انتظارًا لتجهيز بديل الأسد، تدخل أمريكا وروسيا من حين لآخر في جدل إعلامي؛ للتشويش على محاولات استشراف ما توصل له الطرفان من اتفاق.
يقول المثل "أسمع كلامك أصدقك.. أرى أمورك أستعجب"، وهو ما ينطبق على الموقف الأمريكي والروسي من الأزمة السورية، والذي يفاجئنا كل فترة بما هو جديد، والجديد هذه المرة تلك "الدراما الإعلامية"، التي تدور أحداثها عبر تقارير تؤكد اتفاقهما حول خارطة الطريق للخروج من الأزمة، ثم ما يلبث الطرفان أن يبادرا بنفي هذه التقارير.
وبدأت أحداث هذه الدراما مع تصريح أطلقه نائب وزير الخارجية الروسي، "سيرغي ريابكوف"، وتناقلته وسائل الإعلام الروسية، حول حدوث توافق أمريكي روسي خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لموسكو حول تأجيل الحديث عن مصير بشار الأسد في الجولة الحالية من مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية.
ولم تمر ساعات على إطلاق هذا التصريح، حتى قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، "جون كيربي"، إن "أي كلام عن تغيير وجهة نظرنا بالنسبة لمستقبل الأسد هو غير حقيقي، الأسد فقد شرعيته بالحكم ونحن لم نغير موقفنا بهذا الشأن".
وتشتعل أحداث هذه الدراما مع تقرير نشرته صحيفة "الحياة" السعودية، يوم الخميس الماضي، يشير إلى أن دبلوماسيًّا في مجلس الأمن، لم تذكر الصحيفة اسمه، كشف أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أبلغ دولًا عربية معنية بأن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم حول مستقبل العملية السياسية في سوريا، من ضمنه رحيل الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة أخرى.
ويبادر الطرفان إلى نفي ما جاء بهذا التقرير، وكانت البداية من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والذي قال، في مؤتمر صحفي عقده أول أمس مع نظيره الصربي في موسكو، إن واشنطن تنشر معلومات مضللة حول مضمون مباحثاتها مع موسكو بصدد سوريا، مؤكدًا أن المزاعم عن وجود اتفاق حول مصير الأسد ليست إلا قلبًا للحقائق.
وأضاف أن "هذه المزاعم، إنما تنمّ عن قلب للحقائق ومساع لطرح المرجو كأنه واقع"، مشيرًا إلى أن الاتفاقات بين موسكو وواشنطن تتعلق بالمبادئ الأساسية للتسوية في سوريا، ومضمون هذه الاتفاقات معروف للجميع.
ونفت أمريكا هي الأخرى من جانبها، ما جاء بهذا التقرير، وقالت اليزابيث ترودو، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، في تصريحات أوردها راديو "سوا" الأمريكي، السبت، أن المعلومات الواردة به "عارية تمامًا عن الصحة".
وشددت في الوقت ذاته، على أن موقف بلادها من الأسد لم يتغير، والذي يتمثل في ضرورة إبعاده عن السلطة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن القرارات المتعلقة بكيفية تحقيق ذلك ستحددها المفاوضات السياسية التي ستبدأ منتصف الشهر الجاري.
ما يفهم من خلال هذا الجدل الإعلامي، أنه "لا يوجد توافق أمريكي روسي على تأجيل الحديث عن مصير بشار الأسد"، وفق النفي الأمريكي لرواية نائب وزير الخارجية الروسي، كما أن "البلدان لم يتوصلا إلى تفاهم حول رحيل الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة أخرى"، وفق نفي الطرفان لتقرير صحيفة "الحياة".
إذن، فماذا كان يفعل جون كيري في موسكو خلال الزيارة التي أثارت كل هذا الجدل الإعلامي؟
لم يتحدث الطرفان بشكل رسمي عن مضمون ما جاء بهذه الزيارة، وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعهما خلالها، قالا إن موسكو وواشنطن اتفقتا على تتشيط الجهود الرامية إلى تهيئة الظروف المواتية لبدء عملية سياسية في سوريا، وأنهما ستسعيان إلى بدء مفاوضات مباشرة في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة بكل أطيافها، في أسرع وقت ممكن.
ولا تحمل هذه التصريحات الدبلوماسية أي جديد، ولكن إذا تم الربط بين هذه الزيارة وما سبقها من زيارة لموسكو قام بها في فبراير الماضي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر، والذي تجمعه صداقة قديمة مع بوتين، يصبح الحديث عن توصل الطرفان إلى اتفاق ما أمرًا غير مستبعد، ولكن لحظة إعلانه لم تحن بعد.
وليس شرطًا أن يكون محور هذا الاتفاق بشار الأسد، فقد يكون الاتفاق مرهونًا بإيجاد الشخصية البديلة التي تعيد إنتاج السياسات نفسها.
وإلى أن يصل الطرفان لهذه الشخصية، لن تنقطع دراما التصريح والتصريح المضاد، والتي تشوش على محاولات استشراف ما توصل له الطرفان من اتفاق.