"سينما عاطف الطيب" في عيون هاشم النحاس
ندوة عقدت بمركز الحضارة بدار الأوبرا المصرية لمناقشة كتاب الناقد هاشم النحاس عن رائد الواقعية المباشرة في السينما المصرية عاطف الطيب
«عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة» كتاب الناقد السينمائي هاشم النحاس الصادر أخيرا عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر، كان محور الندوة التي نظمتها الجمعية المصرية لنقاد السينما، مساء الأحد، بمركز الحضارة في دار الأوبرا المصرية، بحضور ومشاركة الناقد محمود عبدالشكور وإدارة الكاتب أسامة عفيفي.
الكتاب يقع في 392 صفحة من القطع الكبير، ويعد موسوعة ضخمة تضم كل تفاصيل أفلام رائد الواقعية السينمائية الجديدة المخرج الراحل عاطف الطيب، عكف على تأليفها وجمع مادتها الناقد والمخرج القدير هاشم النحاس ما يزيد على خمسة أعوام.
خلال المناقشة، كشف هاشم النحاس عن كثير من كواليس تأليفه للكتاب، وجوانب من العلاقة الإنسانية التي جمعته برائد تيار الواقعية المصرية في السينما، عاطف الطيب، قائلا إنه كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم شهيرًا في النادي الأهلي، لكن الحلم اختلف تمامًا في المرحلة الثانوية بعد دخوله فريق التمثيل في المدرسة؛ حيث بدأ رحلة اكتشاف الفن وعشقه التي أبعدته عن الكرة واللعب في الشارع إلى الجلوس في قصور الثقافة مشاهدًا المسرحيات والأفلام. وهكذا بعد أن كان طالبًا مثاليًا، أصبح "مشاهدًا مثاليًا" لأفلام السينما، وأصبح قارئًا نهما يوزع طاقاته بين الروايات وكتب الأدب والتاريخ والأساطير، ولعل هذا الاهتمام المبكر بالأدب كان وراء محاولاته لتحويل بعض الروايات الأدبية إلى أفلام، وكان في مقدمتها وأنجحها «الحب فوق هضبة الهرم» لكن أجرأها كانت محاولته تحويل رواية نجيب محفوظ الفكرية «قلب الليل» إلى فيلم يحمل العنوان نفسه.
من هذه النقطة، التقط الناقد محمود عبدالشكور خيط الحديث عن المخرج الراحل عاطف الطيب، قائلا إن فيلم «قلب الليل»، مثلا، لعاطف الطيب، يعد أحد أكثر المحاولات طموحًا لتقديم أفكار نجيب محفوظ الفلسفية من خلال فن السينما.
يتابع عبدالشكور: الطيب ينتقل هنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه "الواقعية الرمزية"، ويقدمها بمستوى احترافي شديد الوعي والطموح، كل الممثلين كانوا في أفضل حالاتهم، الإضاءة أوحت بعالم آخر مواز في البيت الكبير، الديكور أيضًا كان مميزًا ومعبرًا، سواء في أماكن مروانة أو في قصر هدى، حتى الأفيش كان رائعًا ومستوعبًا لمعنى الحكاية: جعفر في صرخة وجودية لا تنتهي على خلفية سوداء، وكأنه يصرخ في الجد الذي يحتل أعلى الأفيش، وأسفل جعفر وجوه ضاعفت من حيرته، لقد هبط الإنسان مطرودًا على الأرض، ليواجه بمفرده ليل الحيرة والشر، وليس أمامه إلا أن يستمر حتى النهاية، هذا هو معنى الفيلم الهام الذي يستحق مكانة أعلى بكثير مما وضعه فيها شباك التذاكر، أو حتى آراء بعض النقاد.
وأكد عبدالشكور أنه لو كانت هناك خمسة أفلام فقط هي الأفضل في مسيرة المخرج عاطف الطيب، فلا بد أن يكون من بينها «قلب الليل».
وواصل النحاس الحديث عن كتابه وتفاصيل دراسته التفصيلية لسينما عاطف الطيب، قائلا إن ما أكسب الطيب أصول المهنة وتقنياتها كان تتلمذه على أيدي الجيل الثاني من رواد السينما المصرية؛ حيث عمل مساعدًا للإخراج مع شادي عبدالسلام في فيلم «جيوش الشمس» عام 1973، ومع يوسف شاهين في «إسكندرية ليه» 1979، ومع محمد شبل في فيلم «أنياب» 1981، كما تلقى الطيب فن السينما على أيدي الغربيين ولكنه تلقاه في مصر؛ حيث عمل مساعدًا للإخراج مع المخرجين الأجانب الذين صوروا أفلامهم في مصر مثل لويس جلبرت في فيلم «الجاسوس الذي أحبني»، وجون غيلرمان في «جريمة على النيل»، ومايكل بانويل في «الصحوة»، وفيليب ليلوك في «توت عنخ أمون»، وفرانكلين شافنر «أبو الهول».
وأضاف النحاس أن هذه الخبرة الواسعة التي اكتسبها عاطف الطيب في هذه الفترة بعمله مساعدًا للإخراج سواء مع جيل الرواد من المصريين أو مع المخرجين الأجانب أكسبته مهارة واضحة في إدارة عمله كمخرج لأفلامه.
وكشف النحاس عن أن الطيب في بداية حياته العملية في الإخراج أسس مع أصدقائه (بشير الديك ومحمد خان ونادية شكري) شركة إنتاج أطلقوا عليها اسم «الصحبة» وشاركوا في إنتاج فيلم «الحريف» للمخرج محمد خان، وكان الطيب المسؤول الإداري عن التنفيذ والإنتاج.
مؤلف الكتاب، محور الندوة، هاشم النحاس واحد من أهم المخرجين التسجيليين بمصر، ونقاد السينما أيضًا، وتم اختيار فيلمه «النيل أرزاق» ضمن أهم 100 فيلم تسجيلي على مستوى العالم في القرن العشرين في مهرجان برلين بألمانيا.
كما يعد النحاس أيضًا من أهم المثقفين والنقاد في مصر والوطن العربي، وتم تكريمه من جمعية النقاد المصريين على هامش المهرجان السينمائي الدولي الأخير بحضور عدد من كبار الكتاب والنقاد المصريين والعرب.
عاطف الطيب، من أهم مخرجي السينما في مصر والعالم العربي، تخرج في المعهد العالي للسينما، قسم الإخراج، وعمل أثناء الدراسة مساعدًا للإخراج، ثم التحق عقب تخرجه بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة التي شهدت حرب أكتوبر 1973 وخلال تلك الفترة أخرج فيلمًا قصيرًا هو «جريدة الصباح» 1972 من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة، وكانت فترة الجيش بالنسبة لعاطف الطيب فترة تكوين ذهني وفكري، انعكست على واحد من أهم أفلامه «سواق الأوتوبيس».
عمل الطيب في عام 1973 مساعدًا للمخرج شادي عبدالسلام في فيلم «جيوش الشمس»، ولم يتمكن عاطف الطيب من إتمام فيلمه الأخير «جبر الخواطر» لوفاته؛، حيث قام المونتير أحمد متولي بعملية مونتاج الفيلم منفردًا.
توفي عاطف الطيب في 23 يونيو 1995 عن عمر ناهز الـ47، إثر أزمة قلبية حادة بعد إجرائه عملية في القلب، وقد قدم خلال خمسة عشر عامًا هي مشوار حياته الفني واحدًا وعشرين فيلمًا سعى فيها إلى تقديم صورة واقعية عن المواطن المصري والمجتمع المصري.