"الخروقات" تكتب شهادة وفاة هدنة سوريا
الهدنة السورية باتت على المحك مع تزايد غارات نظام بشار الأسد وتهديد المعارضة بخرقها
ما إن كشف ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، عن نية الروس والأمريكان، بتنظيم مراقبة الهدنة السورية، حتى أعلنت غرفة عمليات جيش "فتح حلب" عن منحها المجتمع الدولي مهلة 24 ساعة، للضغط على النظام السوري وحلفائه لإيقاف الهجمات على المدنيين، وإلا "سيحل الجيش الحر التزامه بالهدنة".
يحدث هذا مع تعليق وفد المعارضة السورية مشاركتهم في مفاوضات جنيف على خلفية عدم التزام وفد الحكومة السورية بقرار الأمم المتحدة واستمرار خروقات قرار وقف إطلاق النار في اليومين الماضيين، لاسيما في حلب وريف دمشق وجبل التركمان.
ويأتي ذلك أيضا مع استبعاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لخيار إرسال قوات برية للإطاحة بالأسد، واصفا إياه بـ"الحل الخاطئ"، ملوّحا بإمكانية ممارسة ضغط دولي على جميع الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، بما فيها روسيا وإيران، للمساعدة في الوصول إلى حل سياسي.
النظام هو من أفسد الهدنة
لكن من المعروف أن روسيا وإيران النظام السوري، لم يكونوا يوماً من الباحثين عن حلول سياسية ولن يكونوا، وخير دليل على ذلك بحسب المحلل العسكري والإستراتيجي العميد أحمد رحال، ما يفعله النظام من خروقات لإفساد الهدنة.
وقال العميد أحمد رحال لـ"بوابة العين" إن "النظام يسعى جاهدا لإفساد الهدنة والوقوف أمام الحل العسكري فقط لا غير، فهو خياره الاستراتيجي للبقاء في السلطة، ومن جانبه إيران التي أرسلت مطلع الشهر الجاري عناصر من اللواء 65 التابع للحرث الثوري الإيراني لدعم العمليات العسكرية في سوريا".
وأضاف رحال أن "ما يحدث في جنيف يعطي صورة واضحة عن الحل السياسي "الممسوخ" الذي يبحثون عنه، مع هذه الترسانة العسكرية الثلاثية المؤلفة من الجيش السوري وروسيا وإيران، والتي تعزز بأفعالها وانتهاكاتها والمجازر التي ترتكبها، العبارة الشهيرة التي أطلقها أعوان النظام السوري في بداية الحرب السورية "الأسد أو نحرق البلد"، لكن هذه المرة "ما تبقّى من البلد".
كما تبعث طاولة الحوار السويسرية بحسب الرحال "برسالة أخرى أكثر خطورة تقول إن جبهات سورية ومدنها وقراها مقبلة على عمليات مدمرة تقودها موسكو وطهران ووقودها الشعب السوري، لتعيد إنتاج وإبقاء حليفها "الأسد" على كرسي السلطة رغم إرادة معظم السوريين".
الحل السياسي ليس في جنيف
من جهته، قال المفكر السوري ورئيس المجلس الوطني السوري السابق برهان غليون، إن تعليق المفاوضات وحده لا يكفي وإن الرهان على استجابة الأسد لمطالب إنسانية، أو على مقدرة دي ميستورا على الضغط على الأسد، "كأمل إبليس في الجنة".
واقترح غليون على المعارضة بهدف تشديد الضغط على العواصم المتخاذلة والتي تكاد تتخلى نهائيا عن التزاماتها الدولية، أن تخرج من مكاتبها حول العالم وتقوم بجولة على الجاليات السورية في العواصم الرئيسية التي تضمها خاصة في أوروبا وأمريكا، والعمل على تعبئتها لحماية أهداف الثورة وكذلك تعبئة الرأي العام العالمي أيضا ضد سياسة إعادة تأهيل الديكتاتورية، في بحسب رأيه "الوسيلة الوحيدة التي تملكها المعارضة اليوم للضغط على الدول الفاعلة من خلال الضغط على رأيها العام".
وحثّ غليون على تشكيل وفود صغيرة من المثقفين والسياسيين والمقاتلين الديمقراطيين تجوب العالم للتحدث مع السوريين أولا ثم مع قطاعات الرأي العام العالمي المختلفة، لشرح قضية السوريين وأهدافهم، ولإعادة صورة الثورة إلى أصلها، والتذكير بمبادئها، وقطع الطريق على أي حل يفرض على السوريين يتعارض مع إرادتهم ويقوم على تقاسم المصالح ومناطق النفوذ سواء بوجود الأسد أو من دونه.
ويرى غليون أن إصرار الأسد على البقاء في السلطة والاستمرار بارتكاب المجازر بحق الشعب السوري هو وسيلة للضغط المزدوج على الشعب والمجتمع الدولي في الوقت نفسه.
فالرئيس الأسد بحسب غليون "يدرك أكثر من أي فرد آخر أن مصدر قوته الوحيد إزاء الغرب والعالم ليس مشاركته في الحرب ضد الارهاب وقد تفكك جيشه تماما، ولا قبوله بقرارات الأمم المتحدة وتطبيق قرارات مجلس الامن، ولا تبنيه سلوكا إيجابيا في مفاوضات جنيف، وإنما تطرفه في تحدي الضمير الإنساني بالذات وابتزازه العالم جميعا بعدم تردده في ارتكاب أشنع المجازر والجرائم، واستهتاره بجميع ما تنشره المنظمات الإنسانية من تقارير مادام مطمئنا إلى وجود من يحول دونه والعقاب الذي يستحقه".
الأسد يعلن انتهاء الهدنة
في السياق، وسّع النظام السوري، أمس السبت، وبشكل غير مسبوق منذ انطلاق الهدنة في فبراير/شباط الماضي، عملياته العسكرية الجوية، ما أدى إلى مقتل ما يزيد على 23 شخصا في مدينتي حلب (شمال) ومدينة دوما في الغوطة الشرقية لدمشق، معلنا بذلك "انهاء الهدنة" بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأفاد المرصد، وهو شبكة حقوقية مقرها لندن، بمقتل 13 شخصا بينهم طفلان وإصابة 22 آخرين جراء قصف مدفعي لقوات النظام على مناطق في مدينة دوما، معقل الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق والمحاصرة منذ عام 2013.
كذلك أعلن المرصد مقتل عشرة أشخاص، بينهم طفل، جراء قصف طائرات حربية على مناطق في حي طريق الباب، في الجزء الواقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في مدينة حلب.
وعلّق مدير المرصد رامي عبد الرحمن، على المستجدات الميدانية الأخيرة، بالقول "الهدنة انتهت، فهناك غارات واشتباكات على جبهات عدة من حلب إلى دمشق"، ولفت إلى أنه "منذ بدء الهدنة كنت أجهّز يوميا قائمة بالانتهاكات، أمام اليوم فقد توقفت، لأن هناك 500 خرق"، واستدرك "هذا ليس بخرق، هذه حرب، خصوصا أن هذه المعارك عادت واندلعت في غالبية المناطق التي كانت تشملها الهدنة".