لبنان.. الفنادق خاوية والاقتصاد في كابوس
منذ تصنيف دول الخليج لحزب الله كمنظمة إرهابية، يعيش لبنان كابوسًا اقتصاديًا في العقارات والفنادق والتحويلات المالية.
يومًا بعد يوم تزداد خسارة لبنان الاقتصادية والسياسية، فلا تزال تداعيات قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، تفرض نفسها بقوة ليدفع لبنان ثمن تدخلات هذا الحزب في سوريا والعراق واليمن.
منذ أن صنفت دول الخليج العربي حزب الله منظمة إرهابية، في 2 مارس 2016، ومنع بعضها سفر مواطنيها إلى لبنان، اختفت السياحة الخليجية من بيروت والمناطق اللبنانية التي كانت تزدحم بالسياح الأثرياء شتاءً وصيفًا، وأصبحت الفنادق خاوية على عروشها لدرجة أنها خفضت أسعار الإقامة في الفنادق لتصل في كثير منها إلى 50 دولارًا لليلة الواحدة، وتراست سيارت التاكسي أمام الفنادق باحثة عن زبائن للذهاب إلى الأسواق أو المناطق الجبلية أو الترفيهية ولكنها تظل ساعات قيد الانتظار بحثًا عن زبون يدفع ولو ثمن البنزين الذي تدور به محركاتها.
أصبحت الشقق المفروشة في وسط بيروت وشارع الحمرا والروشة شبه مغلقة لدرجة أن المارة يشاهدون إعلانات الشقق الخالية والقابلة للإيجار منتشرة في كل مكان سواء المناطق الراقية أو المتوسطة، فشارع الحمرا مثلًا وهو أشهر شارع تجاري في لبنان كان من الصعب أن تجد فيه موطئ قدم، والآن خال من رواده، فالمحال بلا بيع، منها ما أقفلت بالجملة، وكثير من المقاهي والمطاعم أغلقت أبوابها أمام شبح الإفلاس.
توقف الرعايا الخليجيين عن السفر إلى لبنان سيفقده 39% من مجموع الإنفاق السياحي، حسبما قالت دراسة نشرتها شركة "غلوبال بلو"، وأكدت أنه استنادًا إلى إحصاءات وزارة السياحة اللبنانية في 2015، فإن السائح السعودي احتل المرتبة الأولى في ترتيب الإنفاق السياحي عام 2015 بنسبة 15%، تلاه السائح الإمارتي بـ 14%، والكويتي بـ 6% والقطري بـ 4%.
مثلت السياحة الخليجية إلى لبنان في العام 2010 حوالي 30% من إجمالي السياح، وأشارت الإحصاءات الصادرة عن وزراة السياحة اللبنانية إلى أن عدد السياح الذين زاروا لبنان في العام 2015 بلغ ما يقارب المليون ونصف المليون سائح، منهم 500 ألف من الدول الخليجية.
وانخفض أعداد السياح السعوديين في لبنان من حوالي 200 ألف سائح في العام 2010، إلى 48 ألف سائح فقط في 2015، وهذا الانخفاض سيزداد أكثر خلال العام 2016 بسبب توتر العلاقات بين دول الخليج ولبنان على خلفية اتهام حزب الله بالإرهاب والوضع الأمني الذي تحذر منه دول الخليج في لبنان، خاصة بعد مقتل 3 سياح كويتيين بغرض السرقة في المناطق السياحية اللبنانية منذ شهرين.
لا تقتصر خسارة لبنان من تصنيف حزب الله منظمة إرهابية على السياحة فقط، ولكن الخسارة تمتد لتشمل تحويلات اللبنانيين العاملين بدول الخليج والذين يتجاوز عددهم 500 ألف لبناني يحوّلون سنويًّا ما يقارب الـ4.5 مليار دولار، أي ما يمثل حوالي 60% من تحويلات الاغتراب، إلى الداخل اللبناني، الأمر الذي قد لا يتحقق بعد مراقبة دول الخليج للتحويلات النقدية للبنان خوفًا من وقوع بعضها في يد حزب الله نظرًا لعلاقاته المتشعبة مع المغتربين.
وعلى هذا الأساس، بادرت السعودية والإمارات والبحرين والكويت إلى إصدار قرارات عقابية ضد كل من يرتبط بعلاقة بحزب الله أو يتعاطف معه، ما جعل الكثيرين من المغتربين اللبنانيين بدول الخليج يغلقون حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حسب ما نُشر بالصحافة اللبنانية خوفًا من تعقبهم وتفسير كتاباتهم على مواقع التواصل كنوع من التعاطف مع حزب الله.
وحسب القطاع المصرفي في لبنان، فإن إجمالي الودائع يقارب 30 مليار دولار، منها ما يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار لمستثمرين سعوديين فقط، كما أن الودائع السعودية ازدادت بين عامي 2007 و2010، خصوصًا في القطاعين العقاري والسياحي، حيث شهد هذان القطاعان بين عامي 2007 و2010 استثمارات ضخمة تجاوزت سنويًّا الـ10 مليارات دولار، مع تضاعف أسعار العقارات من أراض وشقق.
ونظرًا لارتفاع الاحتياطي الأجنبي بمصرف لبنان المركزي، الذي يتجاوز 40 مليار دولار، فإن سحب الودائع الخليجية قد لا يؤثر سلبًا على القطاع المصرفي اللبناني الذي يكاد يكون الوحيد في لبنان المتماسك والقوي، ولكن هذا لا يمنع من ردات فعل سيئة على الاقتصاد اللبناني إذا قرر الخليجيون تصفية أنشطتهم التجارية والاقتصادية بلبنان وبيع ممتلكاتهم من شقق وفيلات وقصور وشركات تجارية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، ما يؤدي - لوحدث - إلى هزة اقتصادية مروعة تصيب لبنان، خاصة في ظل نمو اقتصادي لن يتخطى الصفر حسب تصريحات رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام.
يطرح مراقبون تساؤلات من قبيل: هل تستطيع الحكومة اللبنانية كف يد حزب الله عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية من الخليج إلى العراق وسوريا واليمن أم أن وضع الحزب على أرض الواقع سوف يغل يد الحكومة اللبنانية عن إصلاح ما أفسده بين لبنان والعرب من علاقات وطيدة على مر السنين؟
في هذه الحالة، سيستمر استنزاف الاقتصاد اللبناني وتتضاعف خسارته من توقف السياحة الخليجية، بالإضافة إلى وقف صادرات لبنان إلى الخليج من الخضار والفاكهة منذ بداية الأزمة السورية وإغلاق الحدود مع الأردن وسوريا في وجه شحنات لبنان الزراعية والتجارية إلى الخليج.
وكانت السعودية قد قررت وقف تسليح الجيش اللبناني بهبة قدرها 3 مليارات دولار، بالإضافة لمنحة سابقة بمليار دولار لتسليح القوى الأمنية اللبنانية عقب معركتي عرسال وطرابلس في أغسطس 2014 بين الجيش اللبناني وتنظيمي داعش والنصرة، وأسر 23 عسكريًا لبنانيًا وذبح 4 منهم، نظرًا لموقف لبنان الرسمي من الاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران، وعدم إدانة لبنان للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول الخليج.
وحذرت السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر مواطنيها من زيارة لبنان وطالبت رعاياها الموجودين بلبنان بسرعة المغادرة، حيث إنهم معرضون للأخطار الأمنية بعد سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة في لبنان وتعطيل انتخاب الرئيس الشاغر منصبه منذ سنتين، وكذلك تعطيل عمل الحكومة وجلسات مجلس النواب.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMy4yMCA= جزيرة ام اند امز