهتم بالمصلحة العامة وفكر في تأثير أقواله وأفعاله بالمجتمع، لانتشر الخير في المجتمعات ولعادت للنصيحة قيمتها ومصداقيتها، فإني أؤمن بأن هناك الكثيرين الذين يريدون تقديم الخير، و مد يد العون، إلا أن الشك في نوايا الآخرين و كثرة الخداع و المكر، يقفان دائماً في وجوههم.
المطلوب منّا كأفراد أن نمتلك المبادئ والقيم التي تجعلنا مهمومين لأجل مصلحة مجتمعاتنا وأوطاننا. يقول والدنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله: «لقد علمتنا الصحراء أن نصبر طويلاً حتى ينبت الخير، وعلينا أن نصبر ونواصل مسيرة البناء حتى نحقق الخير لوطننا».
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة