مفضلًا العمل على الدراسة، قرر الطفل "سالم" الذي يبلغ من العمر 13 عامًا أن يترك المدرسة ويرافق ابن عمه إلى محل تصليح السيارات.
قرر الطفل "سالم" الذي يبلغ من العمر 13 عامًا أن يترك المدرسة ويرافق ابن عمه إلى محل تصليح السيارات التابع لأحد الجيران، مفضلًا العمل على الدراسة، فقد تعرض في المدرسة لصنوف العقاب الجسدي والضرب من قبل مجموعة من الطلاب، جعلته يفكر كيف سيترك المدرسة ويبتعد عن هذه الضغوط النفسية.
يقول سالم: توفي والدي وأنا صغير، والآن أصبحت "رجلًا"، ويجب أن أساعد أمي وأوفر لها معيشة جيدة، لقد رفضت أمي أن أعمل ولكن سلطة جدي على العائلة لم تسمح لها بأن تحدد أأي طريق أسلك، في الفترة الأخيرة أصبحت علاماتي متدنية، وكرهت المدرسة، ووجدت ابن عمي الذي يكبرني بثلاث سنوات مستمتعًا بعمله في دهان السيارات، وذهبت معه أكثر من مرة إلى الورشة، ووجدت أن هذا العمل جيد.
عمالة الأطفال في الأردن لا تقتصر فقط على الذكور، بل أيضًا الإناث اللواتي يشاركن في ترك المدرسة بحثًا عن مكسب مادي.
تؤكد هدى " 15 عامًا " أن عملها في الصالون سيساعد عائلتها، وأنها تحصل يوميًا على 5 دنانير، وهذا الأجر جيد بالنسبة لها.
تقول سأتعلم المهارات وبعد فترة أجمع المال وافتح صالونًا خاصًّا بي، هكذا قالت أمي لي، وأقنعتني بأهمية العمل وتعلم مهاراته، فهذه المهنة تصفها والدتي بأنها "تدر ذهبًا"، وبالطبع لا تحتاج إلى التعليم في الجامعات.
وتضيف هدى أنا لا أحب الدراسة، وأعمل طوال الأسبوع دون إجازة ولساعات غير محددة وأحصل على وجبة غداء، وأصبح لدي صديقات في الصالون، وإذا جاءت أي حملة للتفتيش فإن صاحبة الصالون تخبرهم أنني قريبتها ولا أعمل لديها، حتى تضمن الهروب من الغرامة.
حملات تفتيش
تقول رئيس قسم عمالة الأطفال في وزارة العمل الأردنية شيرين الطيب: قدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دراسة عدد الأطفال العاملين في الأردن منذ عام 2014 إلى 2016، ممن هم في الأعمار 6-17 سنة ما بين 36 و40 ألفًا في كل من السنوات قيد الدراسة، 2014 و2015 و2016، مع فروقات بسيطة من سنة لأخرى.
وأوضحت أن أكثر القطاعات التي يعمل فيها الأطفال العاملين في الأردن قطاع الخدمات وإصلاح المركبات ومن ثم المطاعم، وتتركز هذه الظاهرة في العاصمة عمان.
أسباب وجهود
وأضافت أن الأسباب التي تدفع الأطفال للعمل في الأردن اقتصادية وتربوية واجتماعية، وأيضًا لأن صاحب العمل يفضل تشغيلهم لسهولة السيطرة عليهم وإعطاءهم أجرًا أقل من الشخص البالغ.
وتتابع الطيب تقوم وزارة العمل من خلال مفتشي العمل في الميدان بتكثيف الزيارات التفتيشية على المؤسسات التي يتواجد فيها الأطفال العاملين، واتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون العمل وإجراء حملات تفتيشية متخصصة على القطاعات الأكثر تشغيلًا للأطفال، بالإضافة إلى حملات توعوية حول كل ما يتعلق بعمل الأطفال من تشريعات ومخاطر عمل الأطفال وأهمية التعليم وحقوق الأطفال تستهدف جميع شرائح المجتمع.
تحريم تشغيل الحدث
ويؤكد الناطق الإعلامي لوزارة العمل، محمد الخطيب أن القانون الأردني ينص في المادة رقم "73" من قانون العمل أنه لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور، وفي المادة "74" من نفس القانون نص على أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، ويتم تغريم أصحاب العمل المخالفين بغرامة تتراوح ما بين "300-500" دينار بحسب المادة "77".
ويتابع الخطيب فيما يسمح للأطفال بين 16و18عامًا لهم بالعمل في أعمال محددة وغير خطرة، بشرط وجود شروط لتشغيلهم، كموافقة أولياء أمورهم وعمل ملف خاص لهم يحوي أعمارهم، وتقاريرهم الصحية وكل التفاصيل المتعلقة بهم، والعمل لـ 6 ساعات فقط، إضافة إلى منع العمل الإضافي والعمل ليلًا، ووجوب حصول الطفل على ساعة استراحة بعد عمل 4 ساعات متواصلة، ويحظر تشغيل الحدث في أيام الأعياد الدينية والعطل الرسمية وأيام العطل الأسبوعية.
انتهاكات مستمرة
مدير مركز الثريا للدراسات الدكتور محمد الجريبيع المختص في علم الاجتماع يرى أن العوامل الاقتصادية لأسرة الطفل تلعب الدور الأساسي في إيصال الطفل إلى هذا الطريق، فمعظم هؤلاء الأطفال يقل متوسط دخل أسرتهم عن 300 دينار بحسب الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال، أيضًا من صفاتهم العامة أنهم يعيشون في أسر يبلغ متوسطها 7 أفراد، وأكثر من نصفهم تسربوا من المدارس بعد استكمالهم المراحل المتوسطة، وهم في أغلب الحالات يكون ذلك نتاجًا للمشكلات أسرية كالطلاق أو الهجر أو وفاة أحد الوالدين، وغيرها من المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر على تكوين شخصية الطفل.
ويردف الجريبيع أن عمل الأطفال بحد ذاته يعد استغلالًا لهم من نواحي عدة، وحرمانًا من التعلم وأبسط الحقوق، كاشفًا عن أنه من أهم الانتهاكات التي يعاني منها الأطفال عدم التزام أصحاب العمل بساعات العمل المحددة، فهم يعملون لساعات طويلة وبأجور منخفضة، وأيضًا حرمانهم من الاستراحة والإجازات الأسبوعية، وفي حال مرض أحدهم لا يوفر صاحب العمل له تكاليف العلاج، إضافة للكثير من التجاوزات الحقوقية.
ووجه الجريبيع دعوته للمؤسسات الأهلية والرسمية لتفعيل دورها للقضاء على هذه الظاهرة، إذ إنها لم تزل موجودة بالرغم من توقيع الأردن مجموعة من الاتفاقيات من أهمها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم "138" المتعلقة بالحد الأدنى لسن العمل واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم "182" حول القضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال، واتفاقية العمل العربية رقم "1" لسنة 1966.