انسحاب المرأة من سوق العمل.. أرقام مزعجة وظروف صعبة بالأردن
ثلثا النساء المنسحبات تبدين استعدادهن للعدول عن فكرة ترك العمل لو توفر لهن عمل أكثر مرونة.. أرقام مزعجة تعبر عن واقع صعب، ما هي؟
لم تستطع المهندسة عالية القضاة، التي تبلغ من العمر 38 عاماً، الاستمرار في عملها، وفضلت الاستقالة والبقاء مع أطفالها الثلاثة لسوء الظروف التي عاشتها.
تقول عالية: "لم يعد لدي المقدرة على الموازنة بين عملي وعائلتي، وقررت أنا وزوجي في وقتها أن أفضل حل هو استقدام خادمة، وبالفعل جاءت الخادمة وبدأت المشاكل بعدها. في البداية كنت معتمدة على أمي في تربية أطفالي أثناء وجودي في العمل، إلا أنها سافرت وبقي الأطفال لوحدهم. اكتشفت أنا وزوجي بالصدفة أن الخادمة تستخدم دواء مخدرا لابننا الصغير لتجعله دوماً يشعر بالنعاس، وهذا يؤثر على الدماغ على المدى البعيد. وبعد هذا أيقنت ألا أحد قد يقوم بدور الأم".
وتضيف: "سمعت تعليقات عديدة من المحيطين بي، مثل (أنتي مهندسة وشهادتك معلقة على الحائط، فما الفائدة منها)، وهذه التعليقات تركت أثراً سلبياً على نفسيتي، خاصة أنني كنت أحب مهنتي، وكنت أعمل بشركة عالمية وأحصل على أجر ممتاز، لكن ما فائدة كل هذا إن كان أطفالي سيتضررون وعلاقتي بزوجي على حافة النهاية!"
أما رنا بدران، وهي معلمة لغة إنجليزية، تبلغ من العمر 24 عاماً، فتعترف بأنها لم تترك عملها برغبة منها، بل لعبت والدة زوجها "حماتها" دورا كبيرا في إقناع زوجها بأن يضغط عليها نفسياً لتترك العمل، وبالفعل انسحبت من العمل بحجة أن المدارس التي عملت بها لا يؤمنون لها الدخل الذي يستحق كل هذا العناء.
تقول رنا: "لم تكن لدي خبرة جيدة في مجال العمل، مما جعلني انتقل من مدرسة لأخرى، وتختلف سياسة كل مدرسة عن الأخرى، وفي العديد منها لم يمنحوني الراتب الذي اتفقنا عليه، ومع ذلك كنت مقتنعة أنني يجب أن أتعب في بداية حياتي المهنية حتى يصبح لدي خبرة وبعدها أعمل في المدارس المعروفة، زوجي وجد أن عملي مرهقا دون نتيجة، وأن دخله كاف ولا يتطلب عملي ولن يساهم في تحسين وضع المنزل اقتصادياً، ومن هنا بدأ إصراره يوماً بعد يوم لأترك العمل، وازدادت الأمور حدة بعد أن حملت وزاد خوفه على الجنين، فتركت العمل دون قناعة".
عمل مرن
مدير وحدة الدراسات والسياسات في المجلس الأعلى للسكان، علي دعجة، يشير إلى دراسة بعنوان "انسحاب المرأة من سوق العمل الأردني"، أجرتها مؤسسة الضمان الاجتماعي والمجلس العلى للسكان لعام 2015، تبين من خلال دراسة عينة تبلغ 600 سيدة، تتراوح أعمارهن بين 25 و34 عاما، أن 34% من النساء المنسحبات تركن العمل بسبب ظروف عائلية لم يردن الإفصاح عنها، و11% تركن العمل بسبب عبء تربية الأولاد، و9% بسبب الزواج، و7% بسبب استغناء الشركة عن خدماتهن، و6% بسبب سوء معاملة صاحب العمل و6% بسبب تدني الأجر، و5% بسبب السفر للخارج.
ويقول دعجة إن 54% من المنسحبات كن يعتمدن على الأهل في رعاية أطفالهن خلال فترة غيابهن عن المنزل، مقابل 22% فقط يعتمدن على الحضانات. وبلغت نسبة النساء المنسحبات المتزوجات 78%، والثلث منهن متزوجات منذ فترة قصيرة (أقل من سنتين)، وأبدت ثلثا النساء المنسحبات أي ما يتراوح بين 63% و71% استعدادهن للعدول عن فكرة ترك العمل فيما لو توفر لهن عمل أكثر مرونة مثل العمل من المنزل أو العمل بدوام جزئي أو اختيار ساعات عمل أكثر مواءمة لظروفهن.
الظروف المحيطة
المديرة التنفيذية لجمعية نادي صاحبات الأعمال والمهن، هديل القاق، تؤكد وجود عدة أسباب تجعل المرأة الأردنية تنسحب من سوق العمل، ومن أهمها ساعات العمل الطويلة التي يجبرها قانون العمل بالالتزام بها، وتقدر بتسع ساعات وأحياناً أكثر من ذلك في بعض الوظائف. وأوضحت أن المرأة لديها العديد من المسؤوليات، بما يشكل بالنسبة لها تحدياً، خاصة إن كانت متزوجة، فهي تشعر بالحيرة والضغط النفسي خلال محاولتها أن توازن بين العمل والواجبات المسؤولة عنها.
وتقول القاق إن من بين أهم الأسباب عدم وجود حضانات في معظم مؤسسات العمل، وإذا أرادت أن تضع أطفالها في حضانة خارجية ذات بيئة جيدة سيكون عليها دفع تكاليف شهرية عالية نوعاً ما، بالإضافة إلى عدم وجود نظام مواصلات جيد يمكن للمرأة أن تعتمد عليه.
تضيف: "بحسب الدراسات تتراوح نسبة المرأة في سوق العمل بين 12% و15% من سوق العمل، وهي نسبة قليلة. وهناك عامل مهم أيضاً يجعل المرأة تنسحب وهو الفرق في الأجر بينها وبين الرجل، فتكون المرأة تشغل وظيفة مماثلة للرجل إلا أنها تحصل على أجر أقل بـ60% منه".
وتلفت إلى أن نسبة التعليم للمرأة في الأردن أكثر من الرجل، لكن مشاركتها في سوق العمل أقل. كما أن السيدات اللواتي يرغبن في تأسيس مشروع خاص بهن، تتعرضن لضغوط عديدة مثل: عدم وجود التمويل الكافي، وضعف الخبرات العملية، والقدرة على تسويق الأعمال، وعدم وجود بيئة تشابكية مناسبة.
وتقول هديل القاق: "نحاول من خلال الجمعية أن نساعد السيدات للبدء بمشاريعهن الخاصة من خلال التدريب وتوفير معلومات تقنية وتحسين تواصلهن مع الشركاء، وايضا وصولهن للأسواق المحلية والخارجية".
الدكتور سري ناصر، المختص بعلم الاجتماع، يجد أن هذا الانسحاب له عدة مبررات بالنسبة للمرأة، التي تكون في غالب الحالات اتخذت هذا القرار بعد قناعة. فيقول: "تفاجأ المرأة التي تريد العمل أن ثمة أمورا لم تكن بالحسبان ستترتب على ذلك، فعملها لساعات متأخرة سيؤثر قطعياً على علاقتها مع عائلتها وزوجها، وإذا أرادت أن تستقدم مربية أطفال أو خادمة في المنزل سيكلفها ذلك كثيراً، لتجد أن ما تجنيه من عملها يذهب ويوزع دون فائدة".
ويضيف: "لا ننسى أن المرأة قد تواجه ضغوطا عليها من قبل زوجها وأسرته حتى لا تعمل، وهذا سيعزز المشاكل الأسرية ويعمل على اضطراب الاستقرار. ومن المهم لفت النظر إلى أن الكثير من السيدات يبحثن عن العمل الذي يليق بهن وبأسرهن، ومع وجود فرص عمل ضئيلة وارتفاع نسب البطالة تصبح مهمتهن أصعب، فالكثير منهن يعملن ما يفوق التسع ساعات ودون ضمان اجتماعي، فضلا عن أن العمل يلاحق السيدة للمنزل، فتصبح مشتتة بين بيئة عملها ومنزلها وهنا تكون المشكلة".