"بيت الألعاب الشعبية" في الشارقة.. بهجة التراث
النص المكتوب خرج من الورق إلى واقع حي وسرد محكي في جناح "بيت الألعاب الشعبية" أيام الشارقة التراثية.
عبيد راشد بن صندل و"أبو أحمد" أو "رجل التراث" كما يحب أن يُلقَّب، جميع تلك المسميات لحالة وجدانية غوت الفلكلور والموروث الشعبي حتى قبل هوياته، فخرجت من مكنوناتها حكايات تروي عبق الماضي الأصيل على سطور كتب ومؤلفات عدة أبرزها: "قطوف وقوافٍ من التراث الشعبي الفلكلوري من الحضر والبادية" و"ملامح من ترث الإمارات" و"الأمثال والألغاز الشعبية في الإمارات" و"بيت الألعاب والأهازيج الشعبية".
النص المكتوب خرج من الورق إلى واقع حي وسرد محكي في جناح "بيت الألعاب الشعبية" المقام حاليًّا ضمن أيام الشارقة التراثية المنعقدة بين الـ7 وحتى الـ23 من أبريل 2016.
إن بوابة الزائر لولوج عالم القصص والحكايات الممتعة التي يزخر بها هذا الجناح الفريد في "الأيام"، يكمن في مقابلة هذا المؤلف والباحث التراثي الطاعن في الخبرة والحياة.. ذلك العجوز الذي حفر الزمن على وجهه تجاعيدَ تبدو أوضح في عيناه الضاحكتين وثغره الباسم، كيف لا وهو القائل: "لقد منحني الله طول العمر وأمهلني البقاء والصحة لأكون عين وفَاهَ الماضي والأجداد". هكذا يسبب صندل سبب وجوده في الحياة عمومًا وأيام الشارقة التراثية خصوصًا مفصلًّا بقوله: "في الأيام نقيم جناحًا خاصًّا عن الألعاب الشعبية التقليدية التي عرفتها دولة الإمارات، وفيه نستعرض عددًا كبيرًا من النماذج والمجسمات والصور تحاكي ألعاب الأجداد في الماضي، من أجل منح الصغار الذين لم يشهدوا تلك الحقب فكرة مفصلة وبسيطة عن حياتنا السالفة وكيف أثرت البيئة في روح الطفولة وصياغة معالمها، من هذا المنطلق يمكن للزائر مشاهدة ألعاب الماضي من خلال محاكاتها صورة ومجسمًا وحتى قصة محكية".
يتضح من معروضات هذا الجناح كيف تأثرت حياة الأطفال ببيئاتهم المختلفة؛ فنجد أن ألعاب البيئة البحرية اختلفت عن ألعاب البيئة الزراعية والجبلية والصحراوية، فعلى سبيل المثال عرفت لعبة "ديك ودياية" بين أولاد الساحل لكونها تعتمد على الأصداف والمحار وقواقع البحر، بالإضافة إلى ألعاب "كرة السيطان" و"سبيت حي لوميت"، أما الفتيات فكانت لهن ألعابهم الخاصة مثيلات "لفيرة" و"صاقف لاقف".. لتتمحور ألعاب البيئة الزراعية حول النخيل، لنجد "المريحانة" معلقة على أغصان الشجر، وخوص النخيل وسعفه بمثابة جمال وجياد يمتطيها الصغار، أما بقايا خشب البيوت فكان نواة لمجسمات صنعت تلك السيارات الصغيرة التي ملأت الشوارع قديمًا وتملأ جنبات الجناح حاليًّا.
فضمن معروضات هذا الجناح المميز في "الأيام" يقدم صندلًا بالتعاون مع بعض من محبي التراث والفلكلور الشعبي هياكل سيارات قديمة تحاكي ألعاب الزمن الجميل، حيث تعود تصاميم هذه النماذج إلى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وكان الأطفال يشاهدون هذه السيارات النادرة آن ذاك فيقومون بصنع مصغرات لها من أجل اللعب بها وجرها خلفهم في الفرجان، فيتنافس الأقران بين بعضهم بعضًا لعمل أحسن النماذج وأكبرها. هنا أخذ يسرد لنا صندل: "أتذكر جيدًا هذه الأيام البعيدة كما لو كانت بالأمس، أذكر أن الكبير والضخم من هذه السيارات كانا نجمع فيه الحصا الصغير من على شواطئ البحر، كما لو أنها عربات حقيقية لنقل البضائع والمؤن، وعند تراكم كميات كبيرة من هذا الحصا، نقوم ببيعه لبنائين المباني للتربح منه، حيث كان يدخل هذا النوع من الحصا وقتها في إنشاء الأساسات للمنازل والأبنية والمحلات".
وعن نماذج السيارات التي تفرقت في جنبات الجناح، حكى الباحث عن ذلك المجسم المصغر الذي ضاهى سيارات الشرطة قديمًا، وذاك الذي أمتلكه أحد الأعيان فكان حديث الفريج، وهذا الأخير الذي أخذ يؤشر عليه قائلًا: "في مثيل مطابق لتلك السيارة الحمراء "النصف نقل" كنا ننتقل من الشارقة إلى دبي بـ"روبية" هندية، حيث كنا نتداول هذه العملة قبل صك الدرهم، أتذكر أننا كنا ننتظر تطويلًا حتى يكتمل نصاب العربة فتملأ بالركاب، لينطلق السائق إلى واجهة دار الحي، ليقوم بتحميل الركاب عودة من دبي إلى الشارقة بالقيمة نفسها".
كثير هي المجسمات والألعاب التي أخذ يستعرضها رجل التراث، فشرح عن لعبة "الرنج" التي تتشكل من عجلة الدراجة الهوائية، إذ توضع قطعة من الحديد في وسط تلك العجلة وتدفع للأمام بسرعة. من الألعاب المعروضة كذلك لعبة "الحبيل" الجماعية الخاصة بالفتيات إذ تقف فتاتان كل واحدة منهما تمسك بطرف الحبل مع تحريكه للأعلى والأسفل بشكل سريع، لتقوم لاعبة ثالثة بالقفز أثناء تحرك الحبل دون أن يلمسها. أما لعبة "طاق طاق طاقية" فحضرت بقوة ضمن معروضات بيت الألعاب كونها لعبة شهيرة على مستوى المنطقة، إذ تقوم مجموعة بالجلوس على الأرض بشكل دائري ليتولى أحدهم عملية الجري حولهم أثناء حمله قطعة قماش وترديد أهزوجة شعبية خاصة باللعبة.
ومن حواديت صندل الشفهية إلى قصص الصور التي افترشت بها حوائط "بيت الألعاب الشعبية" والتي تعطي الزائر فكرة عن طبيعة الألعاب للأولاد والبنات، يرتحل المشاهد عائدًا إلى حقب خلت كانت البساطة عنوانها وصدى الضحكات البريئة الخالصة صوتًا لها، فيطلح الناظر على سلوى الأولاد قديمًا ليجد الولد تارة مهاجمًا خصمه في لعبة "المصارعة"، وأخرى مرتديًا جفيرًا كبيرًا في لعبة "الأكياس"، وثالثة قافزًا فوق أقرانه في لعبة "خبز رجاج"، وهو ما تحدث عنه العجوز: "إن ألعاب تلك الفترة كانت تعتمد بشكل كبير على قدرات الأولاد الفردية التي تحث على المنافسة والتميز وسط المجموعة والرفاق، فالمصارعة كان الهدف منها معرفة قوى ومهارة كل واحد منا واستطاعته من التملص من الخصم ووقت الانقضاض والهجوم السليم، لتأتي لعبة "الأكياس" و"خبز رجاج" كاشفة عن رشاقة المتبارين المنافسين وحسن اتزانهم وسرعتهم، وهكذا كانت ألعابنا تحث على اللياقة والقوة والتنافس الشريف بجانب الترفيه والمتعة والضحكات الكبيرة التي كانت لا تنتهي".
aXA6IDE4LjExOS4xNjEuMjE2IA== جزيرة ام اند امز