جيلبرت سينويه: محمد علي المؤسس.. شخصيةٌ "روائية" بامتياز
استضافت القاهرة الكاتب الفرنسي الشهير جلبيرت سينويه في لقاء حاشد حول كتابه عن مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا
حضور حاشد وكبير لمثقفين وكتاب وإعلاميين مصريين، في اللقاء الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة للكاتب والروائي الفرنسي الشهير جلبيرت سينويه، على هامش زيارته للقاهرة، في عدد من الفعاليات الثقافية بمناسبة صدور أحدث أعماله الروائية «أحياء القمر الخمسة»، عن دار فلاماريون للنشر.
عُقد اللقاء بقاعة الندوات الكبرى بالمجلس الأعلى للثقافة، واشترك في المناقشة وإدارة اللقاء كل من الدكتورة أمل الصبان، أمين المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة. كان محور اللقاء مناقشة كتاب سينويه المترجم إلى العربية «الفرعون الأخير محمد علي»، الصادر عن منشورات الجمل.
ألقى سينويه بأضواء كاشفة عن كواليس كتابه، واختياره للموضوع، وعنوانه، وقال إنه عند الإعلان عن عزمه كتابة كتاب عن محمد علي، ذهبت المخيلة الغربية والمجتمع الفرنسي إلى أنه سيكتب عن الملاكم الشهير محمد علي كلاي، باعتباره هو الأشهر ممن يحملون اسم "محمد علي"! وأضاف سينويه أنه حين أفصح وكشف عن حقيقة الشخصية التي سيتناولها في عمله الروائي اندهش الوسط الثقافي الفرنسي من اختياره لتلك الشخصية وتناوله لها في مسيرته التاريخية عبر عمل روائي.
وبرر سينويه اختياره لشخصية محمد علي باشا أو "الفرعون الأخير" كما أطلق عليه في عنوان الرواية، بأنه شخصية روائية بامتياز؛ لأنه أولا جمع بين عدة أمور عظيمة يصعب الجمع بينها فهو الرجل القوي والحاكم المؤسس لكثير من الأمور في بر مصر، وثانيا لأنه أنجز عددا من الأعمال الكبرى التي لا يستطيع مؤرخ منصف أن ينكرها، وثالثا لأنه جمع بين جنباته روحا فرعونية مكنته من تأسيس الكثير من المشروعات العملاقة كبناء السدود والقناطر وإنشاء المصانع وتأسيس أسطول بحري هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط وفي بلد لا ينتج الأخشاب ولم يكن يستوردها، فضلا عن تأسيسه في ذلك الوقت أقوى جيش مصري في العالم آنذاك.
وأكد سينويه أن الامبراطورية التي أسسها محمد علي امتدت من الخليج حتى صحراء ليبيا، ومن السودان إلى البحر المتوسط، وكانت تعادل عشرة أضعاف مساحة فرنسا، ونصف أوروبا، وعندما أوشك على الموت، كانت هذه الإمبراطورية تتسلل من بين يديه، وهذا ما جعله يتابع حتى الموت تلك المغامرة اللامعقولة، لرجل قولة المغامر الذي ذهب ورثته الى حدّ الادعاء بأن مصر لهم بحكم الوراثة.
واعتبر سينويه، وللأسباب السابق ذكرها، أن شخصية محمد علي شخصية مغرية بالكتابة وجذابة جدا لتناولها في عمل روائي، يسرد حياته ويتناول محطاته المفصلية منذ وصول بونابرت بقواته إلى مصر (الحملة الفرنسية 1798-1801) واحتلاله لها، ثم جلائه عنها، وما تبع ذلك من ظهور نجم محمد علي حتى استطاع حكم مصر في العام 1805، وكون أكبر إمبراطورية من نوعها في الشرق الأوسط آنذاك.
أما الدكتورة أمل الصبان، أمين المجلس الأعلى للثقافة، فقالت في مداخلتها إن جيلبرت سينويه من المولعين بحب هذا البلد (مصر)، ودائما ما كان سينويه أحد كبار المدافعين عن الثورة المصرية والمتحمسين لها والمدافعين عنها، كما أشارت إلى أن سينويه من أهم الكتاب الذين قدموا مراجعة وبحثا روائيا فريدا عن مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا.
في ما قال الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة، إن مصر دائمًا تحمل مناخًا تاريخيًا عريقًا في كافة العصور، خاصة العصر الفرعوني، موضحًا أن الكاتب صنع نموذجًا فريدًا لكتابه قصة محمد على وافتتاح قناة السويس، مشيرا إلى أنه انبهر بكمية المعرفة الكبيرة التى وصل لها الكاتب الفرنسي المختص بكافة الشئون المصرية اليومية، معتبرا أن روح الكاتب "عايشة فى مصر".
يدور كتاب «الفرعون الأخير محمد علي» حول سيرة تاجر التبغ التركي من أصل ألباني الذي ولد في مقدونيا، ووصل إلى شواطئ النيل، وأصبح ضابطاً في جيش الخليفة العثماني، ثم أرسل إلى القطر المصري على رأس ثلاثمائة من المرتزقة الألبانيين، لكي يشارك في النضال ضد جيش بونابرت، وبعد تحطيم الأسطول الإنجليزي للأسطول الفرنسي في «أبو قير» 1801، تولى رئاسة المجموعة المقاتلة القادمة من ألبانيا.
يجسد محمد علي، أعجوبة مصر أو معجزتها، بمساعدة أبنائه وعلى رأسهم إبراهيم أكثرهم تميزاً، فيقود المعركة من السودان حتى جبال طوروس ويفتح سورية والحجاز، ويضعف بأمر من السلطان من شأن الوهابيين، ادخل الاصلاح الزراعي وجدّد ما لديه على كل المستويات العسكرية والعلمية على حدّ سواء، ولم ينسَ القضايا الزراعية والقانوية والصحية والمالية والتجارية، خدمة لهذا البلد.
جيلبرت سينويه، كاتب روائي وقاص وسيناريست فرنسي، من مواليد القاهرة عام 1947، وغادرها وهو في التاسعة عشرة من عمره، ليستقر في باريس عام 1968، بعد أن أنهى دراسته بمدرسة الجيزويت، وهناك يقرر دراسة الموسيقى في معهد الدراسات الموسيقية بباريس، تخصص في الجيتار الكلاسيكي وتخرج في مدرسة الموسيقى. قام بتأليف أغاني للعديد من الفنانين مثل: داليدا وجان ماريه وكلود فرانسوا وغيرهم، قبل أن يتجه إلى الأدب. صدر له حتى الآن أكثر من ثلاثين عملا ما بين روايات ومقالات رأي وسير ذاتية. أصدر روايته الأولى في عام 1987، وهو في عمر الأربعين، وحصل على العديد من الجوائز، وصار من أشهر الكتاب في القصة والرواية فضلا عن ممارسته لكتابة النصوص التليفزيونية والسيناريو.
من أشهر أعماله: " Avicenne ou la Route d’Ispahan " (ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان) (جاليمار 1989)، " Le Livre de Saphir " (كتاب سفير) (دونويل 1996)، جائزة ليبرير (المكتبات) عام 1996، " Les Silences de Dieu " (صمت الإله) (ألبان ميشيل، 2003)، الجائزة الكبرى في الأدب البوليسي 2004، " L’Aigle égyptien " (النسر المصري) سيرة ذاتية لجمال عبد الناصر (تالاندييه، 2015)، ومؤخرًا قصة من ثلاثة أجزاء: " Inch' Allah " إنشا الله (فلاماريون، 2010 و2016) وفيها يسرد تاريخ الشرق الأوسط ما بين 1918 و2011. وتُختتم الثلاثية بـ" Les cinq quartiers de la lune " (أحياء القمر الخمسة).
ومن أعماله التي ترجمت إلى اللغة العربية: «ابنة النيل»، «اللوح الأزرق»، «إخناتون»، «صمت الآلهة»، «البكباشي والملك الطفل ـ مذكرات من مصر»، «يريفان»، ... وغيرها.