في ظل اختراق سعر الدولار حاجز 10.20 جنيهات رغم خفض المركزي سعر الجنيه 13% منتصف الشهر الماضي، تزداد التكهنات بخفض الجنيه رسميًا
لم يدُم انتعاش الجنيه المصري طويلاً عقب اتخاذ البنك المركزي خطوة تعويم جزئي تتسم بالجرأة دفعت الجنيه للتراجع 13% دفعة واحدة مقابل الدولار الشهر الماضي، وأدت هذه الخطوة إلى انحسار مؤقت بالسوق الموازية وهبوط سعر الجنيه من 10 جنيهات إلى قرب 9 جنيهات، ولكن هي 10 أيام فقط حتى استعادت السوق السوداء نشاطها واخترق الدولار مستوى 10.20 جنيهات.
هذا التدهور الحاد في سعر الجنيه يأتي وسط عدد من المؤشرات المتضاربة سلبًا وإيجابًا، والتي بدورها تجعل مستقبل بوصلة العملة المصرية مُبهم.
ففي الوقت الذي أعلن فيه محافظ البنك المركزي طارق عامر عن ضخ 22 مليار دولار بالسوق للإفراج عن البضائع المُكدسة بالموانئ منذ توليه المسئولية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حتى مطلع مارس/آذار الماضي، ما زالت ترتفع فيه شكاوى المستوردين من عدم وفرة الدولار وتذمر الشركات الأجنبية من تأخر تدبير النقد الأجنبي لتحويل أرباحهم إلى الشركات الأم خارج البلاد.
الأمر الذي يُعرض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي للاستنزاف دون أن تُحل جذور الأزمة، ويتزامن هذا مع استمرار تراجع مصادر النقد الأجنبي وفي المُقابل زيادة الالتزامات.
وهو ما يكشفه قفزة عجز ميزان المدفوعات مع العالم الخارجي خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية بنحو 240% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي ليبلغ نحو 3.4 مليار دولار، مدفوعًا بتراجع إيرادات السياحة وصادرات مصر من النفط وهبوط تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 26%.
هذا فضلاً عن تراجع الصادرات السلعية بمعدل 26% في ظل التراجع العالمي لأسعار النفط، حيث يساهم البترول الخام مساهمة رئيسية في الصادرات السلعية لمصر.
كل هذه العوامل تُعيد طرح عدة أسئلة تشغل بال مُتابعي الشأن الاقتصادي المصري هل سيواصل سعر الدولار ارتفاعه الجنوني والذي يلقي بظلاله على أسعار السلع والخدمات؟ وهل هناك قرار جديد سيتخذه البنك المركزي بخفض الجنيه بعد خطوة الجزئي الشهر الماضي؟ وهل هناك خطوات أخرى مُنتظرة من قبل المجموعة الوزارية الاقتصادية لتدعيم قرارت المركزي؟
"الدولار سيواصل تسجيل أرقامًا قياسية مقابل الجنيه طالما ترك البنك المركزي هامشًا للمضاربة بين السعر الرسمي والسعر العادل الذي تستوجب أن تكون عليه العملة المحلية" بحسب أيمن إسماعيل الشريك الاستثماري بشركة جرافتون كابيتال.
وقال إسماعيل لبوابة "العين" الإخبارية، إن المضاربين بالعملة يراهنون هذه الفترة على استمرار مواجهة الاحتياطي النقدي الأجنبي ضغوطًا لا تسمح بتمكين المركزي من ضخ سيولة كافية للبنوك تغطي احتياجات السوق من المستوردين والشركات الأجنبية والأفراد.
وأعلن البنك المركزي قبل أيام عن ارتفاع صافي احتياطي النقد الأجنبي بنحو 27 مليون دولار في مارس/آذار 2016، مقارنة بفبراير/شباط ليصل إلى 16.56 مليار دولار.
وأشار إسماعيل إلى أن البنك المركزي يعلم جيدًا أن هناك دواءً مُرًّا على البلاد تجرعه كأحد الحلول ضمن حزمة ينبغي اتخاذها، وهو خفض جديد لسعر العملة المحلية حتى تتداول عند السعر العادل الذي لا يسمح بوجود هامش للمضاربة عليه.
وتابع: لكن المركزي يفضل حتى الآن اتخاذ الخطوات تدريجية أو بمعنى أدق ترقب ردة فعل السوق لكل قرار مثلما حدث مع قرار خفض الجنيه 13% الشهر الماضي، إلا أن النتائج أثبتت أن السوق تتطلب التعايش مع الواقع فيما يتعلق بسعر الجنيه؛ لأن المضاربين يستغلون أي هامش للتربح إن وجد على حساب سعر العملة.
وأكد أن هناك فارقًا بين السعر العادل وتعويم الجنيه، فالأول هو سعر يتراوح بين 9.25 إلى 9.25 جنيه مقابل الدولار ويتم حسابه من خلال معادلات تستند إلى ميزان المدفوعات، أو قياس سعر الجنيه مقابل العملة الخضراء بناءً على سعر الفائدة على كل عملة، وهنا الأمر يسمح بتدخل المركزي لمُساندة الجنيه ضد ضغوط المضاربين طالما كان عند سعره العادل.
وتابع: أما تعويم العملة فهو يعني إخضاع العملة لحرية كاملة لحركة العرض والطلب، ومصر مازالت غير مهيئة لهذه الخطوة التي تتطلب وفرة كبيرة من النقد الأجنبي واستدامة تحقيق فائض بميزان المدفوعات حتى لا تهوى العملة لمستويات خطيرة ترفع معها معدلات التضخم بشدة.
وأوضح الشريك الاستثماري لشركة جرافتون كابيتال أن خطوة المركزي السابقة بالتعويم الجزئي للجنيه، بالتزامن مع إطلاق البنك الأهلي آلية للحفاظ على قيمة استثمارات الأجانب في السندات الحكومية أدت إلى جذب سيولة أجنبية جديدة، وهذه إشارة على أن خفض الجنيه للسعر العادل سيؤدي إلى إقناع المستثمرين الأجانب بضخ المزيد من الأموال في البلاد.
وصرح محافظ البنك المركزي في 26 مارس/آذار الماضي عن جذب مصر 500 مليون دولار في المحافظ المالية عقب خفض الجنيه.
فيما سجل المستثمرون الأجانب صافي مشتريات بالبورصة خلال الشهر الماضي بقيمة قدره 342.62 مليون جنيه ما يعادل 39 مليون دولار.
ويأتي ذلك في ظل إطلاق البنك الأهلي آلية جديدة تضمن للمستثمرين الأجانب في سوق الدين المحلية عدم التعرض لأية خسائر ناجمة عن تقلب سعر الجنيه، وهذه الآلية عبارة عن عقود تحوط كُلي ضد المخاطر، حيث تضم خيار شراء يتيح للمستثمرين التخارج من أذون وسندات الخزانة بنفس سعر الشراء في حالة انخفاض سعر الجنيه.
ويتوقع طارق عامر أن ترتفع استثمارات الأجانب بأذون وسندات الخزانة بنحو 15 إلى 20 مليار دولار بنهاية العام الجاري، علمًا بأنه تجاوز 10 مليارات دولار قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وبرأى الشريك الاستثماري بشركة جرافتون كابيتال أن هناك مؤشرات إيجابية تدعم خطوة خفض الجنيه مثل توقيع مصر إتفاقية مع السعودية تتضمن تمويل الاحتياجات النفطية لمصر لمدة 5 سنوات بقيمة 20 مليار دولار، بخلاف 1.5 مليار دولار لتنمية سيناء، وهناك قرض بمليار دولار مُنتظر من البنك الدولي، ما يعني استقبال تدفقات أجنبية تعزز موقف احتياطيات البلاد.
وأوضح أن خفض الجنيه للسعر العادل سيمنع استنزاف هذه الموارد دون تحقيق نتائج ملموسة كما حدث خلال العامين الماضيين، فضلاً عن إعادة جذب الجهاز المصرفي الرسمي لتحويلات المصريين في الخارج نظرًا؛ لأن ما يستقبله الآن لا يتجاوز 10% من قيمة التحويلات، مقابل 90% تستقبطها السوق الموازية.
واتفق مع الرأي السابق هاني جنينه رئيس قطاع البحوث ببنك الاستثمار بلتون، حيث أشار في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية إلى أن البنك المركزي لم يعد أمامه خيارًا سوى خفض الجنيه مقابل الدولار إلى مستوى 9.5 جنيه.
وأَوضح أن المستثمرين الأجانب يترقبون وصول الجنيه للسعر العادل حتى يبدأون ضخ أموالهم في السوق تفاديًا لتكبدهم خسائر في حال توجيه استثمارات الآن ثم تعرض الجنيه للهبوط.
وأشار جنينه إلى أن هناك بعدًا هامًّا أيضًا، وهو ارتفاع العملات العالمية أمام الدولار الأسابيع الماضية نتيجة تراجع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خطوة رفع سعر الفائدة على الدولار مرة أخرى الآن، الأمر الذي سيدفع البنوك المركزية بعدة دول مثل تركيا واليابان والصين لخفض الفائدة على عملاتهم في خطوة تستهدف خفض العملة.
وأضاف أن هذه الخطوة ستلزم مصر بخفض عملاتها هي الأخرى حتى تحافظ على تنافسية الصادرات بالأسواق الخارجية، وكذلك تدعيم أسعار المنتجات المحلية مقابل المستوردة.
من جانبه شدد رامي عرابي محلل الاقتصاد الكُلي بشركة مباشر إنترناشيونال في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية على أن البنك المركزي لن يتمكن التحرك بمفرده للتغلب على أزمة السوق السوداء، فالأمر مرهون بتحرك باقي الوزرات في إنجاز ملفاتها مثل وزارة الاستثمار في جذب استثمارات أجنبية مباشرة عبر تفعيل آلية الشباك الواحد وتقديم تسهيلات للمستثمرين في استخراج التراخيص.
وارتفع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف من 2015/ 2016 إلى 3.1 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام المالي الماضي، غير أنه ما زال أقل من مستهدفات الحكومة التي تدور حول 8 إلى 10 مليارات دولار خلال العام بأكمله.
وأشار رامي إلى أن وزارة السياحة عليها أيضًا التحرك بقوة في ملف تنشيط السياحة، فالمؤشرات حتى الآن تكشف عن تراجع أعداد السياح الوافدين خلال أول شهرين من العام، وهو أمر يجب تداركه إذ أرادنا دعم سعر الجنيه.
وبحسب تصريحات شريف إسماعيل رئيس الوزراء المصري مطلع مارس/آذار الماضي، فإن مصر فقدت تدفقات من نشاط السياحة بقيمة 1.3 مليار دولار منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
aXA6IDMuMTQ3LjUzLjkwIA==
جزيرة ام اند امز