حقل ألغام أخلاقي.. عندما يختطف الآباء أبناءهم
مشهد مأساوي حقًا عندما يختطف فيه أحد الوالدين الأطفال ثم يعود ليختطفهم الطرف الآخر.
سلطت الضجة، التي أثيرت مؤخرًا في أوروبا وأستراليا، حول قضية السيدة الأسترالية "سالي فوكنر" ومحاولتها اختطاف طفليها من بيروت بعد أن انفصلت مؤخرًا عن والدهما اللبناني، الضوء مجددًا على الطبيعة المأساوية لعمليات اختطاف أحد الوالدين لأبنائهما.
وتكشف هذه القصة عن حجم قضية دولية كبيرة بها أطفال مصابون بصدمات نفسية وآباء مدمرون، وعواقب اصطدام الثقافات وأوجه القصور في القانون الدولي لخدمة العدالة لصالح الفئات الأكثر ضعفًا.
وهنا يقع الجميع، كما ترى صحيفة "الجارديان" البريطانية، في حقل ألغام أخلاقي ويصبحون جزءًا لا يتجزأ من معارك انهيار الحياة الزوجية وقضايا الحضانة.
إنه مشهد مأساوي حقًا يختطف فيه أحد الوالدين الأطفال ثم يعود ليختطفهم الطرف الآخر.
وفي هذه الحالات يلجأ الآباء "للمخبر الخاص" الذي يعمل بمفرده وبهدوء كما فعلت فوكنر والتي أضافت إليه باصطحاب فريق عمل تليفزيوني معها لتصوير الاختطاف وعرضه فيما بعد على أنه اختطاف "مشروع" في هذه الحالة.
وتنتشر مثل هذه الحالات في اليمن وبولندا وكرواتيا وقبرص وليتوانيا ولبنان، وفي حالة أستراليا وحدها فهناك أكثر من ٩٠ حالة سنوية لآباء يعودون إلى منازلهم من العمل أو يذهبون للمدارس لاصطحاب أبنائهم أو يأتون في المواعيد التي قررتها المحكمة للزيارة بعد الطلاق ويجدون أن أطفالهم قد اختفوا واختطفهم أبوهم أو أمهم.
ويعود بعضهم طواعية ويختفي آخرون دون أثر. وفي حالات أخرى يأخذ الآباء أبناءهم في رحلة خارج البلاد ولا يعودون كما فعل طليق السيدة فوكنر.
وعلى المستوى العالمي، فإن ٧٠% من الأطفال تختطفهم أمهاتهم. ومنذ عام ٢٠٠٦ فإن الأمهات مسؤولات عن ٨٤% من حالات الاختطاف.
أما الاختطاف إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط فغالبًا ما يكون المسؤول عنه هو الأب في ٩٢% من الحالات. وتبين أيضًا أن حالات الاختطاف من قبل الوالدين انتشرت وتضاعفت في جميع أنحاء العالم خلال السنوات العشر الأخيرة.
وإذا كان البلد المقصد دولة موقعة على معاهدة لاهاي للأبعاد الأخلاقية لاختطاف الأطفال دوليًا، فإن الأب أو الأم الذي يختطف منه أولاده بإمكانه اللجوء للقضاء استنادًا لهذه المعاهدة.
وإذا كانت الدولة غير موقعة كما هي الحال في لبنان، فإن الأب أو الأم المتضرر ليس لديه مكان يلجأ إليه. هكذا بكل بساطة.
وهنا يأتي دور المخبر الخاص الذي يختطف الأطفال مجددًا، وهو طبعًا يتعدى الحدود القانونية ويستخدم وثائق مزورة ويدفع رشاوى لاختطاف الأطفال في الشارع أو أثناء عودتهم من المدرسة ثم يهرب الأطفال عبر الحدود سيرًا على الأقدام أو عبر قارب أو حتى تحت كرسي سيارة.
وهو يرى أن ما يفعله لا يضر بالأخلاق في شيء بل هو عمل إنساني بحت. ويريح ضميره بإجراء أبحاث عن الآباء الذين يطلبون هذه الخدمة ويتأكد أن الأطفال سيكونون أفضل حالًا مع الأب أو الأم المطالب بالاختطاف.
لكن يتضح في بعض الحالات أن بحثه كان مقصرًا وأن الطرف الآخر يحب أبناءه أيضًا.
والعديد من الآباء المتضررين قد يضطرون إلى عدم فعل أي شيء لاستعادة أطفالهم ويصاب أبناؤهم بصدمة نفسية جراء الاختطاف حتى لو كانوا يفضلون الأم أو الأب الذي اختطفهم.
والحقيقة فإن إطلاق كلمة اختطاف على الآباء المحبين لأطفالهم هو أمر شديد القسوة، لكنها قانونًا تظل هي الوصف المعمول به. ويظل هذا الوضع أيضًا مربكًا للأطفال الذين يحبون كلا والديهم اللذين وضعا رغباتهما في مقام أهم من حاجة أطفالهما.
تمامًا كما هي الحال في قضية فوكنر التي تدعي في قضيتها أمام المحكمة أن الأب اصطحب طفليه نوح (٤ سنوات) ولهيلا (٦سنوات) في إجازة في لبنان العام الماضي ولم يرجعهما كما تعهد، لكن الأب ينكر أنه ارتكب ذنبًا. وحصل أهل الأب على جوازات سفر الأطفال ورفضوا ردها.
وما زالت هذه القضية وغيرها مفتوحة للسؤال والقضاء. وما زالت السيدة فوكنر وفريق التليفزيون مدانين أمام القضاء اللبناني، ولكن تظل المعضلة الأخلاقية تشكل العامل الأساسي في هذه القضايا ولا تجد فيها جانبًا صحيحًا عن الآخر.
والجميع هنا مخطؤون في حق أحبائهم.. أو أطفالهم.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjIwMiA= جزيرة ام اند امز