انقسام الموارنة.. "الفراغ" رئيسًا للبنان
كرسي الرئاسة اللبنانية ما يزال شاغرا منذ نحو عامين، بسبب انقسام الطائفة المارونية.
"الموارنة" في لبنان من أقدم الطوائف الـ18 التي تشكل فسيفساء المجتمع، وحسب العرف السائد لابد أن يكون رئيس الدولة منتميا إليهم بتوافق الجميع، ومنذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في مايو 2014، لايزال كرسي الرئاسة شاغرا، وصلاحيات رئيس الجمهورية معطلة ويتولاها مجلس الوزراء اللبناني.
تبلغ مدة الرئاسة في لبنان 6 سنوات، وينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة النصف + واحد في دورات الاقتراع التالية، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انتهاء ولايته، وتم خرق هذا الشرط في عهد الرؤساء بشارة الخوري وإلياس الهراوي وإميل لحود حيث تم التمديد لهم لنصف فترة رئاسية بعد تعديل الدستور.
وفي لبنان ثلاثة رؤساء قد يتساوون في الصلاحيات كل في مجاله، وهم رئيس الجمهورية المسيحي الماروني، ورئيس الوزراء المسلم السني، ورئيس مجلس النواب المسلم الشيعي، وفي ظل الشغور الرئاسي تم التمديد لمجلس النواب اللبناني بعد انتهاء مدته الدستورية وذلك حتى يونيو 2017.
ولأن انتخاب الرئيس يكون بواسطة نواب الشعب وليس المواطنين، فإن 128 نائبا نصفهم من المسيحيين (الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك وغيرهم)، والنصف الآخر من المسلمين (السنة والشيعة والدروز) فشلوا بعد 38 جلسة للمجلس النيابي في انتخاب رئيس للجمهورية، ليستمر الشغور الرئاسي في البلد الذي يعصف به الاضطراب السياسي لعامين متتاليين منذ مايو 2014.
تتشعب وتتشابك أزمة الرئاسة اللبنانية بشكل كبير، لأن الموارنة أنفسهم منقسمون بين فريقين هما 8 و14آذار، والاتفاق على شخص الرئيس ليس سهلا، لأن كل فريق يتمسك بمرشحه للرئاسة، بدعم داخلي وخارجي إقليمي ودولي، ففريق 14آذار الذي يضم تيار المستقبل السني بزعامة رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري، صاحب أكبر كتلة نيابية، يضم أيضا من الموارنة حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وحزب الكتائب اللبنانية بزعامة رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل، وقد رشح 14 آذار سمير جعجع للرئاسة .
وفي الجانب الآخر فريق 8 آذار الذي يضم حزب الله وحركة أمل الشيعية بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويضم من الموارنة التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون، وتيار المردة بزعامة النائب سليمان فرنجية، وقد رشح 8 آذار في بداية شغور المنصب العماد ميشال عون للرئاسة.
مع استمرار الشغور وفشل المجلس النيابي في حسم المنصب لصالح أحد المرشحين، أعلن زعيم حزب الكتائب أمين الجميل ترشحه للرئاسة، بالرغم من وجود مرشح ماروني من 14 آذار وهو سمير جعجع، فيما رشح النائب وليد جنبلاط، زعيم الدروز، النائب الماروني شارل حلو، كشخص وسطي لتولي المنصب.
ولكسر حدة الجمود في انتخاب الرئيس فاجأ زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الجميع بترشيح شخص من الفريق المنافس لفريقه- 14آذار- وهو زعيم تيار المردة الحليف القوي في 8 آذار، النائب سليمان فرنجية، الصديق المقرب من بشار الأسد، وهو ما زاد الانقسام الماروني.
ولأن الولاءات متباينة داخليا وخارجيا في لبنان، فإن معركة الوصول لكرسي الرئاسة الشاغر في قصر بعبدا هي حرب تكسير عظام واستقواء بأطراف داخلية وخارجية بالنسبة لكل من المرشحين، وبالرغم من أن المرشحين من الموارنة، إلا أن جهودهم تشتت بين 8 و14آذار، وبعض الدول الأخرى منها إيران وسوريا وفرنسا وأمريكا.
وفيما اعتبر عون وحزب الله أن مبادرة الحريري بترشيح ودعم فرنجية، ماهي إلا محاولة لشق الصف في فريق 8 آذار الموالي لإيران وسوريا وحزب الله، حسبها جعجع طعنا في الظهر من حليف كبير في 14آذار التي ينتمي إليها.
ويعود بروز اسم فرنجية كمنقذ للوضع الجامد في انتخابات الرئاسة، إلي دور زعيم الدروز وليد جنبلاط، ورئيس حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بلورة الفكرة التي سرعان ما دعمها الحريري، لتكبر مثل كرة الثلج من طرف لآخر، حتى تصبح حديث الناس والساسة والدول.
وبالرغم من وضوح رؤية الحريري في ترشيح فرنجية وهي الرغبة في العودة إلى السراي الحكومي رئيسا للوزراء بعدما خرج منها في 2010 إثر انسحاب وزراء حزب الله وعون وجنبلاط لتسقط حكومته، إلا أن حزب الله وعون حليفي فرنجية في 8آذار التزما الصمت.
وأدي ترشيح فرنجية من فريق 8آذار إلي زيادة حدة الانقسامات المارونية، ولم تفلح زيارة فرنجية إلي عون، ومن بعده حسن نصر الله.
ومما زاد حدة الانقسام بين الموارنة ما قام به المرشح الرئاسي عن 14آذار سمير جعجع من خطوة استباقية لوقف تقدم حظوظ فرنجية في الرئاسة بالتعاون مع عون، وإعلان دعمه للرئاسة ردا على ترشيح الحريري لفرنجية الذي اعتبره جعجع طعنا في الظهر من الحريري.
وبالرغم من دعم الحريري لفرنجية وكذلك دعم بري وجنبلاط وفرنسا وأمريكا ودول أخرى، لم يحظ فرنجية بدعم المارونيين- جعجع وعون والجميل، فعون مُصر على الوصول للرئاسة بصفته ممثلا لأكبر كتلة مارونية في الشارع، ومدعوم من حليفه القوى حزب الله وسوريا وإيران، وأحد خصوم الأمس سمير جعجع، والجميل ينتظر ما تسفر عنه اللقاءات والتفاهمات، وربما المكاسب أيضا، وبذلك يظل المرشحون الذين يمثلون الموارنة "كعب داير" بين الفرقاء والتيارات السياسية المؤثرة والحاكمة في لبنان.
ومن ناحيته لم يبد رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام تأييده لأحد المرشحين الموارنة، وكذلك لم يفعل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رأس الكنيسة المارونية، ليظل الحال على ما هو عليه للعام الثاني على التوالي، ويظل المنصب شاغرا والصلاحيات مجمدة وسط فشل مجلس النواب في حسم الأمر لصالح أحد المرشحين.
ويبقى التساؤل قائما: هل يستمر الفراغ جالسا على كرسي الرئاسة في ظل عدم التوافق والانقسام الحاد بين الموارنة؟، أم أنهم سيتفقون فيما بينهم لاختيار أحدهم لشغل المنصب؟ أم أن الحل سيكون بشخص آخر من خارج المرشحين ليشغل المنصب.. حيث تتردد أنباء عن زيادة فرص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والوزير السابق جان عبيد لشغل المنصب بعيدا عن المرشحين المتناحرين منذ سنتين؟
aXA6IDE4LjIyNi45My4xMzgg جزيرة ام اند امز