قرارات التقشف أضرت بسمعة بلجيكا وزادت قوة الإرهابيين
ارتبط أغلب أسماء منفّذي سلسلة الهجمات الإرهابية والتفجيرية في السنوات الأخيرة، بشوارع ضاحية مولنبيك في منطقة بروكسل البلجيكية، لا سيما التفجيرات التي استهدفت ستة مواقع حيوية في العاصمة الفرنسية باريس، وأودت بحياة 130 شخصًا وإصابة المئات، في ١٣نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، ليصبح السؤال الأكثر طرحًا: "لماذا بلجيكا تحديدًا؟".
يأتي السؤال بعد أن كشفت التحقيقات أن أحد الانتحاريين والمتهم الأول بأنه العقل المدبر لهجمات باريس الأخيرة عبد الحميد أباعود، يقطن مع عائلته على بعد بضعة كيلومترات من ضاحية مولنبيك في منطقة بروكسل، ذلك الحي البلجيكي الذي اشتهر بوجود أغلى أنواع الخمور والشيكولاته والكتب، ليصبح الآن الحي الأكثر شهرة في أوساط المتطرفين الأوروبيين، ومرتعًا للحصول على الأسلحة غير المشروعة، مما دفع البعض إلى أن يطلق عليه "قندهار بلجيكا" أو "الرقة البلجيكية".
وتشير وكالة أنباء "أسوشيتد برس" الأمريكية إلى أن موقع بلجيكا الجغرافي في قلب أوروبا، وتقاسمها الحدود واللغة مع فرنسا، جعلاها مكانًا مناسبًا للجهاديين المبتدئين في فرنسا، فضلًا عن انقسامها السياسي بين كل من فرنسا وهولندا، الذي أسهم في خلق حالة من الفوضى البيروقراطية في الأمن والعدالة.
وانطلاقًا من تصريحات رئيس الوزراء حتى المستويات السفلى، فإن هناك طبيعة تركيب معقدة وهيكل غير مترابط للحكومة الوطنية البلجيكية من الداخل، مما يعوق عملية محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة، الأمر الذي استدركه لاحقًا رئيس الوزراء شارلس ميشيل، في أثناء خطابه مع المشرعين، الخميس الماضي، بقوله: "لذلك يتوجب علينا أن نفعل المزيد وبشكل أفضل"، وذلك في إطار إعلانه عددًا كبيرًا من التدابير والإجراءات الجديدة لمكافحة التطرف والإرهاب.
وعلى مدار عدة سنوات، برزت دعاوى تمويل صفوف الأمن والقضاء، لكن التقدم كان بطيئا في ظل منافسة الفرقاء السياسيين، وكذلك إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة.
كما أن بلجيكا تعاني حالة من الشقاق والنزاع بين السلطات المحلية في العاصمة بروكسل، وكذلك السلطات القضائية في ما يتعلق بالمسائل والأمور الأمنية والقضائية، إضافة إلى ذلك، فإن النظام الذي غالبًا ما يقوم بحظر ومنع رجال الشرطة من عبور الحدود، نظرًا إلى افتقارهم إلى عنصر الاختصاص في العمل القضائي في الدول المجاورة، يُفيد المجرمين والجماعات المتطرفة من ميزة الحدود السياسية المفتوحة بين الدول الأوروبية، مما يجعل السبب وراء ظهور تلك الجماعات والعمليات الإرهابية في بلجيكا واضحًا وجليًّا.
ويقول مدير مركز مكافحة الإرهاب في جامعة "ليدن" البلجيكية إيدوين بيكر، إن هذه الجماعات تقوم بالبحث عن مناطق خاصة في أوروبا، لمزاولة أنشطتهم بمنأى عن الجميع بحيث لا يمكن تتبعهم أو ملاحقتهم من قبل السلطات الأمنية المختصة.
ومن أبرز الإرهابيين المقيمين في بلجيكا عبد الحميد أباعود، العقل المنظم والمدبر لهجمات باريس، والذي قُتل في مداهمة بوليسية خارج باريس يوم الأربعاء الماضي، وكذلك الفرنسي صلاح عبد السلام، الذي ثبت ضلوعه في الهجمات الفرنسية الأخيرة، والذي كان يقيم أيضًا في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ فترة طويلة، مع شقيقه إبراهيم، الذي فجر نفسه في تفجيرات باريس الأخيرة، وآخر يُدعى بلال حفدي.
أعلنت السلطات البلجيكية، السبت، رفع حالة التأهب القصوى إلى أعلى درجاتها، على خلفية معلومات دقيقة تنذر بوقوع هجمات على غرار هجمات باريس، وهو ما تبعه انتشار دوريات ورجال الشرطة والجنود المدججين بالأسلحة في تقاطعات المدينة الرئيسية، كما تم إغلاق مترو الأنفاق والعديد من المتاجر أبوابها، فيما دعت مواطنيها على تجنب المناطق التي يتجمع فيها أعداد كبيرة من الناس.
أوروبا تتأهب لصد الإرهابيين
ولفتت وكالة "أسوشيتد برس" إلى أنه حتى عام ٢٠٠٦، كانت بلجيكا تمتلك قانونًا يسهّل استخدام السلاح وفقًا للمعايير الأوروبية، كما أن عديدًا من الأسلحة المستخدمة في حروب البلقان منذ التسعينيات وجدت طريقًا سهلًا في عالم الجريمة الجنائية الخفي في بلجيكا.
في السياق ذاته، أثّرت إجراءات التقشف بشكل سلبي على وزارة العدل، مما جعلها عاجزة وأقل قدرة على البحث في الأسباب الجذرية لمشكلة السلاح، فأصبح بإمكان أي شخص أن يحمل سلاحًا ثقيلا في العاصمة، مما أسهم في رفع معدلات الجريمة والإرهاب، حسبما أشار مستشار الأمن لرئيس الوزراء وأستاذ العلوم الجنائية في جامعة "غينت" بريس دي رويفر.
وأعلن رئيس الحكومة عن عزمه شن حملة ضد مساجد وأماكن العبادة السرية لتلك الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي انتشرت بشكل واسع في البلاد في الآونة الأخيرة، مضيفًا: "إنه لَكابوس مخيف أن تتحمل الحكومة تبعات ذلك الانقسام اللغوي والسياسي في عملية صنع القرارات في مثل تلك الظروف".
على جانب آخر، أعلنت مجموعة من دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعزيز إجراءات الأمن ورفع مستوى التهديد الأمني المحتمل عقب الهجمات التي تعرضت لها باريس، بينما أعلن ديفيد كاميرون أن حكومته ستُبقي حالة التأهب الأمني القصوى في البلاد.